رئيسيالافتتاحيه

إسرائيل تسعى لخلق بيئه طارده في غزه  تمهد لسياسة التهجير

إسرائيل تسعى لخلق بيئه طارده في غزه  تمهد لسياسة التهجير

بقلم رئيس التحرير

واصلت إسرائيل حربها على غزة وسط حصار يمنع دخول المساعدات ويحرم مواطني غزه من الطعام والأدوية والأساسيات لبقائهم على قيد الحياة.

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي السبت أنه أكمل تطويق مدينة رفح ضمن خطة معلنة للسيطرة على مزيد من مساحات القطاع الفلسطيني، تزامنًا مع عمليات إجلاء واسعة النطاق للسكان.

وتتعرض العديد من المناطق في غزه منذ استئناف العمليات العسكرية وخرق اتفاق وقف إطلاق النار لحرب وحشية مهولة مركزة، تتضمن القتل والتدمير والتجويع والاقتلاع والتشريد والإذلال والاعتقال، مع مجازر يومية جماعية، نتيجة توغل الجيش الإسرائيلي في غزه وتقسيم وتقطيع أوصال القطاع وتدمير المرافق الصحية والخدماتيه

حكومة إسرائيل ما زالت ممعنة في استمرار حربها على قطاع غزه والضفة الغربية وتضرب بعرض الحائط بكافة الخطط والمقترحات حول إنهاء الحرب في قطاع غزة، أو إبرام صفقات تبادل أسرى وهدن مؤقّتة، إلى جانب حركة الوفود بين العواصم الإقليمية لعرض تسويات أو تلقّيها، وتستغلها حكومة إسرائيل كغطاء لتنفيذ إستراتجيتها ، وتهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في غزه والضفة الغربية

الخطة الإسرائيلية تسير بخطين متوازيين مسار سياسي وعسكري يفرض بالقوة واقع جديد من خلال تجميع السكان الفلسطينيين في مناطق محدده وضيقه تمهيدا لتنفيذ مخطط الترحيل ألقسري  ، وهذا ليس مجرّد سيناريو ، بل هدف أعلنته إسرائيل صراحة واستأنفت حربها من أجله، بعد انهيار التفاوض مع حركة ” حماس” في منتصف آذار الماضي وسبق وأن أعلنت الحكومة الإسرائيلية  عن تشكيل مكتب لتسهيل عملية الترحيل والتهجير بإشراف وزارة الحرب الصهيونية

ولتحقيق ذلك تسارع قوات الاحتلال الإسرائيلي الخطى لتوسيع السيطرة الجغرافية في قطاع غزة، وتحويل مناطق واسعة إلى ” مناطق أمنية” ، وإجبار الفلسطينيين على النزوح ألقسري لمناطق  محدّدة، كإجراء مرحلي يسبق تنفيذ خطة التهجير الكبرى. ويعكس هذا المسار، بوضوح، النية الإسرائيلية لإعادة رسم خارطة غزة بما ينسجم مع الرؤية التي بشّر بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول ترحيل الفلسطينيين. وتبدو إسرائيل مصمّمة على المضي في هذه الخطة، رغم ما يعتريها من صعوبات، إذ تسعى لتوفير كل الظروف التي تسهّل تنفيذها وتزيد من فرص نجاحها.

الهدف النهائي الذي تسعى إليه إسرائيل هو خلق بيئة طارده من خلال إعادة تشكيل الجغرافيا في غزة، من دون سكان فلسطينيين ، ولم يكن إتمام السيطرة على محور ” موراغ”  في جنوب القطاع، وتحويل المساحة الواقعة بينه وبين محور ” فيلادلفيا” إلى منطقة خالية من الفلسطينيين، مجرّد إنجاز عسكري، بل خطوة مدروسة ضمن إستراتيجية تستهدف تطهير هذه المنطقة ديموغرافياً، لتكون نقطة انطلاق نحو توسيع العمليات في مختلف أرجاء القطاع. وجاءت تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، لتؤكّد هذا الاتجاه، إذ قال صراحة إن الجيش سيوسّع قريباً عملياته في غالبية مناطق غزة، مشيراً إلى إجلاء سكان شمال القطاع، واصفاً ذلك بأنه جزء من مخطط لإتاحة الفرصة لمن يرغب في ” طوعاً” إلى دول أخرى حول العالم، في إشارة إلى خطة ترمب للترحيل.

إن الحديث الإسرائيلي عن صفقات تبادل ووقف إطلاق نار لا يتناقض مع  الخطط الإسرائيلية ، بل يتكامل معها ضمن إستراتيجية تستند إلى استخدام هذه الصفقات كأدوات تكتيكية لشراء الوقت، وإعادة ترتيب أولويات المعركة بما يخدم الهدف الأساسي: تفريغ غزة من سكانها. وبهذا، فإن أي هدنة ستكون مؤقّتة بطبيعتها، وتُقاس مدّتها بحسب عدد الأسرى الإسرائيليين الذين يتمّ الإفراج عنهم، من دون أن تؤدّي إلى وقف الحرب فعلياً أو إنهاء العمليات العسكرية.

ما تفعله إسرائيل، هو تنفيذ خطتها على مراحل. حيث يمكنها تعليق العمليات لبضعة أسابيع وفقاً لسير المفاوضات، لكنها ستعود لاستئنافها ما إن تُطلق دفعات جديدة من أسراها. وحتى في حال لم تُحرّر كل الأسرى، فإن استكمال الخطة يبقى أولوية، ولو تطلّب الأمر التضحية يبعضهم.

المعركة الدائرة اليوم في غزة تحمل  طابعاً هجيناً، عسكرياً وسياسياً. في الشقّ العسكري، تواصل إسرائيل قضم أراضي القطاع تدريجياً، وحشر الفلسطينيين في مناطق محاصرة. أما في الشق السياسي، فقد بدأ الحراك الإسرائيلي السياسي منذ أكثر من أسبوع، وذلك  بعد شهور من الضغط العسكري المكثّف الذي ركّز على استهداف المدنيين. وهذا الحراك يهدف إلى اختبار مدى تراجع حركة  ” حماس ” عن شروطها السابقة، ومعرفة إن كانت باتت مستعدّة لقبول تسويات جزئية تشمل تبادل أسرى مقابل هدن مؤقتة،

الوضع لا يزال بالغ التعقيد. ويبدو أن الولايات المتحدة منحت إسرائيل فرصة جديدة للضغط العسكري في سبيل دفع ” حماس ”  نحو تليين موقفها، على أن تُقيّم النتائج لاحقاً لمعرفة ما إذا كانت الجهود السياسية قد تنضج إلى حلول قابلة للتنفيذ. في هذا الإطار، يبدو أن التفاؤل المفرط في بعض الدوائر هو أقرب إلى محاولة للتأثير في الأجواء منه إلى توصيف دقيق للواقع.

الكرة الآن في ملعب ” حماس”  وهي أمام خيارين أحلاهما مر ، إما القبول بهدنة مؤقتة أو طويلة، تسمح لها بكسب الوقت على أمل تغيّر المعطيات الميدانية لاحقاً، أو التمسّك بموقفها الرافض إلا بوقف كامل للحرب وانسحاب شامل. والخيار الأول يبدو أكثر ترجيحاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب