المسجد الأقصى المبارك أمام خطر متزايد مع حلول عيد الفصح

المسجد الأقصى المبارك أمام خطر متزايد مع حلول عيد الفصح
بقلم رئيس التحرير
يواجه المسجد الأقصى المبارك خطرًا متزايدًا مع حلول “عيد الفصح” العبري، حيث أعلنت جماعات “الهيكل” المتطرفة عن برنامج اقتحامات واسع النطاق، يستمر أربعة أيام متتالية من الاثنين 14 أبريل حتى الخميس 17 أبريل 2025، بمشاركة رموز دينية وسياسية وأكاديمية بارزة من اليمين الإسرائيلي المتطرف.
هذه الاقتحامات لا تمثل مجرد زيارات دينية أو سياحية، بل تأتي ضمن مخطط واضح يستهدف فرض السيادة الدينية اليهودية على المسجد الأقصى، وتحويله تدريجيًا إلى موقع عبادة توراتي، في انتهاك صارخ للوضع التاريخي والقانوني القائم.
اقتحامات على مدار أربعة أيام يقودها متطرفون ويبدأ البرنامج من يوم الاثنين ، باقتحام تقوده شخصية معروفة في أوساط “جماعات الهيكل”، وهو تومي نيساني، مؤسس منظمة “جبل الهيكل في أيدينا”، التي تنشط بشكل يومي في التحريض على اقتحام الأقصى والمطالبة ببناء “الهيكل الثالث” المزعوم. ويُعرف نيساني بخطابه العنيف وتحريضه على تغيير الواقع الإسلامي في المسجد الأقصى بالقوة.
وتتواصل الاقتحامات يوم الثلاثاء 15 أبريل، بمشاركة البروفيسور دان بات، المتخصص في علم الآثار التوراتي، والذي يعمل على تزييف الرواية التاريخية للقدس من خلال مواءمة الآثار الإسلامية والمسيحية مع الأساطير التوراتية. وفي اليوم ذاته، ينضم الناشط الإعلامي المتطرف آرنون سيجال، الذي يروّج علنًا لإقامة “المذبح التوراتي” داخل الأقصى، ويُعرف بملصقاته التي تُصوّر الوزير المتطرف إيتمار بن غفير حاملاً “القربان” في باحات المسجد.
أما يوم الأربعاء، فتكون الشخصية المرافقة للاقتحامات هي المستشرق الصهيوني موردخاي كيدار، أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في الأوساط العربية والإسرائيلية على حد سواء. ويعتبر كيدار – كما يصفه ابحيص – “العقل المنظر لجماعات الهيكل”، لما له من دور في شرعنه رواياتهم التوراتية في وسائل الإعلام العبرية والعربية على حد سواء.
ويُختتم البرنامج يوم الخميس 17 أبريل، باقتحام يقوده موشيه فيغلين، الحاخام المعروف بمواقفه المتطرفة، وزعيم حزب “الهوية”، ونائب رئيس الكنيست الأسبق. ويحاول فيغلين دائمًا فرض واقع جديد داخل الأقصى عبر إدخال أدوات توراتية وأداء الطقوس بشكل علني، بل يسعى لإطالة فترة تواجده داخل المسجد، بهدف مرافقة أكثر من مجموعة من المستوطنين المقتحمين.
ويهدف هذا البرنامج المكثف ليس فقط زيادة عدد المقتحمين خلال “عيد الفصح”، بل ترسيخ وجودهم الرمزي والمعنوي داخل المسجد، وتحويله – على مستوى الوعي الجماعي – إلى مكان مشترك تتقاسمه الديانات، رغم أن حقيقته التاريخية والدينية إسلامية خالصة.
ويندرج هذا المخطط ضمن إستراتيجية إسرائيلية أوسع لتغيير الواقع القانوني والتاريخي في المسجد الأقصى، وهو ما يُعد انتهاكًا مباشرًا للقرارات الدولية، خاصة قرار اليونسكو الذي أكد في أكثر من مناسبة أن الأقصى هو “مكان عبادة للمسلمين فقط”.
إن النفوذ المتنامي لليهود المتدينين في البرلمان والحكومة والمحاكم وأجهزة الأمن يعنى أن المسئولين يصبحون أكثر جرأة في المطالبة بالسيادة على المسجد الأقصى. كما أنه ينطوي على تساهل أكبر تجاه المتطرفين الدينيين الذين يطالبون بالمزيد من السيطرة الفعلية على موقع المسجد، بمعنى آخر يريدون تدمير المسجد الأقصى واستبداله بمعبد ثالث.
لقد تحولت إسرائيل، ببطء، من مشروع استعماري ــ استيطاني ضد الفلسطينيين إلى صراع مع العالم الإسلامي الأوسع، ومن ثم فإن الصراع على القدس يقلب معادلات وجهة الصراع من صراع قومي إلى حرب دينية.
إن النمو الديموغرافى للسكان المتدينين في الكيان الصهيوني ، وزراعة النظام المدرسي لإيديولوجية أكثر تطرفا تستند إلى الكتاب المقدس، واستيلاء مراكز دينية رئيسية على السلطة من قبل المتدينين، وظهور طبقة من الحاخامات ذوى النفوذ الذين يحثون على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والعرب قد مهدت الطريق لعاصفة كاملة في المنطقة
ويعد ذبح القرابين التي ينوي المتطرفون تقديمها في ساحات الأقصى منذ احتلال فلسطين جزء من طقوسهم الإلزامية لبدء إعادة بناء ما يُسمى الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى ، ويُشار إلى أن حاخامات المستوطنين والمدارس الدينية كثفوا خلال الأيام الماضية من اقتحام المسجد الأقصى المبارك استعدادًا لتنفيذ مخططاتهم التهويدية.
ويهدف الحاخامات المتطرفة التي تم ذكر أسمائهم “لإعادة بناء الهيكل الثالث اليهودي” المزعوم للتجهيز والتحضير لتقديم قرابين الدم ونثر دمائها على قبة السلسلة والذي يعني حسب زعمهم أنها بنيت لـ “إخفاء آثار المذبح التوراتي”. ولفتت “جماعات الهيكل المزعوم” إلى أن هناك تغييرًا جذريًا في مواقف الحاخامية العليا ووزارة أديان الاحتلال والحاخمين الكبيرين في الكيان الإسرائيلي بخصوص بناء “الهيكل” خصوصا بأن الظروف الداخلية والدولية والإقليمية مناسبة لهذه الخطوة.
أمام هذا التصعيد الخطير، يتصدر المقدسي ون مشهد الدفاع عن الأقصى، من خلال الدعوات إلى الرباط والاحتشاد في باحاته خلال فترة “الفصح”، خاصة أن الاقتحامات تتم تحت حماية أمنية مشددة من قوات الاحتلال، وبدعم إعلامي منظم.
في ضوء هذا المشهد، يبرز التساؤل الأهم: هل ننتظر حتى يُفرض الأمر الواقع في المسجد الأقصى؟ أم أن الوقت قد حان لتحرّك عربي وإسلامي حقيقي، يضع حدًا لهذا التهديد المستمر ويصون هوية أولى القبلتين وثالث الحرمين؟