ثقافة وفنون

فدائي أم مُخرّب أم مجاهد!

فدائي أم مُخرّب أم مجاهد!

سهيل كيوان

واكب الصراع على فلسطين حربٌ في المصطلحات والتعابير، فلكلّ مصطلح أو تعبير معادل ماديّ على الأرض وله هدف تعبوي أيديولوجي.
شهيدٌ أم قتيل أم ضحية! مقاتل أم مقاوم أم مسلّح أم مخرّب أم إرهابي، انتحاري أم استشهادي! في الوقت الذي يعلن فيه الفلسطينيون عن استشهاد عشرات الآلاف، فهنالك من يصفهم بالمُبادين، أي الذين جرت إبادتهم، كما لو كانوا حَشرات.
هنالك من يصفهم بالضحايا، كما لو أنّهم ماتوا نتيجة حادثة غرق سفينة أو هزّة أرضية.
شتّان بين الفدائي والمخرّب. أما المسلّح فقد أخذ صفته من حمله للسِّلاح، ومن غير توضيح ما هو هدف هذا السّلاح.

أما المقاتل، فهو يبدو تابعاً لمنظّمة رسمية أو لجماعة تقترب من صفّة الرّسمية، كقولك إنّ اللواء الثامن الذي حلّ نفسه كان يحوي في صفوفه حوالي 1500 مقاتل.
جهاديٌ أم ظلاميٌ أم داعشي، إسلامي أم متأسلم! الجهادي يحمل طابعاً دينياً، «الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون». هذا يعني القتال بدافع العقيدة الدينية، أما الداعشي فهي صفة سلبية لما تحمله من إسقاطات، لهذا يقرن نتنياهو اسم حماس بداعش.
المناطق المحتلّة عام 67، أم المناطق المحتلة من غير تحديد عام احتلالها، أم الأرض المحتلة، أم فلسطين المحتلة، أم الضِّفة الغربية، أم يهودا والسّامرة!
هضبة الجولان، أم المرتفعات السّورية المحتلة، حدود وقف إطلاق النار، أم الحدود السّورية الإسرائيلية! القدس الشّرقية، أم المجتمع العربي في القدس، أم الحي القديم من أورشليم، أم أورشليم- القدس أم أورشليم! عرب الـ 48 أم فلسطينيو الدّاخل، أم العرب الفلسطينيون في إسرائيل، أم عرب أرض إسرائيل! أم السّكان الأصليون في فلسطين، وفلسطين الانتدابية أم أرض إسرائيل أم فلسطين التاريخية.
العدوان الثّلاثي عام 1956 وهي التسمية المصرية، أم عملية قادش، وهي تسمية إسرائيلية مصدرها اسم بلدة توراتية على حدود سيناء وأرض كنعان! أم أزمة قناة السّويس وهي التسمية الفرنسية!
أعمال عنف أم انتفاضة؟ منتفضون أم مثيرو شغب! مقاومون للاحتلال في مخيم جنين، أم خارجون عن القانون؟ منطقة الخِلاف أم منطقة احتلها المستوطنون! مستوطنون متطرّفون وفاشيون أم شُبان التّلال! السُّلطة الفلسطينية أم دولة فلسطين أم سلطة رام الله أم سُلطة محمود عباس، أم السُّلطة الوطنية، أم سلطة أوسلو أم السُّلطة العميلة، أم سلطة دايتون! تنسيق أمني أم تنفيذ أوامر الاحتلال! جيش لبنان الجنوبي أم الجيش الحُرّ أم جيش الجنرال لحد.
العالم العربي، أم الدّول العربية! أم الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا كما تستخدمه الخارجية الأمريكية التي تسقط صفة العروبة عن المنطقة.
محتجزون أم أسرى! يصرُّ إعلام الاحتلال على تسمية «مختطفين» ولا يذكر أسرى، وفي هذا إيحاء بأنّ جميع هؤلاء كانوا مسالمين في بيوتهم جرى اختطافهم، في تجاهل تام للجنود الذين تم أسرهم من ثكناتهم أو من داخل دباباتهم بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وبفصل تام عن ما سبق عملية طوفان الأقصى.
إسرائيل من ناحيتها تطلق على كل من تعتقلهم بغض النظر عن أعمارهم وجنسهم ونشاطهم، تسمية أسرى؛ فتوحي بهذا أنّها أسرت عشرات آلاف المقاتلين، هذا يشمل الأطفال والنساء والشيوخ ومدنيين لا علاقة لهم بالقتال.
أما تعبير «محتجزون» فهو يوحي بعصابة من العالم السّفلي دخلت إلى مصرف في سطو مسلح وطلبت فدية مقابل إطلاق سراح المحتجزين.
هنالك اصطلاح «اشتباك مسلّح»، يوحي بقتال بين قوتين متكافئتين، ولكن في الواقع قد يكون بين عدد من الآيات الثّقيلة والمروحيات ومئات الجنود مقابل شخص محاصر في بيت ومسلّح ببندقية أو بمسدّس أو حتى بسيف.
يستعمل الاحتلال تعبير «جرى تحييده»، فالتحييد لا يظهر الدّم ولا القتل أو الاغتيال، ولا أنّ الذي قُتل هو إنسان.
كذلك فإن قوات من الجيش تقوم بتفتيش بيوت في مخيم جنين وتعتقل مشبوهين، ولا تقوم بتخليع الأبواب وإرهاب السّكان وتعتقل من تجده وتعيث فساداً في البيوت.
أو أن المستوطنين سيطروا على بيت تقيم فيه أسرة عربية «تدّعي» ملكيتها له.
بعد أيام، يتحوّل الموضوع إلى «البيت المُختَلف عليه»، وأنّ قوات حرس الحدود أو الجيش تدخّلت للفصل بين المتخاصمين، أي أنّ هناك خلافاً بين جيران، وقوات الأمن المحايدة تدخّلت مشكورة للفضّ بين المتخاصمين.
هنالك آلاف من المصطلحات والتعابير والتسميات التي واكبت الصراع، جرى توثيق آلافٍ منها في كتاب تحت عنوان «حرب المصطلحات في الصراع العربي الإسرائيلي.. دلالات تسميات المواجهات والعمليات العسكرية». من تأليف أ. عبد الرّحمن مرعي، صادر عن مجمع اللغة العربية-حيفا.
يتألّف الكتاب من ثمانية فصول وعشرات وعشرين جدولاً من التّسميات، وقائمة المراجع العربية والعبرية والأجنبية، ويقع في 330 صفحة من الحجم الكبير.
يبحث في اللغة في حالة الصِّراع، حيث تُنتجُ لغةٌ جديدة تعتمد الضّبابية وتعمل على تجميل الواقع البشع والتستّر على حقيقة ما يجري، وتكريس اللغة كوسيلة لتطبيع حالة الحرب، حيث أصبح الحديث عن السّلام نادراً، أو في سياق مشوّه لمعنى السّلام. مثلاً، عملية احتلال جنوب لبنان وحصار بيروت عام 1982 وطرد المقاومة منها، كان اسمها «حرب سلامة الجليل».
يتناول المؤلف تسميات العمليات العسكرية بين الماضي والحاضر، حيث استُمِدّت التّسميات في الماضي من المكان الذي وقعت فيه العملية أو المعركة، بينما صارت تُستمدُ من أهداف الحملة العسكرية، وعموماً تعكس ثقافة دينيّة.
تقوم على هذه التسميات دوائر مختصّة لتحقيق أهدافها النفسية والفكرية.
يعاين الكتاب تسميات الحملات العسكرية عام 1948 على الدّول العربية حيث جرى تنفيذ 46 عملية عسكرية هجومية أو انتقامية لتوسيع رقعة الدولة الناشئة.
كذلك تسمية العمليات المحدودة في مختلف الدول العربية، مثل الإغارة على الفرن الذري في العراق، وغارات وهجمات في عدة بلدان عربية مثل لبنان وتونس وسوريا والسّودان والأردن ومصر وغيرها.
إضافة إلى التسميات على العمليات داخل فلسطين.
كذلك يتناول تسمية المواجهات مع المجتمع العربي في إسرائيل.
آخر النّماذج المُضلّلة التي صدر الكتاب قبلها، هو اقتراح الرّئيس الأمريكي دونالد ترامب تسمية قطاع غزة «منطقة الحرّية» ويبدو أنّه يقصد بالحرّية تحريرها من أهلها وسكانها، فهي ستصبح منطقة حُرّة بعد إبادة شعبها وطرد من يبقون منه، حينئذ تنعم هذه المنطقة بالحرية.
الأسلحة كذلك حمل بعضها اسماً دينياً مثل: مقلاع داوود، والمركفاه، وأسماء مواقع، مثل يريحو، النقب، الجليل، تافور، وغيرها.
أطلقت المقاومة تسميات مثل الزواوي على اسم مهندس المسيّرات التونسي محمد الزواوي الذي اغتيل في تونس، وصاروخ عياش على القائد القسّامي، والياسين، ورنتيسي 160 والعطّار A120 مهندس الأنفاق وM75 على اسم إبراهيم المقادمة أحد قادة حماس، وتسميات دينية مثل أبابيل، والعصف المأكول، وشهاب، ومعركة سيف القدس، وطوفان الأقصى، وعبوّة شواظ وبراق 85، والسّهم الثاقب، وزلزلة الحصون، وحرب الفرقان. وأطلقت إيران على هجومها الصاروخي تسمية «الوعد الصادق، وذلك في 14/4/2024، وردّت إسرائيل بعملية «أيام التوبة» وذلك أنّها الأيام التي سبقت يوم الغفران. أما اليمن فقد أطلق على عملياته في البحر الأحمر اسم «الفتح الموعود».
وحملت عملية اغتيال السّيد حسن نصر الله اسم «النظام الجديد» التي بدأت بإلقاء 80 قنبلة عملاقة خارقة للتحصينات، في إشارة لمقولة بيبي نتنياهو «ننطلق لتأسيس شرق أوسط جديد»، وما زالت حرب الإبادة مستمرة لتحرير الرهائن أو الأسرى أو المختطفين أو المحتجزين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب