ثقافة وفنون

«لام شمسية»: قصة التحرش حين يُرتكب في الظلال

«لام شمسية»: قصة التحرش حين يُرتكب في الظلال

هيفاء بيطار

لأول مرة تطرح الدراما العربية موضوعاً إشكالياً ومهماً جداً، وبقمة الجرأة والتحليل النفسي العميق، وهو موضوع التحرش الجنسي بالأطفال. وقد تعرض المسلسل المصري «لام شمسية» قبل عرضه لاعتراضات كثيرة تُطالب بمنع عرضه، لأنه يكشف الأمراض الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية، خاصة تلك التي تتعرض للتحرش الجنسي، فكيف إذا كان التحرش الجنسي بالأطفال.
يكفي أن تكون فكرة وكاتبة العمل مريم نعوم، التي كتبت سيناريوهات لأفلام ومسلسلات مثل مسلسل «ذات» لصنع الله إبراهيم مثلاً، السيناريو مكتوب كأننا نقرأ رواية إبداعية، الطفل يوسف (7 سنوات) يعيش مع والده وزوجة أبيه (نيلي) التي تحبه كثيراً كأنه ابنها، ولديها طفل آخر من زوجها أصغر من أخيه يوسف اسمه إسماعيل. أم يوسف الحقيقة تركت زوجة طليقها تربي ابنها يوسف، وتزوجت من رجل ثري. والد يوسف يتيم ماتت أمه وهو طفل صغير فعاش مع زوجة أب أحبته وعاملته كابنها، الأستاذ الجامعي الذي يملك كاريزما عالية والكل يُحبه، كما أنه مُبدع إذ يُدرب الأطفال على عروض مسرحية، وهو متزوج من امرأة كأنها في غيبوبة دائمة وبحالة اكتئاب خطير، وحاولت الانتحار مراراً ولديها من زوجها ابنة مراهقة اسمها زينة تحب والدها جداً، الذي يُقنعها أن أمها مريضة نفسياً.
الأستاذ الجامعي المرح والذكي يكسب حب الأطفال الصغار كثيراً بطرق خبيثة ولنوايا خبيثة، إذ أنه يُعطي دروساً خصوصية للأطفال التلاميذ في المرحلة الابتدائية، ويملك أساليب شيطانية في إظهار كل الحب لهم، التلاميذ الصغار يحبونه جداً وينادونه (عمو وسام ـ هذا اسمه في المسلسل) الأستاذ الجامعي وسام، يعطي دروساً خصوصية في غرفة خاصة مُغلقة ليوسف، ويستغل براءة الطفل وسذاجته فيحضنه بقوة ثم يدعي أنه لا يحب أحداً كما يحبه، ويحضر له هدايا فاخرة، لكن العم المريض بمرض التحرش بالأطفال يجر يوسف إلى ما يُسمى (اللعبة السرية) وهي لعبة تتم في ظلام دامس، ويوصيه أن يبقى الأمر سراً بينهما لا يعرفه أحد. وثمة رمز لتلك اللعبة السرية هي نجمة زرقاء صغيرة تضيء قليلاً في الظلام.

الأستاذ المتحرش يسيطر كلياً على يوسف، ويوسف (ككل الأطفال لا يملك الحكمة ولا الخبرة ليُميز أن هذا تحرش جنسي، فالأمر بالنسبة له لعبة سرية، وهو يحب عمه كثيراً ولا يتخيل أن ما يحصل مؤذ وقد يترك آثاراً مدمرة على شخصية الطفل).
ثم يبدأ الطفل يوسف بممارسة تلك (اللعبة السرية مع أخيه الأصغر إسماعيل) ويوصيه أن يبقى الأمر سراً بينهما لأنها لعبة سرية. حسب نظرية فرويد فإن الأطفال يمرون بمرحلة مداعبة أعضائهم الجنسية ببراءة ولذه لا تشبه على الإطلاق اللذة الجنسية عند الكبار، إنها لذه طفولية بريئة ، وربما بأذى مدمر للطفل، لكن من حظ الطفل يوسف أن أمه (زوجة أبيه التي تحبه كثيراً) تكتشف تحرش العم بيوسف، إذ تفتح باب الغرفة المقفلة وترى التحرش والأستاذ يحضن يوسف بقوة، تصرخ وتولول (كانت المناسبة عيد ميلاد يوسف)، وكل العائلة والأصدقاء مدعوون، والد يوسف يجن غضباً فيضرب الأستاذ ( الذي هو بمثابة أخيه) فيصدم رأس الأستاذ بالحائط ويحصل لديه نزيف دماغي يُدخله في غيبوبة. الجميع بمن فيهم والد يوسف يتنمرون على «نيلي» ويتهمونها بأنها غير طبيعية وأن ما رأته ما هو سوى أوهام أفرزتها نفسها المريضة، العم كان يحضن يوسف لأنه يحبه، ولكنها مجنونه ومُعقدة، لكن «نيلي» تُصر على موقفها وهي مستعدة أن تحارب حتى النهاية لتثبت أن يوسف يتعرض للتحرش من قبل عمه، خاصة بعد أن استدرجت ابنها الصغير إسماعيل في الكلام وهي تسأله: بماذا تلعب أنت ويوسف فيحكي لها عن (اللعبة السرية) التي علمه إياها المتحرش الأستاذ الجامعي صاحب الكاريزما العالية (وسام).

تبذل «نيلي» جهداً جباراً في دعم الطفل يوسف الذي يشعر بالعار ويُصبح عدوانياً يتشاجر مع رفاقة، ويغرق في إحساس عميق بالذنب والذهول، إذ يصعب على طفل بريء ويعجز عن فهم شر الكبار أن يكون عمو وسام أستاذه، الذي يحبه أن يكون ما يحصل في (اللعبة السرية) تحرشاً، ترفع «نيلي» دعوى تحرش بمساعدة محامية صديقتها، لكنها تضطر للتنازل عن الدعوى لأن زوجها الذي ضرب ابن عمه وتسبب بنزيف دماغي له وغيبوبة قد يدخل السجن، ويكون رأي الجميع (رجاء من دون فضايح) فأكثر ما يهم الناس في مجتمعنا العربي هو الفضيحة، سفاح القربى منتشر كثيراً في مجتمعنا العربي، لكن المهم أن لا تظهر على العلن، خاصة إذا كان تقديم شكوى إلى القضاء الذي غالباً ما يكون متحيزاً للرجل (للأقوى)، لا أزال أذكر الهجوم الفظيع والتنمر على رواية محمد شكري «الخبز الحافي» حين كتب أنه ورفاقه المراهقين كانوا يتعرضون للاغتصاب من قبل صاحب المقهى، رفضت كل دور النشر العربية نشر الرواية، لأنها تفضح بصدق قاع المدينة، وقاع المجتمع العربي الغارق في الجهل وشعاره (كونوا كالنعامة) ادفنوا الحقيقة مهما كان ثمن الأذى على الأطفال، فالمهم التستر وعدم التشهير. يتبين أن الأستاذ المتحرش بالطفل يوسف كان يتحرش بأطفال كثيرين يعطيهم دروساً خصوصية، ويوقعهم في شباك التحرش الجنسي عن طريق (اللعبة السرية)، ويتبين أيضاً في سياق حلقات المسلسل، أن «نيلي» نفسها تعرضت لتحرش جنسي من قبل جارة لها، لكنها لا تذكر الأحداث بالتفصيل، لكن الجرح النفسي العميق الذي تركه هذا التحرش بها، وهي طفلة ترك آثاراً مؤلمة وخطيرة في شخصيتها، فهي تتشنج وتعجز عن ممارسة الجنس مع زوجها، رغم أنها تحبه كثيراً، لكن جسدها والأذى الجسدي والنفسي، الذي تعرضت له وهي طفلة جعل لاوعيها يرفض أي لمس. في نهاية المسلسل تتم محاكمة الأستاذ المتحرش بعد أن تقوم «نيلي» بنشر قصتها وقصة يوسف على الإنترنت، فتتقدم عدة أسر مع أطفالها ليشهدوا مع «نيلي» أن أطفالهم تعرضوا للتحرش. ويتم الحكم بالسجن مدى الحياة على الأستاذ المتحرش. ويشفى يوسف من الشعور بالخزي والألم وقد أدرك (رغم عمره الصغير) أن تلك اللعبة السرية مؤذية جداً.
تناول مسلسل لام شمسية قصة التحرش الجنسي بالأطفال، بطريقة علمية ونزيهة وواقعية، ونبه إلى الخطر الكبير المُحدق بأطفالنا، وبأنه يجب عدم السكوت أبداً عن هذه المشكلة التي ستترك آثاراً كارثية في نفسية الطفل مدى الحياة، وقد تكون للأسف سبباً في انحرافه حين يكبر. وكما يُقال في الطب البشري (الجرح لا يشفى إن لم يُكشف)، كذلك جروح الروح لا تشفى، إن لم يتم كشفها والتحدث عنها، وأن ينال المتحرش مهما كانت مكانته عقابه.

المسلسل المصري «لام شمسية» 15 حلقة إنتاج 2025. كاتبة المسلسل: مريم نعوم
إخراج: كريم الشناوي.

كاتبة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب