أوروبا تغرّم «آبل» و«ميتا»

أوروبا تغرّم «آبل» و«ميتا»
في خطوة تعكس تشدّد أوروبا في ضبط عمل شركات التكنولوجيا العملاقة، فرضت المفوضية الأوروبية غرامات باهظة على شركتَي «آبل» و«ميتا»، على خلفية مخالفات تتعلّق بممارسات اعتبرها الاتحاد الأوروبي غير عادلة تجاه المنافسين والمستخدمين.
تأتي هذه العقوبات وسط أجواء تجارية مشحونة بين أوروبا والولايات المتحدة، إذ ما تزال الأولى تسعى إلى تهدئة التوترات الجمركية التي فجّرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إلا أن الغرامات الأخيرة من شأنها أن تعقّد مسار التفاهمات التجارية بين الجانبين.
غرامات «آبل»… بسبب قيود متجر التطبيقات
اتهمت المفوضية الأوروبية شركة «آبل» بفرض قيود تعسفية داخل متجرها الرقمي «آب ستور»، تحدّ من قدرة مطوّري التطبيقات على التواصل المباشر مع المستخدمين لتقديم عروض أرخص خارج المنصة الرسمية. وبناء عليه، فُرضت على الشركة غرامة قدرها 570 مليون دولار أميركي.
وأشارت السلطات الأوروبية إلى أن هذه الممارسات تقوّض المنافسة وتكبّل حرية الاختيار لدى المستخدمين، معتبرة أن «آبل» تفرض ما يشبه الضريبة غير المباشرة على أي محاولة لتجاوز هيمنتها.
ورغم إجراء تغييرات محدودة في خيارات المتصفح ونظام التشغيل، إلا أن المفوضية رأت أن الشركة لا تزال تعيق ما يُعرف بـ«التحميل الجانبي» (sideloading)، أي تنزيل التطبيقات من خارج المتجر الرسمي، ما يُعد مخالفة واضحة لقانون الأسواق الرقمية الجديد.
-
اعتبرت «ميتا» أنّ القرار الأوروبي «ينمّ عن ازدواجية في المعايير»
نموذج «ادفع أو وافق» من «ميتا»
أما شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام»، فغرّمتها المفوضية 228 مليون دولار بسبب اعتمادها نموذجاً تجارياً مثيراً للجدل يُعرف بـ«ادفع أو وافق». وبموجبه، يُمنح المستخدم خياراً بين قبول التتبع الإعلاني مقابل الخدمة المجانية، أو دفع رسوم اشتراك للتخلّص من الإعلانات.
اعتبرت الهيئات الأوروبية هذا النموذج انتهاكاً لمبدأ الموافقة الحرة والمستنيرة، إذ يُفرض على المستخدم واقع تجاري لا يترك له خياراً حقيقياً. وأكّدت المفوضية أن النموذج يُضعف من حق الخصوصية ويجبر المستخدمين على قرارات غير عادلة.
ورغم تقديم «ميتا» اقتراحاً بتعديل النموذج القائم، فإن المفوضية لم تحسم بعد موقفها من هذا التعديل، ما يعني أن القضية ما تزال مفتوحة.
اتهامات أميركية بـ«تمييز الشركات الناجحة»
الشركتان الأميركيتان لم تلتزما الصمت، فقد أعلنت «آبل» نيتها الطعن في القرار الأوروبي، ووصفت العقوبة بأنها «ظالمة وتضرّ بخصوصية المستخدمين وأمنهم». فيما اعتبرت «ميتا» أن المفوضية «تضع العصي في دواليب الشركات الأميركية الناجحة، بينما تغضّ الطرف عن شركات أوروبية وصينية».
واعتبر مدير الشؤون الدولية في «ميتا»، جويل كابلان، أنّ القرار الأوروبي «ينمّ عن ازدواجية في المعايير»، مؤكّداً أن الشركة ستستمرّ في الحوار مع بروكسل لإيجاد حلول.
لمعرفة المزيد عن الإجراءات الرقابية على شركات التكنولوجيا، اقرأ أيضاً: «ميتا» تحت مجهر الرقابة!
توازن بين الردع والتهدئة
ورغم أن الغرامات لا تمثّل سوى نسبة ضئيلة من أرباح الشركتين (93.7 مليار دولار لـ«آبل» و62.4 مليار دولار لـ«ميتا» في 2024)، إلا أن الرسالة الأوروبية واضحة بنيّتها تطبيق قانون الأسواق الرقمية.
وأكّدت المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة، تيريزا ريبيرا، أن «القرارات الحالية توجّه رسالة قوية ومتوازنة، هدفها حماية القيم الأوروبية وضمان بيئة تنافسية عادلة».
وأضافت أن «الشركات أمامها مهلة ستين يوماً لتنفيذ التعديلات المطلوبة، وإلا ستواجه غرامات يومية متصاعدة».
صراع سياسات أم حماية خصوصية؟
تأتي هذه الإجراءات في وقت بالغ الحساسية، إذ يجري الاتحاد الأوروبي مفاوضات شائكة مع الولايات المتحدة لرفع رسوم جمركية فرضها ترامب على واردات أوروبية. وقد سبق لترامب أن هاجم الغرامات والضرائب الرقمية الأوروبية واعتبرها استهدافاً ممنهجاً للشركات الأميركية.
وفي ظل هذا التوتر، حذّر بعض النواب الأوروبيين من أن أي تهاون في تطبيق القانون الجديد قد يقوّض مصداقية السياسة التنافسية في أوروبا. ودعوا إلى تسريع التحقيقات مع شركات أخرى مثل «غوغل» و«إكس».
تمثّل الغرامات المفروضة على «آبل» و«ميتا» أول تطبيق فعلي لقانون الأسواق الرقمية الأوروبي، وهي بداية مرحلة جديدة من الرقابة التكنولوجية العابرة للحدود. وبينما تحاول بروكسل فرض قواعد عادلة على الكبار، لكن إلى أي مدى تستطيع أوروبا مقاومة الضغوط السياسية والاقتصادية الأميركية في هذا الملف الشائك؟