محاولات إسرائيلية للتهرب من المحاسبة القانونية الدولية: أوامر اعتقال نتنياهو باقية… حتى الآن

محاولات إسرائيلية للتهرب من المحاسبة القانونية الدولية: أوامر اعتقال نتنياهو باقية… حتى الآن
قبلت غرفة الاستئناف في محكمة العدل الدولية في لاهاي يوم الخميس الفائت أحد الطعون التي تقدم بها الفريق القانوني المكلف بالدفاع عن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه، يوآف غالانت، اللذين اشتبهت بهما المحكمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأصدرت بحقهما أوامر اعتقال دولية ملزمة قانونياً. الطعن الذي قبلت به غرفة الاستئناف يتعلق بخطوة قانونية كان يفترض أن تتخذها هيئة القضاة ولا يعني إلغاء أو تعليق أوامر التوقيف بحق نتنياهو وغالانت التي كانت قد صدرت في 21 تشرين الثاني 2024، علماً أن بعض الدول الأوروبية الموقعة على نظام المحكمة (نظام روما الأساسي)، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تتردد أصلاً في الالتزام بما أمرت به المحكمة. دول أخرى مثل المجر علقت عضويتها في المحكمة لمنع اعتقال نتنياهو أثناء زيارته إلى بودابيست في 3 نيسان 2025.
قبل عرض تفاصيل قرارات غرفة الاستئناف، لا بدّ من التشديد على أن المحكمة الجنائية الدولية لم تقبل الطعن في اختصاص المحكمة نفسها، بل ما أمرت به يقتصر فقط على أنه كان يفترض على الدائرة التمهيدية أن تنظر في طلب «إسرائيل».
وبكل أسف قد تستخدم بعض الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي المجرم قرار غرفة الاستئناف للادعاء الأخير كحجة بأنها غير مُلزمة بتنفيذ أوامر الاعتقال. لكن ذلك يشكل انتهاكاً لنظام روما الأساسي يُضاف إلى الانتهاكات التي سبقت صدور قرار غرفة الاستئناف المتمثلة بالتمنّع عن اعتقال نتنياهو أثناء وجوده في أجواء أو في أراضي دول موقّعة على نظام المحكمة (125 دولة بما فيها كل دول الاتحاد الأوروبي).
في التفاصيل، قررت غرفة الاستئناف يوم الخميس أنّه من حق الإسرائيليين الطعن في اختصاص المحكمة للنظر في هذه القضية (استناداً إلى المادة 82 من نظام المحكمة) لأن الكيان الإسرائيلي لم يوقع نظام روما الأساسي وليس عضواً في المحكمة. وحسمت الغرفة أنه كان على هيئة القضاة التي صدّقت على أوامر الاعتقال التي أصدرها المدعي العام الدولي كريم خان، أن تعالج موضوع الاختصاص.
رفضت دائرة الاستئناف في «الجنائية الدولية» حجة «إسرائيل» بأنه كان ينبغي إخطارها قبل التحقيق
ويفرض قرار غرفة الاستئناف على الهيئة إعادة فتح المجال أمام الإسرائيليين بتقديم حججهم في مذكرات طعن باختصاص المحكمة للنظر في هذه القضية. ويُتوقّع أن يقدم المدعي العام بعد ذلك مذكرات تردّ على تلك الحجج وتؤكد اختصاص المحكمة استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 12 من نظام روما التي تجيز «للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي أو قبلت باختصاص المحكمة». وقد اعترفت منظمة الأمم المتحدة بدولة فلسطين في تشرين الثاني 2012 ووقعت دولة فلسطين إعلان روما الأساسي يوم 2 كانون الثاني 2015.
إضافة إلى ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ من حقّ الإسرائيليين بحسب نظام المحكمة، أن يطعنوا باختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في هذه القضية في أي مرحلة من مراحل إجراءات المحاكمة، ولا يُشكّل صدور أوامر اعتقال عائقاً أمام ذلك، وبالتالي لا علاقة لقبول غرفة الاستئناف الطعن الإسرائيلي بتعليق أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت. تلك الأوامر ما تزال ملزمة قانوناً وقابلة للتنفيذ.
الفريق القانوني المكلف الدفاع عن نتنياهو وغالانت كان قد قدم طعناً آخر يتعلق بأنه كان ينبغي للمدعي العام إخطار الإسرائيليين ببدء التحقيق في ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إذ كان «من حقهم الطعن في مقبوليته». علماً أنّ الجرائم الإسرائيلية ارتُكبت على الملأ وهي جرائم متمادية وما تزال مستمرة حتى اليوم. ويوم حضر المدعي العام الدولي إلى رفح في شباط 2024 ومنعه الجيش الإسرائيلي من الدخول إلى غزة، كان شاهداً على منعهم إدخال الطعام والأدوية والمساعدات الإنسانية بالقوة إلى المدنيين المحاصرين في غزة، ويشكّل ذلك جريمة موصوفة ضد الإنسانية تتمثل بتجويع البشر.
رفضت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية حجة «إسرائيل» بأنه كان ينبغي إخطارها قبل التحقيق وردّت الحجج التي قدمها محامو «إسرائيل» وحسمت بأنه لم يكن المدعي العام مُلزماً بإخطار السلطات الإسرائيلية عند بدء التحقيق.
في الخلاصة يُتوقع استمرار محاولات الالتفاف على أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضغط على القضاة الدوليين في لاهاي للتراجع عن محاولات محاسبة الكيان الإسرائيلي، بينما يُفترض أن تصدر أوامر اعتقال بحق عدد كبير من الضباط في جيش العدو الإسرائيلي والمحرّضين والمشاركين والداعمين لقتل المدنيين وارتكاب المجازر بحقهم واستهداف المستشفيات والمدارس والإسعافات ومراكز الأمم المتحدة وتجويع الناس وقطع المياه وغيرها من الأعمال الجرمية الوحشية التي يستمر العدو الإسرائيلي بارتكابها في قطاع غزة المحاصر من دون أن يتحرك «المجتمع الدولي» بجدية لإيقافها.