تحقيقات وتقارير

تشاتام هاوس: تطور العلاقات الصينية الهندية يرسم مستقبل النظام الدولي في آسيا والعالم

تشاتام هاوس: تطور العلاقات الصينية الهندية يرسم مستقبل النظام الدولي في آسيا والعالم

لندن: رغم أن الكثيرين من صناع السياسة والمحللين يعتبرون أن العلاقات الصينية الأمريكية القضية الجيوسياسية المحورية في العالم خلال القرن الحادي والعشرين، فإن هناك تيارا يرى أن العلاقات بين الهند والصين ستكون لها تأثيرات أطول مدى وأوسع نطاقا على مستقبل آسيا والنظام العالمي ككل.

وفي ورقة بحثية نشرها موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) يقول الدكتور شيتيجي باجباي الباحث الزميل لبرنامج جنوب آسيا وآسيا والمحيط الهادئ في المعهد والدكتور يو جي الزميل الباحث في برنامج الصين وآسيا والمحيط الهادئ، إن هاتين الدولتين الأكثر سكانا في العالم يمثلان معا حوالي 40% من إجمالي عدد سكان العالم. كما أن الصين تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في حين تمتلك الهند خامس أكبر اقتصاد. وعلى الرغم من أن صعودهما له آثار مهمة على مستقبل الحوكمة العالمية، فإن العلاقات بين الصين والهند لا تزال غير مفهومة بشكل جيد خارجهما.

العلاقات الهندية الصينية تتأثر بمجموعة عوامل شديدة التعقيد، بعضها يرتبط مباشرة بالدولتين وبعضها يرتبط بأطراف خارجية

فالعلاقات الهندية الصينية تتأثر بمجموعة عوامل شديدة التعقيد، بعضها يرتبط مباشرة بالدولتين وبعضها يرتبط بأطراف خارجية سواء كانت إقليمية أو دولية.

وفي مقدمة هذه العوامل التوترات الناجمة عن نزاع حدودي طويل الأمد وغير محسوم بينهما.  لكن هذا النزاع ليس سوى أحد أعراض تنافس جيوسياسي أوسع وأعمق.  فكل دولة منهما تنظر إلى نفسها كدولة حضارية عريقة تستحق مكانة إقليمية ودولية مميزة. ومع تنامي نفوذهما تظهر مساحات جديدة للتنافس بينهما،  بدءا من الجغرافيا الاقتصادية ووصولا إلى اختلاف المواقف بشأن قضايا عالمية مثل التحول نحو الطاقة الخضراء.

ولما كان صناع السياسة في الغرب ينظرون بشكل متزايد إلى صعود الهند باعتباره تطورا إيجابيا في مواجهة الصين، فإنه من الضروري الوصول إلى فهم أوضح لمواقف الدولتين والتفاعل بينهما، وهو ما تركز عليه الورقة البحثية التي نشرها معهد تشاتام هاوس من خلال دراسة العلاقات الهندية الصينية وتصحيح الكثير من المفاهيم الخطأ المنتشرة حول طبيعة هذه العلاقات.

ففي أغسطس/آب 2024 قال وزير الشؤون الخارجية الهندي إس جايشانكار إن العديد من دول العالم لها علاقات صعبة مع الصين، لكن الهند “لديها مشكلة خاصة مع الصين إلى جانب مشكلة الصين العامة مع العالم”.

ورغم ذلك جاء توقيع اتفاقية حدودية بين البلدين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لكي يفتح الباب لتهدئة التوترات بين بكين ونيودلهي، حيث كان الوزير يشير إلى تعقيد العلاقات بين الصين والهند، والتي اتسمت على مدى تاريخهما الطويل من التفاعل والتوتر المتقطع بالتقارب والتباعد في وقت واحد.

ويقول الباحثان شيتيجي باجباي ويو جي إنه على الغرب تطوير فهم أفضل لعلاقات الهند والصين وتداعياتها على البلدين، مع تزايد عمق علاقاته معهما. ففي حين لا يربط صانعو السياسات الغربيون سياساتهم تجاه الصين بعلاقتهم مع نيودلهي، فإن سياسات الغرب تجاه الهند مدفوعة إلى حد كبير بعلاقة نيودلهي مع بكين. كما تحتاج الولايات المتحدة تحديدا إلى إدراك طبيعة العلاقة الصينية الهندية وتفاصيلها الدقيقة من أجل بلورة توقعات أكثر واقعية تجاه الهند في سياق المنافسة الاستراتيجية لواشنطن مع بكين.

في حين لا يربط صانعو السياسات الغربيون سياساتهم تجاه الصين بعلاقتهم مع نيودلهي، فإن سياسات الغرب تجاه الهند مدفوعة إلى حد كبير بعلاقة نيودلهي مع بكين

وتعتبر نظرة الولايات المتحدة للهند كحصن منيع في وجه صعود الصين، إحدى الركائز الأساسية للعلاقات الهندية الأمريكية.  وقد تعزز هذا التوجه مع تدهور علاقات كل من نيودلهي وواشنطن مع بكين.  ومع تعميق العلاقات الهندية الأمريكية، أعرب البلدان عن مخاوفهما المشتركة بشأن سلوك الصين.  كما أصبحت الهند أكثر استعدادا للتنديد بأفعال الصين العدوانية، من بحر الصين الجنوبي إلى مضيق تايوان.

وإذا كانت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، جادة في دعم الهند باعتبارها حائط صد قوي  في وجه صعود الصين، فعليها أن تطور توقعات أكثر واقعية لما يمكن أن تقدمه الهند.  فالميل التاريخي للهند نحو الاستقلال الاستراتيجي في سياستها الخارجية يحد  من مدى اصطفافها مع الغرب ضد الصين. كما أن الاعتبارات العملية والاقتصادية الناشئة عن اعتماد الهند على الصين كمورد للمكونات والمواد الخام اللازمة لتنميتها الصناعية، يفرض قيودا على الاصطفاف الهندي مع الغرب. في الوقت نفسه فإن هذا الاعتماد الهندي على الصين يقوض الرواية التي يروج لها أحيانا صناع السياسات الغربيون، التي تصور الهند كمستفيد من الجهود المبذولة لتقليل المخاطر أو تنويع سلاسل التوريد العالمية بعيدا عن الصين.

في الوقت نفسه يميل جزء كبير من العالم إلى النظر للعلاقة بين الصين والهند من منظور ضيق، يتمثل في نزاع إقليمي طويل الأمد لم يحل بعد، وهو ما عززته الاشتباكات على طول حدودهما المشتركة في يونيو/حزيران 2020 .  ثم جاء الإعلان عن اتفاقية حدودية بين الصين والهند في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمثابة خطوة مهمة نحو إرساء “حواجز أمان” في العلاقات الثنائية. ومع ذلك، لا تزال خطوط الصدع الأساسية في العلاقة الثنائية قائمة، ولا يمكن تجاهل خطر المواجهات والمناوشات المستقبلية. لذلك يمكن القول إن العلاقات الهندية الصينية لن تشهد تحول النزاعات إلى صراع واسع النطاق، ولا تحول التقارب إلى تقارب دائم بينهما.

وعلى الرغم من التوترات المستمرة على طول الحدود، من الخطأ النظر إلى العلاقات الثنائية من خلال قضية الحدود وحدها. فهذا النزاع هو بالأحرى أحد أعراض تنافس جيوسياسي أوسع نطاقا بينهما.

وتشكل السيادة والمكانة جوهر العلاقة الصعبة بين البلدين. ففيما يتعلق بالسيادة، تتشابك قضايا إقليم التبت بالنسبة للصين وكشمير بالنسبة للهند مع نزاعهما الحدودي. أما فيما يتعلق بالمكانة، فلا تزال الصين غير راغبة في الاعتراف بالهند كند ومساو لها، مما يشعر الأخيرة بالإحباط المستمر.   ويفاقم هذا الرفض المعضلة الأمنية بين البلدين، لا سيما وأن الصين تميل إلى اعتبار الهند مجرد بيدق في المنافسة الجيوسياسية الأكثر أهمية مع الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، ثمة نقاط تقارب عديدة بين البلدين، والتي غالبا ما يتجاهلها الغرب.  فالبلدان يتشاركان في رؤى عالمية متشابهة، كما يتجلى في مواقفهما من قضايا السيادة، وميلهما إلى اعتبار نفسيهما دولتين حضاريتين وقائدتين للجنوب العالمي، وسعيهما نحو توزيع أكثر عدالة للنفوذ في النظام العالمي.

ومع ذلك، فإن الهند والصين لا تسعيان نحو تحقيق هدف مشترك، رغم أوجه التشابه المهمة في بعض الخيارات. فالصين تحمل رؤية معادية للغرب، وتستهدف قيام نظام عالمي جديد تماما بعيدا عن النظام الحالي الذي يقوده الغرب، في حين أن الهند تحمل رؤية أكثر اعتدالا تجاه النظام العالمي تستهدف الحد من النفوذ الغربي، وضمان مشاركة أكثر عدالة لباقي دول العالم. لذلك ينبغي  على الولايات المتحدة وحلفائها الاستفادة من هذا التمييز الدقيق، وإن كان بالغ الأهمية، من أجل التعاون مع الهند في إطار استراتيجية تضمن عدم تحول المؤسسات الإقليمية التي تنتمي إليها  مثل مجموعة البريكس  إلى منصات عالمية معادية للغرب بقيادة الصين.

(د ب أ )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب