مدير مكتب قناة «الجزيرة» في فلسطين وليد العمري: الشهيدة شيرين أبو عاقلة صوت انحاز للحقيقة والاحتلال لم يتوقع أن نجد الرصاصة التي قتلتها

مدير مكتب قناة «الجزيرة» في فلسطين وليد العمري: الشهيدة شيرين أبو عاقلة صوت انحاز للحقيقة والاحتلال لم يتوقع أن نجد الرصاصة التي قتلتها
حاوره: سعيد أبو معلا
قبل أن يدخل الزائر لمكتب الإعلامي وليد العمري، مدير مكتب قناة «الجزيرة» في فلسطين، سيمر لزاما على المكان الذي كانت تجلس فيه الشهيدة شيرين أبو عاقلة قبل عام لممارسة عملها اليومي، إنه يقع على اليمين تماما، وسيجد أن المكتب الصغير، الذي خرج منه ما يقرب من 3 آلاف تقرير تلفزيوني، تحول إلى متحف صغير يضم قبلات الموطنين ودموعهم، تضامنهم واحتفائهم بخسارتهم الكبيرة.
نظرات فاحصة على المكان ستجعل الزائر يدرك القيمة التي عكستها تجربة شيرين المهنية، سيدرك ذلك من حجم الحب الذي ما زال المواطنون العاديون قادرين على منحها إياه عبر الورد والشموع، وبكل بساطة ووجع، وحسب العمري فإن «شيرين هي صوت الناس الذي سكنهم برحيلها».
أما قضية الشهيدة أبو عاقلة فتبدو لنا أنها بالنسبة للعمري تحولت لمسألة شخصية، فلا يقاس الأمر بما يفرضه عليه واجب العمل ومتطلباته، إنما هي قضيته الخاصة التي تدفعه للتواجد في كل الفعاليات والمناسبات التي تتعلق بها، فهو يشرف بشكل شخصي، على ملف كبير، يحمل اسم «قضية شيرين أبو عاقلة».
وفي حواره الخاص مع «القدس العربي» نقف على ما وصل إليه ملف القضية التي رفعتها شبكة «الجزيرة» إلى محكمة الجنايات الدولية، ومن هناك نذهب إلى أسرار العمل وتفاصيله بعد استشهادها مباشرة، وصولا إلى حديث الرصاصة/الدليل التي اعتقد الاحتلال أنها لن تكون موجودة لتثبت إدانة الاحتلال، تلك الرصاصة التي استقرت في خوذة «أبو عاقلة» التي يصفها العمري بأنها كانت «الأكثر حرصا على سلامتها وأمنها».
يقول العمري إن شيرين، لم تكن شخصا عابرا، سواء بالنسبة للشعب الفلسطيني أو لشبكة «الجزيرة» إنها تجربة فريدة في العمل الصحافي المهني المنحاز للحقيقة التي دفعت ثمنها غاليا. وفيما يلي نص الحوار.
○ بعد أيام ستمر الذكرى السنوية الأولى على استشهاد الإعلامية ومراسلة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة، ما أبرز الأمور التي حدثت في سبيل تخليد الذكرى وجعلها على قدر الخسارة؟
•في الذكرى السنوية الأولى ستكون هناك مجموعة من الأنشطة ولعل أبرزها وضع حجر الأساس لمتحف شيرين أبو عاقلة للإعلام، وهو متحف سيناط به تخليد ذكراها وذكرى شهداء الصحافة الفلسطينية. لقد تبرعت بلدية رام الله بالأرض التي سيقام عليها المتحف، فيما «الجزيرة» تكفلت بكلفة البناء والتأهيل والتجهيز، ومن المتوقع أن يكون تحفة فنية تضاف إلى معالم مدينة رام الله، مثل: متحف الشهيد ياسر عرفات وتمثال مانديلا ومتحف محمود درويش.
في جانب آخر، هناك عدة جامعات فلسطينية وعربية قدمت منحا باسم الشهيدة، منها منحة دراسة الإعلام الرقمي التي قدمتها الجامعة العربية الأمريكية في رام الله، ومنحة مقدمة من جامعة بيرزيت، إلى جانب جوائز التميز الإعلامي باسم الشهيدة شيرين، أيضا قدمت جامعة اليرموك في الأردن، والأمريكية في لبنان وبالتعاون مع مؤسسة يافا منحا لدراسة الماجستير باسم الشهيدة، وهذا أمر مهم في الإبقاء على الشهيدة حية.
أضيف أن هناك متبرعا مجهول الهوية قدم خمسين ألف دولار باسم شيرين أبو عاقلة لمستشفى عالية بالخليل، كما أن قسم الطوارئ في المستشفى الحكومي في مدينة جنين الذي يعاد تأهيله سيحمل أيضا اسم شيرين، «الجزيرة» أيضا ستصدر كتابا خاصا بالذكرى الأولى، كما أن هناك أكثر من كتاب صدر باسم الشهيدة منها كتاب مؤسسة الدراسات الفلسطينية التوثيقي.
بكل الأحوال، نأمل أن ننجح في أن تكون قضية شيرين التي خدمت الجميع حية في النفوس والمجتمع وحقل الإعلام.
○ ماذا عن الشق القانوني والمتابعة في ملف التحقيق في استشهادها؟
•على الصعيد القانوني نحن نعمل على القضية في محكمة الجنائية الدولية، ولدينا طاقم قانوني بريطاني محترف وبالتعاون مع القسم القانوني بشبكة «الجزيرة» لمتابعة القضية. من المهم الحديث عن أن «الجزيرة» أفرزت هيئة خاصة مكلفة بقضية شيرين ويقع على عاتقها متابعة كل التفاصيل، ونحن في مكتب فلسطين جزء أساسي من هذه الهيئة.
نتعاطى مع هذه القضية في ضوء حقيقة شيرين، لم تكن شخصا عابرا، سواء بالنسبة للشعب الفلسطيني أو لشبكة «الجزيرة» لقد كانت كبيرة مراسلي «الجزيرة» وقامت بتغطيات صحافية هائلة متنوعة المجالات على مدار 25 عاما.
يمكنني القول إنها أنتجت آلاف التقارير الصحافية التلفزيونية، كانت تنتج شهريا ما بين 10 – 13 تقريرا، وعلى مدار 25 سنة يمكن أن نصل إلى أنها أنتجت ما بين 2500 إلى 3000 تقرير، إلى جانب أكثر من ستة آلاف ظهور مباشر، يمكن أن أضرب لك مثالا أنها في حرب 2021 وأحداث حي الشيخ جراح والأقصى ظهرت مباشر على قناة «الجزيرة» وفي يوم واحد من خمسة أماكن، البداية من القدس ثم من اللد ولاحقا في الناصرة وأم الفحم وختمت ظهورها في بيت لحم. ومن المهم هنا الحديث عن أنها لم تقم بتغطية القضايا السياسية والحروب إنما كانت تقدم تغطيات صحافية متنوعة في الرياضة والاقتصاد والفن والقضايا الاجتماعية.. ألخ.
عندما ننظر إلى حجم ما أنجزته وطبيعة عملها ندرك حجم الخسارة الفادحة التي تعرضنا لها باغتيالها، كانت طاقم عمل كاملا.
من زاوية شخصية وإنسانية لقد خسرنا إنسانة تمتاز بالرقي والفهم، في المكتب في رام الله كنا ننظر إليها على أنها أشبه بالمسطرة التي نقيس عليها أنفسنا مهنيا وأخلاقيا، لم تكن شخصا عابرا. عندما نراجع ما كانت تفعله نجد أنها كانت تتواجد في الحركة النسائية والفنية أيضا، والأهم أنها كانت طالبة (تتعلم) حتى آخر لحظة حيث حصلت على شهادة دبلوم الإعلام الرقمي قبل استشهادها بفترة ليست طويلة.
أقول لك إنه طوال 25 سنة لم يقدم أحد أي شكوى أو ملاحظة أو تذمرا من شيرين، لم تقدم أي تغطية إلا وكانت كاملة، لم تكن ترسل عملها ناقصا أو غير مهني.
○ نعود للحديث عن ظروف اغتيالها والجهد المبذول في سبيل عدم ضياع حقها؟
•من الواضح لنا أن من قام باغتيالها هو الاحتلال الإسرائيلي، كل الدلائل والتحقيقات تؤشر على ذلك، لدينا تحقيقات النائب العام الفلسطيني، وتحقيق منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، وتحقيق «الجزيرة» أيضا. ولن نتوقف عن هذه التحقيقات، لدينا ما يقرب من عشرة تحقيقات أنجزتها شبكات إعلامية عالمية، وكلها أكدت على مصدر النيران وأنها أطلقت من حيث تواجدت قوات الاحتلال.
لقد أصيبت في منطقة خلف الأذن، وهي منطقة لا تحميها الخوذة ولا الدرع، لقد جاءت الرصاصة من الخلف، وسقطت أسفل شجرة الخروب التي عليها آثار 12 رصاصة، عند التدقيق نجد أن الرصاصات جاءت ضمن ارتفاع ما بين 127 سم و178 سم، وكلها رصاصات أطلقت بعد سقوطها، وهو أمر يدلل على استهدفها.
نحن نرى أن المسألة كانت تستهدف «الجزيرة» لكونها الوسيلة العالمية الوحيدة التي تعمل وتتواجد في جنين، ومن الواضح أن قناصا إسرائيليا أطلق الرصاص، وحاول الاحتلال التهرب من المسؤولية، فعلى مدار يومين غير الرواية عدة مرات، فيما أظهرت نتائج تحقيق الجيش بعد ما يقرب من أربعة شهور أن هناك احتمالية عالية جدا أن يكون رصاص الجيش هو من أصاب شيرين، لكن من دون أن يوجد ما يؤكد ذلك، تخيل هذه الصيغة.
إسرائيل بدورها أعلنت أنها لن تسمح بمحاكمة جنودها وبالتالي لجأنا لمحكمة الجنايات الدولية والرأي العام الدولي، ونحن معنيون تماما في أن تأخذ العدالة الدولية مجراها.
○ هنا السؤال المهم هل ترهنون على القضاء الدولي، هناك من يقول إن المحكمة لا تنظر في قضايا مماثلة؟
•القاعدة لدينا تقول إنه يجب أن نذهب للمطالبة بالمحاسبة الدولية. وهنا أسمح لي أن أقول إن الوفود تزورنا بشكل يومي، والجميع يطرح علينا نفس السؤال، ومن الزوار من كانوا طلابا من مركز لذوي الاعاقات السمعية بنابلس يسمى «شغف» وكذلك أربع طالبات من مدرسة في الصف الخامس كن يعملن على مشروع عن حقوق الصحافيين. هذا أمر يضع علينا مسؤولية، نحن نذهب من أجل شيرين ومن أجل الجيل القادم الذي لا نريد له أن يفقد ثقته بالمجتمع الدولي ومؤسسات العدالة الدولية والقانون الدولي، كي لا يحبط ويشعر باليأس. كما أننا نأمل أن تقف العدالة إلى جانبنا، وعلى من يدعي العدالة ويمثلها أن يعمل على القضية، وبالتالي ما نقوم به هو مطالبة بالمبادرة وفتح التحقيق الدولي.
○ ما تفاصيل القضية التي رفعتها «الجزيرة» ولماذا بادرتم إلى ذلك رغم أن السلطة فعلت ذلك وكذلك نقابة الصحافيين الفلسطينيين؟
•سلمنا الملف للجنائية الدولية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، هذه قضايا تأخذ وقتا طويلا، كما أننا نعي أن هناك اعتبارات وضغوطا دولية، فلسنا الجهة الوحيدة، نحن لسنا سذجا لنظن أن القضية ستمر بلا ضغوط أو مقاومة للمسار الذي نعمل عليه، نحن معنيون بالموضوع، قضية شيرين قضية رأي عام محلي وعالمي، وبالتالي «لا يجب النوم عليها» يجب أن تبقى حية.
○ ما الذي يميز ملف «الجزيرة» المرفوع لمحكمة الجنايات الدولية؟
•ملف القضية الذي رفعناه أضفنا عليه ملف الاعتداء على مراسلة «الجزيرة» جيفارا البديري في حي الشيخ جراح في القدس، وكذلك قصف المبنى الذي يقع فيه مكتب «الجزيرة» في قطاع غزة، كان ذلك في نفس الفترة الزمنية.
في المقابل السلطة الفلسطينية رفعت ملفا آخر، أما النقابة قامت بدورها في هذا المجال.
ننظر للمسألة ضمن إطار أن هناك حقا ويجب أن نطالب به، يجب أن نحقق العدالة لشيرين أبو عاقلة عبر محاسبة الجناة، وهذا مفيد لنا، مفيد للعمل على توفير حماية للزملاء، ولكل من يعمل صحافيا.
○ في فترة ما ظهرت وجهات نظر تقول إن «الجزيرة» ستقوم بالتنازل عن القضية، ضمن صفقات أو مساومات، كيف ترد على من يقول ذلك؟
•لا أتصور أن أمرا من هذا حدث أو سيحدث، لقد عانينا بما يكفي وفي كل الأماكن، ونحن نواصل عملنا، «الجزيرة» ليست نكرة كي تفعل ذلك، نحن شبكة إعلامية عالمية، وطوال تاريخنا، ولا مرة، دخلنا في صفقات مع أي طرف. قضية شيرين هي حق لا يضيع بالتقادم أو بإبرام الصفقات، هنا أقول إنه مورست علينا ضغوط وتهديدات، لا يمكن أن نستثني أمريكا أو إسرائيل من ذلك، وليس علينا فقط، بل على السلطة الفلسطينية والرئاسة الفلسطينية ودولة قطر أيضا، لكننا ماضون في القضية.
○ ماذا عن الرصاصة التي حصل جدل حولها وتحديدا مسألة تسليمها لجهات تحقيق أمريكية؟
•لقد رأيت الرصاصة بمعهد التشريح العدلي في جامعة النجاح الوطنية، علينا أن نعي أن شيرين تحمل الجنسية الأمريكية، والأمريكيون ينظرون لشيرين على أنها مواطنة، وبالتالي أخذوا الرصاصة لمدة 24 ساعة فقط، قاموا بفحصها في السفارة الأمريكية في القدس، وخلصوا إلى استنتاج أنها مشوهة ويصعب التأكد منها.
ما أريد قوله هنا أن الرصاصة بالنسبة للجيش مشكلة، لم يتوقعوا أن يتم العثور عليها، والسبب أن الرصاصة دخلت من أسفل أذن شيرين وارتفعت داخل رأسها حتى ارتطمت في الخوذة (وهناك تشوه رأسها قليلا) ولولا الخوذة لما كانت هناك رصاصة.
المسألة الثانية أنه وبعد اندفاع الجميع نحو المستشفى بانتشار خبر استشهاد شيرين عاد الجيش إلى المنطقة التي استهدفت فيها وإلى الشجرة التي سقطت أسفلها، وقام بعدة أمور من ضمنها تنظيف المكان من الرصاص. ومن المؤكد أن الرصاصة تشبه ما يستخدمه الأمريكيون في سلاح «روجر» وما يستخدمه الجنود في حلف شمال الأطلسي.
ما أود قوله إننا أمام رصاصة خارقة، قوية، كالتي يستخدمها القناصة، ليست رصاصة دمدم (متفجر) إنها رصاص قاتل، بحجم عقدة الإصبع أي حوالي 2 سم أو أقل قليلا.
○ رغم حجم الغضب والاستنكار الدولي والعربي والمحلي إلا أن الاحتلال استمر في استهداف الصحافيين الفلسطينيين، واضح أنه لا يتعلم ولا يريد التوقف عن استهداف الصحافيين؟
•بعد 20 يوما من استشهاد شيرين قتلوا غفران رواسنة، وهي صحافية مبتدئة في مدينة الخليل، كانت تقوم بعملها بعيدا عن الجيش لكنهم قتلوها، بعدها أيضا تم الاعتداء على طواقم تلفزيون «فلسطين» في أكثر من مرة في مدينة نابلس. الجيش الإسرائيلي يستهدف الكل الفلسطيني، بمن فيهم الصحافيون. والرسالة واضحة، يريدون أن نبتعد عن نقل الحقيقة، استهداف الصحافيين يستمر لغياب الردع، وبالتالي الاحتلال يتصرف على مزاجه. هنا على العالم أن يفكر: لماذا يقتل 104 من الصحافيين الفلسطينيين فيما لم يتم استهداف صحافي إسرائيلي واحد؟ لماذا يتم استهداف الصحافيين الفلسطينيين، رغم أن القوانين تقول إنه يجب أن يتم التعامل معهم تماما كالمدنيين؟ هناك قانون دولي ويجب أن تحترمه إسرائيل، وفي حال لم تفعل ذلك يجب أن تحاسب على أساسه. المفارقة أن دولة احتلال تحظى بتعاطف من الغرب، لكن بالنسبة لنا آن الأوان لحسم الأمر ومعاقبة القتلة.
○ توقعنا باستشهاد شيرين أن يضعف إقبال الفتيات على دراسة الإعلام لكن النتيجة معاكسة، كيف تقرأ ذلك؟
•المؤكد أن شيرين أصبحت أيقونة ورمزا، ونموذجا يحتذى عند الصحافيات والصحافيين أيضا، الصحافة مهنة المخاطر، ويجب أن يكون هناك من يقوم بهذه المهمة، وشيرين كانت من أحرص الصحافيين الذين عرفتهم، لم نتصور، ولا لمرة، أنه يمكن أن تستهدف، نقول للطواقم يوميا «الله يحميكم» فيما يحركهم في العمل الحب والرغبة بنقل الحقيقة للعالم ونقل صوت الناس. هنا ندرك أن شيرين دفعت ثمن الانحياز للحقيقة، فهي لم تنحز لفصيل سياسي، دفعت ثمن الجرأة والشجاعة، والتميز الأخلاقي والمهني. اليوم نفكر في شيرين فنجد أنها كانت متوازنة دوما وهادئة عبر إيقاع صوتها الخاص، فتبين لنا لماذا سكن صوتها في نفوس الناس، وفي المقابل نسي الناس أصحاب الصوت العالي، وهذا ما يفسر لنا الطريقة المختلفة تماما في تشييع جثمانها وعلى مدى مسار طويل من جنين إلى القدس.
○ سؤال شخصي، ماذا تغير فيك بعد استشهاد شيرين؟
•على الصعيد الشخصي، يمكن الناس لم تشاهدني وأنا أبكي، لكني في الحقيقة خسرت صديقة وزميلة، إنها إنسانة وعلى مستوى عال من العطاء والتسامح والتواضع، مهنيا فقدت كمدير لمكتب «الجزيرة» طاقم عمل كاملا، لا يمكن لأحد أن يسد مكانها، أعتقد أننا بحاجة لثلاثة مراسلين ومنتجين إثنين كي يحلوا مكانها.
لقد رحلت وهي في ذروة عطائها وتألقها المهني. كانت خسارة فادحة، سألت نفسي أسئلة من نوع: هل تستحق المهنة ما نقوم به من مخاطر قد تؤدي إلى الموت؟ قلت لنفسي قد يأتينا الموت ونحن أمام شاشة التلفزيون، والحقيقة أننا نؤدي رسالة هامة جدا.
○ سؤال مرتبط بالساعات والأيام التي تلت مباشرة استشهاد شيرين، ما هذا التماسك والقوة التي ظهرت بها أنت تحديدا وكذلك طاقم العمل في المكتب الذي عمل وهي يبكي؟
•صراحة، الناس لم تستوعب ما قمنا به، «أنا زي أي بني آدم» وعلي أن اعترف أن الموقف فرض علي، لم يكن أمامي من خيار إلا التماسك، ولو تراجعت أو ضعفت لانهار المكتب كله، لقد كانت أمامنا مسؤوليات جسام، صحيح أن زميلة استشهدت بحجم شيرين، لكن لم يكن أمامنا خيارات كثيرة، كان يجب أن نضمن لها جنازة تليق بها أولا، ولم يكن ممكنا أن نقصر في التغطية، كان من المهم أن ننقذ الموقف، ولا سيما وأننا أمام صراع على رواية الحقيقة، فإذا لم تظهر الحقيقة ولو نتواجد بقوة فتسود الرواية الإسرائيلية وبالتالي سيضيع الحق، والنقطة الأخرى هناك واجب مهني وشخصي تجاه شيرين، لقد ألزمت الطاقم على العمل، «قلت لهم: ممنوع نقول مش قادرين..» هذا كان يعني أن تضيع القضية، لقد عملنا 11 يوما ليلا نهارا والدموع في عيون الطاقم كله.
○ متى حصلت على أول إجازة بعد استشهاد شيرين؟
•حتى اليوم لم أحصل على إجازة منذ أن استشهدت شيرين، إضافة لعملي وعمل الطاقم، وهو فريق عمل مميز، فأنا ملزم بمتابعة قضية شيرين بكافة تفاصيلها، أنا ألاحق الموضوع ويجب ان أكون في الصورة في كل التفاصيل.
○ هل وظفتم شخصا أو أكثر بدل الشهيدة شيرين؟
•بصراحة، لم يكن من السهل أن نوظف أي شخص ونقول إنه بديل عن شيرين، ولا أخفي أننا نسعى لجلب طاقم عمل ليسد مكانها، لم يكن الأمر سهلا على الزملاء، كما أننا سنظلم الشخص الجديد، لكونه لن يقدر على العطاء بمقدارها أو أن يحل مكانها، فلن يسد الفراغ الذي تركته، وبالتالي قررنا بوعي عدم تعيين موظفين بعد استشهاد شيرين مباشرة. ما قمنا به خلال العام الماضي وحتى اللحظة أننا ضغطنا على أنفسنا وأدرنا الأمور قدر الإمكان، نفسيا كان الأمر مريحا للطاقم، حيث عملوا بجد ولفترة أطول في سبيل قضية زميلتهم الراحلة وخدمة لقضيتها.
○ بكلمات موجزة، ما القيمة التي ترى أن شيرين تعكسها من خلال عملها على مدى 25 عاما أو من خلال نهايتها المأساوية؟
•لعل أبرز قيمة تعكسها شيرين هي المهنية العالية، والتي عنت انحيازها الكامل للحقيقة، وبصدق أقول إن كل ما نقلته شيرين كان حقيقيا، هذا أولا، ثانيا، شيرين كانت بمثابة نموذج للصحافي الشامل، القادر على كل أنواع التغطيات وفي مختلف الموضوعات، وفي جميع الأماكن الجغرافية وفي كل الظروف، وهذا أمر لا يقدر عليه أي صحافي.
اليوم، نتذكر شيرين في كل حادث وحديث، وفي كل واقعة وموقع. شيرين صوت هادئ لم ينجر خلف الشعارات والمزايدات والتحريض، إنها صوت استقر في النفوس وهو ما حولها إلى أيقونة.