مقالات

 تحليل أنثروبولوجي ثقافي بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –

بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

 تحليل أنثروبولوجي ثقافي
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
في حياتنا الكثير من الحكايا التي تحكيها الحياة العربية،وفيها الكثير من الدروس المستفادة،لو أخذناها بما تحمله من عبر،ومؤشرات تقول ما تقول عن حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية،ومافي هذه الحيوات من ظلم وقهر وفساد واحتكار،وما يجاوره ويتعايش معه من غياب للعدل الاجتماعي،ومافيه من نقص لحقوق الإنسان،ومواربة لمبادىء المواطنة.وسيطرة الوساطة،والنزعة الأنانية والجهوية والقبليّة والشللية.
وتخبرنا هذه الحكايات إذا درسنا حوادثها ومعطياتها،دراسة أنثروبولوجية ثقافية تحليلية،وقمنا بوضع المعاني الصحيحة،لمشاهدها،ومايساكنها من حوار،وصراع،وفعل ورد فعل، وثأر،وتمنيات،وأحلام،لوجدناها تقول:إن تاريخها يقول كلمته من خلال يقينه بأنّ كلمته لاتعاند من أنّ في بعض المشاهد، يكرر نفسه.وهذا وليد مغالطات صيرورة التطور،التي يجب إن تأخذ شروطها،والقوانين الاجتماعية التي تحكمها.
فهل لنا أن نشهد في روايات عبد الكريم ناصيف،وخاصة تلك التي درسناها في كتابنا “التفسير الأنثروبولوجي للأدب العربي “الرواية السورية أنموذجاً”-سلسلة الدراسات(10)-2010-إتحاد الكتاب العرب -تشريقة آل المر-وتأملنا،كمثال، الرحيل ومشاهده “سيناريوهاته،في هذه الرواية،الحاملة الكثير من الدلالات والمؤشرات،ومررنا بها إلى مابعد حركة شباط عام 1966،ومروراً بحكم حافظ الأسد وابنه الوريث بشار الأسد ما يقارب من (53)عاما ونيِف وتوقفنا أمام ظاهرة الرحيل،وفتشنا في معانيها وأسبابها،وما أنتجته من تفكك للبناء الاجتماعي السوري،وما استنبتت فيه من عداوات،وثقافة الكراهية وثقافة الخوف وما يواكبها من طغيان وتهجير، وانتقام،وأتينا بها إلى ظاهرة”كل عمرك عوجة ياعوجة”،وتفحصنا المشتركات بينها،فسنجد أن التاريخ في الحياة العربية السورية يعيد نفسه في الكثير من أحداثه.
والسؤال إلى من يتباكى على مايجري في سوريا الآن، ذارفاً دموعه الإنسانية،من قرب إو من بعد “أوروبا”متجاهلاً ضرورة الربط والوصل بين أحداث الماضي والحاضر ومستقبل الأمس في هذه الحكايات،حتى نضع الحلول للأزمة -إذا جاز لنا القول في الأزمة-لنا يتكرر في مشاهد تاريخنا الاجتماعي والسياسي،حتى نتقدم خطوات إلى الأمام،وندير ظهرنا لهذا الماضي والحاضر في مستقبل الماضي الذي نراه ونعيشه في مشاهد الحياة السورية الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية.
العام الدراسي 60/61،وإثر الخلاف بين عامر والسراج،تم تغيير طاقم المكتب الخاص المعروف بتصفياته،فانتقل إلى القاهرة الضابط ممدوح الأحدب،بينما تمرد عبد الوهاب الخطيب،رافضاً الانتقال إلى مصر.
وإثر وصول ممدوح إلى مصر خابرني بأنه يحمل لي أمانة من والدي،والتقينا على باب جامعة القاهرة الصغير الذي يدخل منه الطلاب،ومشينا باتجاه حديقة الأورمان التي لاتبعد عن الجامعة،وهناك قص الآتي:
“كنت أسكن في أول شارع العابد من جهة السبع بحرات،وفي يوم من الأيام وأنا أقترب من سيارتي بدأ بائع(الجارينك) يصرخ كل عمرك عوجه ياعوجه،ويجاوبه بائع العوجه كل عمرك عوجه ياعوجه.
وأردف قائلاً وتكرر الأمر بهذا القول مرة ثانية وثالثة كلما اقتربت من سيارتي.
شككت بالأمر بأنني أنا المقصود بهذا النداء،فمسكت البائع من صدره،وقلت له:سأؤدبك إذا لم تصدقني القول.
فقال:تعطيني الأمان أنت الحميّة اصحاب وعد.
فوعدته.
فقال صدقاً الآتي:
ياسيدي أنت تسكن عمارة عائلات وتأتي إليك صديقتك،ولايجرؤ من السكان من يعترض عليك.صح.
-صح وسحارة فواكه طالعة وسحارة نازلة.صح
-صح
وإلى جانبك العقيد في العمارة الثانية،يأخذ إلسك”السلّه” وينزل على شارع فيصل وبيعتل خضرته من هناك مشياً،أنا بشوفه،بعيوني ،وكل صباح بيجي باص طويل بيركب فيه مع أقرانه،صح.
-صح
أي ما يعوجه ياسيدي؟
فقلت له والله عوجه وتركته ذاهباً إلى مكتبي،وأنا أقول :
شارعنا السوري ذكي ويراقب وينتقد،ويكون قناعاته بناء على تصرفاتنا،وأعتقد إنه يعادينا،ويريد التخلص من حكمنا.
ورددت قوله:ليش العقيد بيركب بباص وأنت كل يوم سيارة شكل،عوجه والله عوجه.
أتذكر هذه الحكاية العبرة الدرس ،من حوالي (60) سنة ونيّف.
أتذكرها وقد روى لي أحد طلابي،أن محافظ أحد المدن السورية غداة التغيير عندما يخرج من السرايا، ترافقه عدة سيارات،ولما سألت عنه عرفت أنه آدمي ولكن لم يعرف الناس عنه أنه مناضل أو….ومابعرف إذا أهله يسكنون معه دار المحافظ .
فقلت له : كما يقول المثل الشعبي” كلّه من بعضو البعض.
وبعد أن رويت له حكاية كل عمرك عوجه باعوجه
رحنا نصرخ:والله ياوطن كل عمرك عوجه باعوجه.
مناضل بالعدوى والرغبة والنّطوطة،خرج مع من خرج خلال طوفان الرحيل ،وحصل على اللجوء الإنساني وصار يأخذ راتب وحنسية،وعاد إلى الوطن وكل يوم من محطة فضائية لمحطة فضائية منظراً سياسياً استراتيجيا.
والله ياوطن حقا كل عمرك عوجة ياعوجه
فهل يسمع أهل الحكم حكايانا وموضاتنا ويعتبرها من الدروس المستفادة.
د-عزالدين حسن الدياب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب