عربي دولي

حرب على التضامن مع فلسطين: إسكات المعارضة من قاعات الدراسة إلى وسائل الإعلام*

حرب على التضامن مع فلسطين: إسكات المعارضة من قاعات الدراسة إلى وسائل الإعلام*

لطالما قدّمت الجامعة الأميركية في بيروت نفسها كمعقل للفكر الحر والتراث الفكري العربي. إلا أن قرارها الأخير بمقاطعة صحيفة «الأخبار» – الذي صُوّر على أنه ردّ على «التحريض على العنف» – يكشف عن حقيقة أكثر إثارةً للقلق: جهد مدروس لقمع الانتقادات الموجّهة لعداء الجامعة المتزايد للتضامن مع الفلسطينيين، واستغلالها للعمال، وتقاربها المتزايد مع المصالح الجيوسياسية الأميركية. وتكشف رسائل البريد الإلكتروني الداخلية المتعلقة بهذا القرار المُتخذ الأسبوع الفائت ليس فقط عن نفاق إداري، بل عن استعداد متزايد لدى قيادة الجامعة للتضحية بالحرية الأكاديمية والعدالة الاجتماعية للحفاظ على امتيازاتها وسلطتها.

للوهلة الأولى، يبدو قرار مجلس الشيوخ وكأنه نزاع مباشر مع وسيلة إعلامية، أي إنها مسألة بسيطة تتعلق بمؤسسة تدافع عن سمعتها ضد ما يُنظر إليه على أنه هجمات إعلامية. لكنّ طرح القرار الفوضوي والمتناقض يروي قصة أخرى.

طعن أعضاء مجلس الشيوخ من أعضاء هيئة التدريس فوراً في شرعية القرار، مشيرين إلى أنه تمّ تمريره عبر ثغرات إجرائية. ووفقاً لمراسلات داخلية، قُدّم الاقتراح تحت بند «أعمال أخرى»، وهو بند في جدول الأعمال أُدرج في اللحظة الأخيرة متجاوزاً اللوائح الداخلية لمجلس الشيوخ التي تشترط إخطاراً قبل أربعة أيام من مناقشة بنود القرار.

وقد أثارت هذه الحيلة الإجرائية انتقادات لاذعة من العديد من أعضاء هيئة التدريس، ولا سيما أن بعضهم كانوا غائبين عن الاجتماع ولم يُبلّغوا بأنه سيتم التصويت على بند بالغ الأهمية كهذا.

يكشف تبادل الرسائل الإلكترونية الداخلية عن قلق متزايد لدى أعضاء هيئة التدريس من لغة المقاطعة الغامضة والشاملة. وقد حلّل أحد المراسلين، لاذعاً وساخراً، الآثار العملية للمقاطعة: «إلى أي مدى يمكننا الاقتراب من كشك يبيع الصحيفة، وماذا نفعل إذا صادفنا الصحيفة وجهاً لوجه من دون قصد أثناء وجودنا في مكان عام؟».

وفي توضيحٍ إضافيٍّ للانتهاك المُتضمَّن في هذا التصريح للحريات الشخصية، ألحّ الأستاذ قائلاً: «طلبتُ من مجلس الشيوخ تشكيل لجنةٍ لجمع التقارير الإعلامية والمنافذ الإعلامية التي يشعرون بالأمان في التعامل معها»، مُلمّحاً إلى تصاعد الرقابة الإدارية في الجامعة الأميركية في بيروت.

وحذّر أستاذٌ آخر من أن الحظر غير المُحدّد يُحدث «تأثيراً مُثبّطاً» على الحرية الأكاديمية، مُشيراً إلى أن هذه القيود الواسعة قد تُخالف قوانين حماية الصحافة في لبنان. وتصاعدت المخاوف عندما طالب العديد من أعضاء هيئة التدريس بتوضيحٍ حول ما إذا كانت مشاركة مقالات «الأخبار» على وسائل التواصل الاجتماعي – حتى للنقد – تُعتبر «تفاعلاً» محظوراً.

الأمر الأكثر استهجاناً هو أنه عندما سئلت رئيسة مجلس الشيوخ البروفسور ليلى مصفي عن كيفية الوصول إلى مقالات «الأخبار» التي يُزعم أنها «حرّضت على العنف»، وهو السبب الرئيسي للمقاطعة، أقرّت بأنها «بصراحة» لا تعرف. لكن «أكيد أنه إذا بحثتم عن الصحيفة على غوغل ستجدونها». هذا الاعتراف المُفاجئ، يكشف زيف هذه الحجة.

وكما أشار أحد أعضاء هيئة التدريس، فقد طُلب منهم فرض حظر شامل من دون أن يظهروا لهم ما يزعمون أنه ضروري لذلك، وهذه مكارثية متخفّية في رداء أكاديمي.

لا يمكن فصل حملة الرقابة هذه عن حملة الجامعة المتصاعدة على مناصرة القضية الفلسطينية، لا بل شراكاتها المقلقة مع شركات متواطئة في القمع. هذه الروابط ليست عرضية؛ بل هيكلية.

فخلال معرض التوظيف لعام 2025، استضافت الجامعة العديد من أصحاب العمل المثيرين للجدل: ديلويت، التي يقدّم فرعها الإسرائيلي خدمات التدقيق المالي وإدارة المخاطر واستشارات تكنولوجيا المعلومات لقوات الاحتلال الإسرائيلي؛ وGroupM وAlphaSights، اللتان تربطهما علاقات تجارية مع جهات تدعم الاحتلال الإسرائيلي؛ وMaids.cc، وهي شركة مقرّها الإمارات العربية المتحدة تستغل العمال المهاجرين في ظل نظام الكفالة المسيء للأفراد. وتتناقض هذه الشراكات بشكل صارخ مع التزام الجامعة العلني بالعدالة الاجتماعية، كاشفةً عن نمط من النفاق المؤسسي يتجاوز بكثير القضية الفلسطينية.

كما أن معاملة الجامعة الأميركية في بيروت لعمالها تكشف بشكل أكبر عن هذه المعايير المزدوجة.

والكل يذكر أنه في حزيران 2020، احتجّ مئات الموظفين على إدارة الجامعة بعد الفصل التعسّفي لـ 623 موظفاً، وهي خطوة وصفها المتضررون بأنها «مُذلّة ومُهينة».

وقد حصل ذلك بعد عامين فقط من كشف جداول الرواتب المسرّبة عن تفاوتات صادمة: إذ كان كبار الإداريين يتقاضون ما يصل إلى 869 ألف دولار سنوياً (أي ما يعادل 92 ضعف الحد الأدنى للأجور في لبنان) في وقت يُعامل الموظفون ذوو الأجور المنخفضة باستغلال.

تكتسب رسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بمقاطعة «الأخبار» أهمية جديدة في هذا السياق، فعندما كتب أحد أعضاء هيئة التدريس «لا تعضّ اليد التي تطعمك»، سلّط الضوء، من دون قصد، على ثقافة النخبوية والخوف في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث يُكافأ من يمتثل للأوامر ويُعاقب من يخالفها.

ولا يمكن تجاهل أوجه التشابه مع الجامعات الأميركية التي قمعت بعنف الاعتصامات المؤيّدة لفلسطين.

وقد اتّبعت الجامعة في بيروت النهج نفسه، من خلال تعطيل الاحتجاجات، وترهيب النشطاء، ثم انتقلت الآن إلى محاولة إسكات الصحافة الناقدة. وعندما نظّم الطلاب تظاهراتٍ ضدّ الإبادة الجماعية في غزة، واجهوا تحقيقاتٍ وتهديداتٍ بإجراءاتٍ تأديبية.

فيما تواصل الإدارة تعزيز علاقاتها مع شركاتٍ تُمكّن بشكلٍ مباشرٍ الفصل العنصري الإسرائيلي واستغلال العمال، بينما تُقدّم نفسها كمؤسسةٍ تقدّميةٍ تدافع عن القضية الفلسطينية.

وقد أعلن رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري، بعد القصف الأول على مستشفى الأهلي في غزة: «لن نصمت ولن نستطيع الصمت عندما يكون هناك تدميرٌ للمستشفيات، وقتلٌ للمدنيين الأبرياء والأطفال، واستهدافٌ مُتعمّدٌ للصحافيين. لا يُمكننا أن نكون محايدين».

أين هذا التباهي بالقضية الفلسطينية الآن؟ وكيف تحوّل هذا الرفض للصمت إلى قمع منهجي للمعارضة الناقدة؟

قد يُعتبر هذا التنافر المعرفي مُحيّراً لو لم يكن مدروساً ومُبيّناً بوضوح ولاء الجامعة في بيروت لإدارة حكومة الولايات المتحدة، وهو ولاء يتقدّم على التزامها قضايا بلدها وشعبها، بمن فيهم الكثير ممن يعملون ويدرسون في الجامعة.

وها هي الولايات المتحدة، بدعمها الكبير لإسرائيل، تواصل قتل المدنيين الأبرياء في غزة، بل أيضاً في لبنان واليمن. كما تواصل تدمير المستشفيات واستهداف الصحافيين.

ولكن الآن، وبعد أن صعّدت «اليد التي تُطعم» الجامعة في بيروت (أي إدارة ترامب) من قمعها لداعمي فلسطين وشدّدت قبضتها على التمويل، يبدو أن رفض الرئيس خوري للحياد قد تحوّل، فبدلاً من مضاعفة دعمها المعلن لشعبنا، اتّخذت إدارة الجامعة قرارات تعكس في الواقع تنامي توجّهها الأميركي.

حتى فعاليات مثل «أسبوع فلسطين» التي أعدّها أعضاء هيئة التدريس والطلاب في الجامعة، تعرّضت للرقابة والقمع هذا العام – وهي مساحة كان من الممكن استخدامها لتعزيز المشاركة النقدية مع القضية الفلسطينية ودورنا المركزي في هذه المعركة.

نجح كفاح أعضاء هيئة التدريس لمنع إلغاء أسبوع فلسطين، كما كشفت مراسلات مسرّبة، ما يكشف عن القوة التي لا يزال أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي جميع أنحاء العالم الأكاديمي، يتمتعون بها؛ والسؤال هو كيف نختار توظيفها؟

إن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة وقصف لبنان واليمن، بتمويل من الحكومة الأميركية، أمر يتطلب من كل موظف في مؤسسة أميركية، وخاصة في منطقتنا، إعادة تقييم موقفه على وجه السرعة.

إن الأمركة الزاحفة لجامعاتنا ليست تهديداً بعيداً، فهي بدأت فعلاً تكتم الأصوات، وتفكك الحريات الأكاديمية، وتفصل المؤسسات عن المجتمعات التي من المفترض أن تخدمها.

هذه معركتنا، ليس فقط لأنها تقتل شعبنا، بل لأنها مصمّمة لجعلنا إما متواطئين أو قابلين للاستبدال: فالمقاومون عندما يُعزلون يُستهدفون بسهولة، كما أظهرت بوضوح مؤلم قضية ستيفن سلايطة وآخرين كثر.

وإذا لم نتكاتف، فإننا نخاطر بأن نصبح إما شركاء صامتين أو ضحايا لنظام يعاقب المعارضة. إن مسؤولية التوحّد ورفض الإبادة الجماعية علناً واجب جماعي.

إن الحاجة إلى المقاومة الجماعية جليةٌ تماماً، وهذا هو السياق الذي يجب رؤية الاكتشافات الأخيرة فيه. ما تظهره هذه المراسلات الإلكترونية هي صورةٌ لمؤسسةٍ ضلّت طريقها.

بعض أعضاء هيئة التدريس يُقاومون، مُصرّون على عدم جواز انتهاك الحريات الشخصية من أجل الانصياع البيروقراطي. بينما يُمكّن آخرون، سواء بدافع الخوف أو التواطؤ، من فرض الرقابة والضوابط على أنفسهم.

لكن يبقى السؤال الأوسع: هل يُمكن للجامعة الأميركية في بيروت أن تُسمّي نفسها جامعةً عربيةً إذا كانت تُسيّر الفكر بما يُناسب المصالح الأميركية، بينما تتشارك مع جهاتٍ تضطهد الفلسطينيين وعمالها على حدٍّ سواء؟ مع استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، تكشف أولويات الجامعة الأميركية في بيروت أنها مؤسسة تخلّت عن قيمها المُفترضة من أجل حماية شراكاتها مع الشركات وإسكات منتقديها.

لم تكن مقاطعة «الأخبار» يوماً مسألةً صحافيةً؛ بل هي لضمان عدم مُساءلة تواطؤ الجامعة الأميركية في بيروت في أشكالٍ مُتعددةٍ من القمع. والتحريض الحقيقي على العنف لا يكمن في الصحف، بل في إدارة جامعة تفضّل حماية امتيازاتها بدلاً من الدفاع عن العدالة.

* منتسبون في الجامعة الأميركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب