بيروت تحتضن «مهرجان السينما الأوروبية»: عن الفقر والوعي الطبقي… ومعذّبي الأرض!

بيروت تحتضن «مهرجان السينما الأوروبية»: عن الفقر والوعي الطبقي… ومعذّبي الأرض!
ميغيل غوميز، آكي كوريسماكي، بيدرو ألمودوفار، أندريا أرنولد، باولو سورنتينو وغيرهم سيحجّون إلى بيروت من خلال «مهرجان السينما الأوروبية». 21 فيلماً من أحدث الإنتاجات التي تصوّر أحوال العالم… والمكابدات الذاتية في نظام يزداد خنقاً للآمال والتطلّعات الفردية
أفلام البرتغالي ميغيل غوميز ليست سهلة أبداً، إلى درجة أنّه يجعلنا نسأل أنفسنا مراراً: إلى أين يأخذنا؟
فيلمه الجديد «جولة كبرى» (Grand tour ــ جائزة أفضل مخرج في «مهرجان كان») ليس استثناءً. وفقاً للعنوان، الفيلم هو رحلة (تبلغ مدتها ساعتين) تمزج بين التجريب السمعي والبصري الجريء بأناقته التعبيرية، حتى النهاية التي تبدو أنها تُحيي السينما نفسها.
-
تلتقط أندريا أرنولد في «بيرد» الأجواء الخانقة التي تنشأ فيها مراهقة
«جولة كبرى» قصة واحدة، وثلاث وجهات نظر مختلفة، بينما يستمر الفيلم في خلط اللغات والروائح والألوان بالأبيض والأسود. فيلم متطلّب وراديكالي، هو سينما المؤلف بالمعنى الأكثر تطرّفاً للكلمة. هو بحث، وهروب، ومطاردة وسحر سينمائي عبر البحث عن العالم الحقيقي. الفيلم لغز من حيث المبدأ. قصة تحكي نفسها في ثلاثة أو أربعة أسطر متوازية، ونادراً ما تتقاطع. قصة رجل يهرب من خطيبته من ميانمار إلى سنغافورة وتايلاند وفيتنام والفليبين واليابان وباكستان، من الماضي الاستعماري إلى الحاضر، لتسليط الضوء على التناقض بين الغرب والشرق.
«جولة كبرى»، قصة تعود إلى مئة عام مضت، جميلة وفلسفية وتجريبية، تبادل المخرج فيها بين الخط الروائي والوثائقي، ليصنع فيلماً بنهج حرّ وفوضوي ومناهض للتخطيط.
21 فيلماً وعرض سينمائي موسيقي
«جولة كبرى» (6/5 ــــ س:18:30) واحد من 21 فيلماً أوروبياً ستُعرض في سينما «متروبوليس» في «مهرجان السينما الأوروبية» في دورته التاسعة والعشرين التي تنطلق يوم الأربعاء لتستمرّ حتى 11 أيار (مايو).
الافتتاح مع مغامرة ملحمية تتمثّل في فيلم التحريك Flow
يتضمن المهرجان عرضاً سينمائياً ترافقه موسيقى حيّة (Ciné-Concert)، وعرض فيلم الكوميديا التراجيدية الرومانسية الكلاسيكي Jamón Jamón (السبت 11 أيار ـــ س:17:00) للمخرج الإسباني بيغاس لونا (1946 – 2013) من بطولة خافيير بارديم وبينيلوبي كروز، بحضور الممثل جوردي مولّا.
بعد كلّ هذه السنوات، لم يفقد الفيلم قدرته على مفاجأة الجمهور، ناهيك بقدرته على ترفيهنا بقصة، كما تقول شارة النهاية. في الفيلم، نشاهد قصة عاطفيةً وجنسيةً أكثر منها رومانسية، وإظهار المشاعر الموجهة عبر الشهية والجنس والطعام.
صُوِّر الفيلم في صحراء مونغروس في سرقسطة، حيث غرس بيغاس لونا جفاف المناظر الطبيعية في شخصياته، وهم أفراد يبدو أنهم يبحثون عن ذريعة للاختفاء في الشقوق التي تنفتح تحت أقدامهم. قرّر المخرج أن يعيش شغفه بالسينما، المتجسّد في جسد المرأة والمأكولات الشعبية.
لبنان حاضر
كما سيُعرض الفيلم للبناني «أبو سليم، رسول الغرام» (1962) للمخرج يوسف معلوف، بنسخته المرمّمة (السبت 11 أيار ـــ س:20:30).
وسوف يتنافس 12 فيلماً قصيراً لمخرجين لبنانيين صاعدين للفوز بجوائز تقدّمها الدول الأعضاء في بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان. يفتتح المهرجان قطة وكلب وكابيبارا الذين ينطلقون في مغامرة ملحمية في فيلم Flow (30 نيسان ــ س:20:00 ـــ أوسكار أفضل فيلم أنيميشن)، المتحرك الجاد والمنعش وغير التقليدي الذي يحمل توقيع المخرج اللاتفي غينتس زيلبالوديس.
حفيد المخرج إنغمار بيرغمان والممثلة ليف أولمان، المخرج النروجي هالفدان أولمان تونديل، قدّم فيلمه الأول «أرماند» (Armand)، في «مهرجان كان»، فحصد جائزة «الكاميرا الذهبية» التي تُعطى لأفضل أول فيلم.
-
في Fallen Leaves، يقدم كوريسماكي فيلماً آسراً عن المشاعر في مواجهة الشركات
يطرح «أرماند» (الجمعة 2 أيار ـــ س:19:00)، موقفاً قوياً بنبرة غريبة وشخصية. الفيلم دراما إنسانية مزعجة ونفسية تتحول لاحقاً إلى نوع من اللعبة الكوريغرافية والتجريبية والحالمة.
يسجننا هالفدان بين جدران فصل المدرسة والمكاتب والممرات والسلالم والمختبرات ويكشف شيئاً فشيئاً عن حقائق مزعجة تتكاثف فيها الظلال والشكوك.
«المناضل» آكي كوريسماكي
إذا كان هناك شيء يأسر القلب في فيلموغرافيا الفنلندي آكي كوريسماكي، فهو سهولته في تشكيل شيء ملموس… في أن يكون منتقماً ومنمّقاً ومناضلاً سياسياً واجتماعياً وصاحب موقف حازم في خطابه، بعيداً من الصوابية السياسية المثيرة للسخط.
في أفلامه، تحضر الماركسية، والوعي الطبقي، وبورتريه لمجتمع لا يتجنّب فيه سلوك الدروب غير المريحة. تحضر أيضاً خفّة تجعلنا نشعر، ونتأمل، ونبتسم من دون ضجة تكلّف.
في فيلمه الأخير Fallen Leaves (الجمعة 2 أيار ـــ س:21:30)، يقدم كوريسماكي مرة أخرى فيلماً آسراً عن المشاعر التي تتغلّب على عبثية الزمن والوجود، في عالم تنخفض فيه درجة الإنسانية في مواجهة الشركات والأعمال والسياسة التي تغذّي الصراعات العسكرية.
فيلم عن روحين معذّبتين: فتاة تحافظ على كرامتها ونواياها الطيبة رغم كل شيء، ورجل لم يجد حتى اللحظة التي التقيا فيها، سوى إدمان الكحول ووظائف غريبة.
في الفيلم، هناك سعادة في الحزن. سعادة تتحدّى المشاهد وتجعله يبتسم ولو كان كل شيء مؤلماً وكئيباً. ورغم أنّ العنوان يشي بالكآبة والموت، إلا أنه يوفّر بشكل غريب الدفء الغامر.
ألمودوفار يصوّر الموت
«بالنسبة إلي، الموت غير طبيعي». هذه هي الكلمات التي تقولها إنغريد (جوليان مور)، لقارئة توقع لها نسخة من كتابها في أول مشهد من فيلم «الغرفة المجاورة» للمخرج بيدرو ألمودوفار (الأحد 4 أيار ـــ س:20:00).
بعد هذا المشهد، تلتقي إنغريد بمارثا (تيلدا سوينتن)، مرة أخرى بعد غياب سنوات عدة. كانتا صديقتين وعملتا في المجلة نفسها، لكنّ الظروف أبعدتهما.
-
سيُعرض الفيلم للبناني «أبو سليم، رسول الغرام» (1962) بنسخته المرمّمة
أصبحت إنغريد كاتبةً ناجحةً، ومارثا كانت مراسلة حرب، قبل تشخيصها بمرض السرطان. تلتقيان مرة أخرى، ثم مرات عدة، ثم تجدان نفسيهما متواطئتين في موقف متطرف.
«الغرفة المجاورة»، هو كمسرح عظيم لشفق الحياة. مع بداية الفيلم، تبدأ العملية البطيئة للموت. دفع ألمودوفار السينما إلى أقصى حدودها، إلى الهاوية، يأتي بالموت إلى الحياة. مع ألمودوفار، الصورة دائمة، الحياة والموت ليسا متعارضين. إنهما جزءان مختلفان من الصورة نفسها. ألمودوفار لا يطلب شيئاً، يقدم سينما حية للموت ويعلن نفسه مؤرخاً بطيئاً لوفاة معلن عنها.
أندريا أرنولد في مدار المراهقة المعذّبة
تتميّز أفلام المخرجة الإنكليزية أندريا أرنولد بطاقة مثيرة ومميزة، وحشية وغير متوقعة، واقعية بشكل لا يصدّق.
تكتب شخصيات مكسورة، من بيئات فقيرة مهمشة، محاصرة من قبل المجتمع، في نظام يسجن مستقبلها ويعيق آمالها، ويغلق جميع الأبواب التي فتحها الآخرون لها منذ الولادة.
جديدها «بيرد» (Bird ـــ الإثنين 5 أيار ـــ س:21:00) لا يختلف كثيراً بواقعيته عن أفلامها السابقة. تلتقط المخرجة ببراعة الأجواء الخانقة التي تنشأ فيها مراهقة تشعر بالضياع في مجتمع يبدو أنه يفتقر إلى مكان لها.
نابولي… محبوبة سورنتينو
يعود المخرج الإيطالي باولو سورنتينو إلى نابولي مرة أخرى بفيلمه الجديد Parthenope (الإثنين 5 أيار ــــ س:20:30). يعود بالشباب المثالي، مجسّداً المدينة في جسد امرأة وعلاقتها مع مرور الزمن. امرأة أنجبها سورنتينو سينمائياً مثل إلهة أسطورية رائعة.
في الفيلم، تحدث الأشياء، والاختيارات بشكل تلقائي، ويختفي الأشخاص، ويرحل العشاق، وينعزل الآباء.
سورنتينو الذي لم يرد أن يروي، ولم يرو قصة امرأة من قبل، مقتنعاً بأن هذه ليست مهمة الرجال، انتهى به الأمر في فيلمه الجديد إلى النظر والشعور والتكلّم كامرأة متوسطية، حسّية جنسية، جذابة تتحكّم بالرجال بهزّة خصر، وتخرج من الماء بلا ريش ولا حراشف، وتجرّ الإنسان مثل نابولي إلى الهلاك والجنون.
ما سبق عدد قليل من الأفلام التي ستعرض في المهرجان الذي يقدّم للمشاهد اللبناني آخر الإنتاجات الأوروبية التي تخاطب الإنسان بمشاغله وأحواله وظروفه، بعيداً من الأنماط السينمائية الاستهلاكية والهوليوودية.
* «مهرجان السينما الأوروبية»: بدءاً من 30 نيسان (أبريل) حتى 11 أيار (مايو) ـــ سينما «متروبوليس» (مار مخايل ـ بيروت) ـ البرنامج كاملاً على موقع الصالة: metropoliscinema.net