الرياض تُحكم قبضتها على خريطة الدراما العربية؟

الرياض تُحكم قبضتها على خريطة الدراما العربية؟
في ذروة النجاح الجماهيري لمسلسليه «إش إش» و«سيد الناس» (إنتاج MBC) أعلن المخرج المصري محمد سامي في آذار (مارس) الماضي، عن اعتزاله إخراج الدراما لمدة عامين، متفرغاً لمشاريع شخصية لم يفصح عن تفاصيلها.
جاء هذا الإعلان المدوّي عقب تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إفطار القوات المسلّحة، أعقبه تصريح مماثل لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، أعربا فيه عن عدم رضا القيادة السياسية عن المحتوى المقدَّم في دراما رمضان «الذي لا يعكس الصورة الحقيقية للمصريين».
اعتزال محمد سامي
تردّدت الأقاويل أنّ قرار سامي بالاعتزال جاء تحت وطأة ضغوط ترتبط بتوجهات قادمة لإحداث تغييرات هيكلية في خطة الدراما المصرية، وعدم رضا دوائر القرار عنه، خصوصاً في ضوء أزماته السابقة مع «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» التي تسيطر على النصيب الأكبر من الإنتاج الدرامي، والمعروف عنها تبعيتها لأحد الأجهزة الأمنية. هكذا، استبعدته عقب إخراجه مسلسل «نسل الأغراب»، قبل أن يتمكن لاحقاً من العودة إلى الساحة عبر تعاونه مع مجموعة MBC السعودية.
ما يحدث يكشف مدى تشابك الدراما مع اعتبارات السياسة والاقتصاد
بعد تصريحات الرئيس المصري، سادت أجواء من الشد والجذب بين الإعلام المصري ونظيره السعودي. في هذا السياق، أعلنت «الشركة المتحدة» عن تشكيل لجنة تضمّ نخبةً من الشخصيات والخبرات المختلفة، تتولّى وضع خطط للمحتوى الدرامي والإعلامي، ومواصلة أعمال الشركة بما يضمن تحقيق رؤية إنتاجية قائمة على «تحليل دقيق للواقع».
كما أوضحت أنّ اللجنة ستراجع الأعمال لضمان توافقها مع «الأهداف الوطنية والتوعوية»، في إطار إستراتيجية تسعى إلى «تقديم أعمال تعكس القيم المجتمعية الإيجابية، وتسهم في بناء وعي يتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة».
هجوم إعلامي على mbc
في أعقاب ذلك، شنّت مواقع إعلامية مصرية حملةً ضد المسلسلات التي أنتجتها مجموعة MBC، ووصفتها بـ«دراما البلطجة»، مطالبةً بوقف عرضها. وتردّد أنّ بعض الجهات الحكومية تحركت بالفعل، وراسلت شركة «سينرجي» للإنتاج الفني طالبةً منها الضغط لإيقاف الإعلانات عن مسلسلات MBC الثلاثة: «إش إش» (محمد سامي)، و«العتاولة» (إخراج أحمد خالد موسى)، و«سيد الناس» (محمد سامي).
من جانبها، ردت مجموعة MBC عبر الإعلامي عمرو أديب، الذي هدّد صراحة بأن السعودية، ممثلةً في «هيئة الترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ، قد تسحب دعمها لصناعة الدراما والسينما في مصر، ما أدى إلى تهدئة الحملة الصحافية المصرية، وتوقف الهجوم الإعلامي على المسلسلات الثلاثة.
تفكيك احتكار الدولة؟
كل هذا حدث وسط تغييرات هيكلية كبيرة شهدتها «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، بدأت بإبعاد العميد أحمد شعبان، المسؤول الأول عن إدارة الإعلام والدراما، وتعيين إدارة جديدة برئاسة رجل الأعمال البارز في مجال الإعلانات، طارق نور، مع الإطاحة بعدد من الشخصيات الفاعلة في إدارة الشركة.
وقد أثارت هذه التغييرات تكهّنات واسعة بأنها تمهيد لتفكيك «المتحدة» تدريجاً، وإعادة المشهد الإعلامي المصري إلى ما قبل مرحلة اندماج الكيانات الصحافية والتلفزيونية، مع تراجع الدولة عن احتكار هذا المجال والاعتماد بدلاً من ذلك على دعم رجال الأعمال في تمويل الإعلام والإنتاج الفنيين، خصوصاً مع تزايد مؤشرات الأعباء والمشكلات التي تواجهها الشركة.
الاعتماد على المواهب المصرية
في ظلّ هذه التغيرات المتسارعة، وبعد إعلان محمد سامي انسحابه الموقت من الساحة الدرامية لتجنّب الدخول في الصراع القائم، لم تمضِ مدة طويلة حتى تردد أنّ سامي قد تراجع عن قرار الاعتزال، ووقّع عقداً لإخراج مسلسل جديد لرمضان المقبل. بل أشيع أنّه في صدد نقل نشاطه الفني بالكامل إلى السعودية، بدعم من «هيئة الترفيه»، في خطوة تعكس بوضوح تصاعد النفوذ السعودي في رسم خريطة الدراما العربية، مع الاعتماد على المواهب المصرية لتأسيس كوادر درامية جديدة تخدم توجهاتها الإنتاجية.
المخرج الأعلى… مشاهدةً
في الواقع، يبرع المخرج محمد سامي دوماً في إثارة الجدل، سواء عبر المحتوى الذي يقدمه، أو عبر طريقة إدارته لمواقع التصوير التي لا تخلو من المشاحنات، وتصل أحياناً إلى حد التعدي اللفظي أو الجسدي. كما يُعرف بأسلوبه المبالغ فيه في توجيه أداء الممثلين والممثلات. وهو ما يصفه كثيرون بالمبالغة، فضلاً عن كثرة خلافاته مع عدد كبير من النجوم والنجمات الذين تعاونوا معه في السابق.
غير أن سامي (مواليد عام 1983) الذي بدأ مسيرته المهنية في إخراج المسلسلات عام 2011، يواصل تصدّره لقوائم الأعلى مشاهدة في مصر والخليج كل عام، حتى أصبح نموذجاً يسعى كثير من المخرجين الجدد إلى تقليده ومحاكاة أسلوبه.
بطل شعبي من رحم الطبقات الفقيرة
يعتمد محمد سامي في مسلسلاته على «خلطة درامية مضمونة»، ترتكز على بناء صورة «البطل الشعبي» الخارج من رحم الطبقات الفقيرة والمهمشة، محمّلاً بقيم الجدعنة، والوفاء العائلي، والأخلاقيات الشعبية.
يظهر هذا البطل دائماً كشخص مكافح، صنع نفسه بجهده وكفاحه، ويحمل «حقاً أصيلاً» في الزعامة والنجاح. وغالباً ما يتعرّض لظلم أو خيانة قاسية، يتحمّلها بصبر، قبل أن يعود بقوة مضاعفة لاسترداد حقه، ما يعزّز صورة «البطل المقهور المنتصر» التي تمسّ وجدان الجمهور الشعبي.
يحرص سامي على تضخيم حضور بطله عبر تقنيات تصويرية وموسيقية ملحمية، تمنحه طابعاً أسطورياً حتى في أكثر المشاهد بساطة. كما تلعب العائلة دوراً محورياً في سرده الدرامي، إذ تشكل النزاعات العائلية جزءاً من هوية البطل ومصدراً لشرعيته العاطفية.
أما من حيث تمثيل الجندر، فيقدّم سامي بطله كنموذج للذكورة التقليدية، المنفعلة والجبارة أحياناً، جامعاً بين القوة الجسدية، والشهامة، والغيرة الشديدة والعاطفية، بين القسوة والشعبوية، مع حضور واضح لسلطة الوصاية في علاقاته بالنساء.
صورة نمطية للمرأة
وبعيداً من بعض المسلسلات التي شاركت فيها زوجته وشريكته الفنية مي عمر، إذ منحها دور «البطل الشعبي» مكتسياً بالصفات التي تحدثنا عنها سابقاً، مع استبدال ملامح الذكورة التقليدية بأنوثة طاغية، تميل أعمال سامي عموماً إلى تقديم صور نمطية للمرأة تتأرجح بين نموذجين رئيسيين: المرأة الجبّارة المتسلطة، والمرأة اللعوب الخائنة.
في كثير من مسلسلاته، تُصوَّر المرأة القوية باعتبارها مصدر تهديد وعنصر صراع داخلي، تطغى عليها نزعات السيطرة والانفعال، ما يحوّلها إلى شخصية سلبية في نظر المتلقّي. وفي المقابل، تُرسم شخصيات نسائية أخرى كرموز للغواية والخيانة، إذ تتلاعب بالعواطف وتسعى إلى تحقيق مصالحها الشخصية.
هذا التناول المبسّط لصورة المرأة يعكس رؤيةً درامية تغازل الذوق التقليدي السائد، وتستجيب لانتظارات القاعدة الأوسع من جمهور المشاهدة.
حصان رابح دوماً
وبفضل تضافر هذه العناصر جميعاً، يقدّم محمد سامي خلطته الدرامية المضمونة، التي يروّج عبرها أعماله ويضمن تفاعل القطاع الأوسع من الجمهور. ثم، يبقى حاضراً بقوة في واجهة «الترند»، وحصاناً رابحاً في سوق الدراما، وكارتاً يُستخدم لترجيح كفة من يتعاون معه. وهو ما يعكس بوضوح ما يحدث «تحت الطاولة»، ويكشف عن مدى تشابك الدراما مع اعتبارات السياسة والاقتصاد.