ملف «حماس»: قادة أمنيون يهدّئون الرؤوس الحامية للسياسيين: هل وافق خصوم المقاومة على التوطين؟

ملف «حماس»: قادة أمنيون يهدّئون الرؤوس الحامية للسياسيين: هل وافق خصوم المقاومة على التوطين؟
صحيح أن الموقف اللبناني الأخير من حركة «حماس» في لبنان جرى تجميله بمسألة «الأمن القومي اللبناني»، إلا أن «اتزان» البيان الذي خرج عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد قبلَ أسبوع في بعبدا لا يستطيع طمس النوايا التي تظهّرت في مداولات الاجتماع، ما يجعل من هذا الملف قابلاً للانفجار في أي لحظة، خصوصاً أن جهات سياسية كانت تريد تصعيداً غير مدروس، قبلَ أن تقوم الأجهزة الأمنية بتهدئة الرؤوس الحامية!
مع اقتراب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في 21 من الشهر الجاري، وعلى جدول أعماله «ملف السلاح الفلسطيني»، تترقّب الأطراف الفلسطينية وحتى اللبنانية انعكاسات هذه الزيارة على لبنان ووضع الفلسطينيين، خصوصاً أن سياسة عباس أصبحت مفضوحة من دون أي قفازات بعد «طوفان الأقصى»، وهو جزء من عملية تصفية المقاومة والقضية الفلسطينية، وعليه تعبّر مصادر بارزة عن خوفها من أن «تستغلّ أطراف لبنانية موقف عباس للتصعيد الذي طالبت به في الاجتماع».
فقد كشفت مصادر مطّلعة على مداولات مجلس الدفاع، أن {الآراء انقسمت بين القيادة السياسية والأمنية، وأن البعض رفع سقفه عالياً جداً بشكل دفع قادة الأجهزة إلى تدارك الوضع والتشديد على ضرورة مراعاة الوضع اللبناني».
بري أدار وساطة سياسية
مع خالد مشعل و«حماس» تجاوبت مع المطالب ونفت
وجود قرار بالعمل العسكري
ونقلت المصادر أنه «فيما بدأ رئيس الجمهورية جوزيف عون كلامه بالتأكيد أن لبنان يؤيّد القضية الفلسطينية، لكنه دفعَ ضريبة كبيرة ولا يُمكن أن يستمر في دفع الأثمان، شارحاً عن التنسيق الذي يجري مع حماس وما الذي تعاونت به والذي لا يزال عالقاً»، طالب وزير الخارجية يوسف رجي بـ«إقفال مكاتب حركة حماس واتخاذ موقف متشدّد في ما يتعلق بإنهاء موضوع السلاح»، مدّعياً بأن «هذا ما تريده السلطة الفلسطينية».
لكن عون ومعه رئيس الحكومة نواف سلام، طالبا بانتظار مجيء عباس ومعرفة ما الذي سيحمله معه، ثم أضاف سلام أنه {يجب إصدار بيان شديد اللهجة يصنّف حماس كعصبة الأنصار وجند الشام}، واعتبر أن {الظرف الآن مؤاتٍ لتطويقها}، وهو ما ما أيّده وزيرا الخارجية والعدل، وبنسبة أقل وزير الداخلية أحمد الحجار الذي طرحَ أسئلة حول تأثير أي قرار تصعيدي ضد حماس على مسار الانتخابات البلدية والاختيارية (التي ستبدأ)، فكان لوزير المالية ياسين جابر رأي أكّد فيه ضرورة معالجة الملف بهدوء وتجنّب الصدام كي لا تنتج عن التصعيد غير المدروس تداعيات تؤثّر على الوضع المالي والموسم السياحي في البلد، خصوصاً أن لبنان مقبل على صيف واعد.
وكان لافتاً أن رؤساء الأجهزة الأمنية تقاطعوا معاً عند موقف داعٍ إلى تجنب الصدام، وطالبوا بخطوات عملية تفي بالغرض من دون دفع الطرف الآخر إلى الانفجار، وكانوا مع التدقيق على عمل حماس وحركة قيادييها من دون الذهاب إلى خطوات استفزازية في الوقت الحالي. واعتبرت الأجهزة الأمنية ولا سيما قائد الجيش رودولف هيكل أن اقتراح سلام في ما يتعلق بوضع حماس في خانة جند الشام وعصبة الأنصار سيؤدي إلى نتائج غير محمودة، علماً أنه توجد هناك وسائل ضغط أخرى يُمكن القيام بها لمنعها من المس بالأمن القومي، ويكون الضغط بشكل تدريجي، وهو ما اعترض عليه وزير الخارجية بشدّة مصراً على موقفه.
وتداركاً لأي انقسام واحتقان داخل الجلسة بين الأجهزة والوزراء حاول رئيس الجمهورية استيعاب الجو والموازنة بينَ الرأيين، ما أدى إلى البيان الذي صدر، وهو بيان تفهّمته حماس لاحقاً، لعلمها بوجود مخطط كبير لاستهدافها.
لكن هذا التدارك لم ينه حالة الترقب الحذر من زيارة عباس المقبلة التي يُمكن أن تُستغّل لصالح الخيار التصعيدي، حيث يمكن أن تقوم بعض الجهات بالتلطّي خلف الرئيس الفلسطيني للذهاب بعيداً بالاقتصاص من «حماس».
وكانت قضية «حماس» قد أخذت بعداً مختلفاً، بعد إعلان الأجهزة الأمنية أنها اكتشفت أن مطلقي الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة هم أفراد من حماس. وقد أعدّت مديرية المخابرات في الجيش لائحة بعدد غير قليل من اللبنانيين والفلسطينيين الذين يعملون مع حماس، وصودف أن بينهم من تقول الأجهزة الأمنية، بأنهم ساعدوا كتائب القسام – فرع لبنان خلال حرب الإسناد.
وعندما انطلقت الاتصالات، بادرت حركة حماس إلى التواصل مع الجهات المعنية في الدولة. لكنها فشلت في تأمين تواصل جدّي مع رئاسة الجمهورية كما لم تعط رئاسة الحكومة أي إشارة إلى استعداد للتواصل مع الحركة.
فكان القرار بالتوجه إلى الرئيس نبيه بري، الذي تلقّى اتصالاً هاتفياً من رئيس إقليم الخارج في الحركة خالد مشعل، والذي حرص على التأكيد بأن الحركة ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار، وأنها تنسّق موقفها هذا مع حزب الله ومع جميع الجهات اللبنانية، وهي ليست في وارد التخريب على ما تقوم به الدولة. وطالب مشعل رئيس المجلس بالتدخل لعدم دفع الأمور إلى مربعات سيئة.
نواف سلام طالب ببيان يعتبر «{حماس» كـ«جند الشام» ووزير الخارجية يطالب بحظر نشاطها استجابة لسلطة رام الله
وبعدما تبيّن لقيادة حماس، أن بعض المشاركين في إطلاق الصواريخ هم أعضاء فيها، عادت قيادتها لتؤكد للرئيس بري ولقوى وشخصيات أخرى، بأن هؤلاء قاموا بالعمل بصورة منفردة، وأن قيادة الحركة لا توافق على ما قاموا به، وأنها مستعدة لتسليم المطلوبين للجهات الأمنية الرسمية. وبدأت اتصالات للحصول على ضمانات بعدم تعريض الموقوفين لشروط توقيف قاسية، وعدم مناقشتهم بأمور تتجاوز حادثة إطلاق الصواريخ.
وهو ما جرى الاتفاق عليه لاحقاً، عندما عُقد الاجتماع بين المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي مع ممثل حركة حماس في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي. وقد التزم الأخير بخطة تنسيق يجري خلالها تسليم المطلوبين واحداً تلو الآخر.
وكانت الأمور تسير على هذا النحو، برغم الإعلان الأردني عن توقيف خلية في العاصمة عمان، تعمل على صناعة الصواريخ وأنها تلقّت دعماً من لبنان.
وقد أشيع أن الأردن بعث إلى لبنان بمعطيات تفيد بقيام حماس في لبنان بتقديم الدعم لهذه المجموعات. لكنّ الاتصالات التي جرت، أظهرت أن الأجهزة الأمنية اللبنانية، لم تتلقّ من الجانب الأردني أي معلومة تشير إلى دور لحماس في لبنان بتدريب عناصر الخلية أو تزويدهم بأي معدات أو أموال.
لكنّ الخطير في الأمر، لا يقف عند هذا الجانب، بل يتصل أساساً، بكون من أثار الملف، إنما يستهدف وضعه في سياق الترتيبات التي يهدف إلى تحقيقها رئيس السلطة الفلسطينية، والتي بدأها مع السلطات الجديدة في دمشق، والتي تركّز على إبعاد الفصائل الفلسطينية إلى خارج الساحات اللبنانية والسورية، ومنعها من أي نشاط، ثم البحث في آلية إنشاء سلطات أمنية فلسطينية تعمل بالتنسيق مع السلطات في لبنان وسوريا على تنظيم الوضع في كامل المخيمات الفلسطينية.
وبحسب الظاهر، فإن زيارة عباس إلى بيروت، أريد لها أن تكون على وقع مواجهة عنيفة بين حماس والسلطات اللبنانية، وقد تبيّن أن الضغط انتقل بقوة لأجل إشعال هذه المواجهة حتى داخل المخيمات الفلسطينية، علماً أن تصوّر عباس للعلاج، يقتضي في النهاية السير بالخطة الأميركية القاضية أولاً بنزع السلاح الفلسطيني بصورة كاملة من لبنان، ثم الدخول إلى المخيمات وإلغاء حالتها القائمة، ودفع سكانها نحو الاندماج في المدن والبلدات اللبنانية، مع وعود بأن تعمد دول خارجية إلى فتح أبواب الهجرة أمام عدد معيّن من فلسطينيي لبنان.
المشكلة أن خصوم المقاومة في لبنان وفلسطين، من الموجودين داخل السلطة وخارجها، يسيرون في مشروع هدف مركزي يؤدي إلى حقيقة واحدة هي: توطين الفلسطينيين في لبنان!
عن الاخبار اللبنانيه