بين شبح النزوح ورهان التهدئة: الغزيّون يحبسون أنفاسهم

بين شبح النزوح ورهان التهدئة: الغزيّون يحبسون أنفاسهم
غزة | بالتزامن مع استمرار التهويل بعملية «مركبات جدعون»، يتزايد الحديث عن قرب التوصل إلى صفقة تبادل أسرى جديدة يعود بموجبها الهدوء إلى قطاع غزة، وذلك عشية زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى المنطقة. ووسط هذه المساحة الرمادية، ما بين سيناريوَي الهدوء أو الهجوم الشامل، يعيش أكثر من ميلوني إنسان في ظروف إنسانية شديدة القسوة في القطاع، حيث يواصل جيش الاحتلال ضرب حصار خانق أنتج مجاعة أكثر حدّةً من سابقاتها.
وتخيّم مشاعر متناقضة على الشارع الغزي، حيث لم يفارق شبح النزوح الجماعي إلى الجنوب والعيش في ظروف حياة بدائية في حر الصيف، مخيّلات الأهالي. ومن مدينة بيت لاهيا الحدودية مع الأراضي المحتلة، يقول علاء رفعت، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «إسرائيل تمارس علينا أعلى مستويات التنكيل النفسي، إذ تضخّ يومياً المئات من الأخبار والتقارير والخطط بما تنوي فعله بعد انتهاء زيارة ترامب: تهجير وهدم ما تبقّى من منازل ونزوح وقتل جماعي وتجويع وطعام بالتنقيط». ويتابع الرجل الذي يعيل عائلة مكوّنة من سبعة أبناء: «لا شيء أمامنا للتعاطي مع هذه الضغوط النفسية سوى التسليم بقضاء الله، في حسابات المادة، كل العالم تآمر علينا، والتسليم هو نافذة الأمل الوحيدة».
وبالنسبة إلى الأهالي العائدين إلى شمال القطاع، يعادل النزوح مجدّداً «خروج الروح من الجسد»، حسبما تقول أم محمود طه، التي أمضت شهرين في استصلاح غرفتين وسط الركام. وفي حديثها إلى «الأخبار»، تشير إلى «(أننا) أمضينا شهرين في صناعة مكان نعيش فيه من العدم، حملنا أطناناً من الركام على أيدينا لاستصلاح غرفتين في المنزل المدمّر، قضينا أياماً لاستصلاح برميل مياه وبناء حمام ومكان للطهو»، مضيفة أن «أقل ما تراه في المنزل المدمّر هذا، حقّقناه بشق الأنفس وبتعب وجهد تواصل لأسابيع متواصلة من صباح اليوم الباكر وحتى المساء». وتتابع: «أن نترك كل ما أنجزناه وراء ظهورنا ونعود إلى الخيمة والضياع مجدداً، يعادل الموت، بل قد يكون الموت أكثر رحمة من خيبة كهذه».
تبدو صورة المجاعة أكثر وضوحاً في أسواق القطاع
وتبدو صورة المجاعة أكثر وضوحاً في أسواق القطاع؛ إذ يطوف فيها الآلاف من المواطنين بجيوب فارغة وسط بسطات تعرض كميات قليلة جداً من المعلبات وكثيراً من التوابل، بأسعار فلكية. وفي هذا الإطار، يقول محمود أبو قمر، وهو موظف حكومي يعمل في وزارة الصحة، إن «الأسعار جنونية. كل شيء يباع بالملعقة حرفياً، ملعقة السكر بـ1 دولار، كيلو السكر بـ30 دولاراً، ملعقة زيت الطهو بـ1.5 دولار، ملعقة الذرة بنصف دولار»، لافتاً، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «ذلك يعني أننا بحاجة إلى 10 أضعاف السعر الطبيعي لشراء أي شيء من المعروض، مع العلم أننا لم نتلقَّ رواتبنا منذ ثلاثة أشهر».
أما الحصول على رغيف خبز، فهو حكاية تتطلب البحث عن بدائل كبيرة، بعدما طحن الأهالي كل ما يمكن طحنه: المعكرونة والأرز والقمح. وهنا، تقول أم عاصم إن «كيلو الطحين وصل سعره إلى 20 دولاراً، يعني محتاجين 300 دولار حتى نحصل على كيس زنة 25 كيلوغراماً»، متسائلة، في حديثها إلى «الأخبار»: «مين معه هيك مبلغ بهذه الظروف؟ كان عنا معكرونة، طحنّاها واعملنا طحين، عندما نفدت، طحنّا بواقي القمح، لم يبقَ شيء لم نأكله، أما الغموس فهو الدقة والزعتر، إن توفّر».
والجدير ذكره، هنا، أن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا)، أكّدت أن الضرر الذي يتسبب به استمرار إغلاق المعابر في وجه المساعدات لا يمكن إصلاحه، بعدما أعلنت الحكومة الفلسطينية في رام الله، قطاع غزة، لأول مرة، منطقة مجاعة.