عربي دولي

تروث أوت: ديمقراطيو أمريكا… مقاومة ترامب إلا فيما يتعلق بفلسطين

تروث أوت: ديمقراطيو أمريكا… مقاومة ترامب إلا فيما يتعلق بفلسطين

رائد صالحة

واشنطن- في الوقت الذي يواصل فيه الديمقراطيون في الولايات المتحدة تقديم أنفسهم كحائط صدّ في وجه الرئيس دونالد ترامب وسياساته الاستبدادية، تكشف الوقائع الميدانية عن مفارقة لافتة: فهؤلاء المدافعون عن الحريات يتراجعون عند أول اختبار يتعلق بالقضية الفلسطينية.

 تقدميون: السماح للقمع الأمني بالتغلغل في تعامل الدولة مع المحتجين المؤيدين لفلسطين، يسهم في تعزيز آلة ترامب الأمنية، ويمنحها الشرعية التي تحتاجها لتمزيق النسيج الاجتماعي الأمريكي

وأحدث الأمثلة على ذلك تأتي من ولاية ميشيغان، حيث أصدرت المدعية العامة الديمقراطية دانا نسل في 7 مايو/ أيار الجاري بيانًا شديد اللهجة يُدين قرار المحكمة العليا الأمريكية الذي أيد حظر ترامب لخدمة المتحولين جنسيًا في الجيش، معتبرة القرار “مروعًا”. كما انضمت نسل إلى سلسلة دعاوى قضائية ضد الإدارة الجمهورية على خلفية تجاوزاتها للسلطات الرئاسية.

لكن موقف نسل سرعان ما يتبدد حين يتعلق الأمر بالنشاط المؤيد لفلسطين، إذ تكشّف تورط مكتبها في مداهمات أمنية استهدفت منازل نشطاء فلسطينيين في مدن آن آربر ويبسلنتي وكانتون، بالتعاون المباشر مع مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع لإدارة ترامب، في 23 أبريل/ نيسان الماضي. وبذلك، تنضم نسل إلى قائمة من الديمقراطيين – مثل عمدة نيويورك إريك آدامز والرئيس السابق جو بايدن – الذين يتبنون مواقف متطابقة تقريبًا مع الجمهوريين في التعامل مع الحراك المؤيد لفلسطين،  وفقاً للناشط في قضايا العدالة العرقية، الصحافي المستقل لويس ريفن والاس في مقال نشره موقع “تروث أوت”.

وبحسب ما ورد، ينهار خطاب المدعين بأنهم يشكلون “المقاومة الديمقراطية” لترامب، عند اختبار فلسطين، حيث لا يكتفون بالصمت، بل يشاركون في قمع المظاهرات، وملاحقة النشطاء، والتضييق على حرية التعبير. وهي ممارسات تفقدهم الثقة لدى قواعدهم الأساسية، من مهاجرين، ومسلمين، وعرب، وسود، ومجتمع الميم.

ورغم مزاعم مكتب نسل أن المداهمات لا علاقة لها بالاحتجاجات المناهضة للإبادة الجماعية في جامعة ميشيغان، فإن نتائج العملية الأمنية لم تقدّم مبررًا مقنعًا؛ إذ صودرت أجهزة إلكترونية، واستُجوب نشطاء دون أن تُوجّه إليهم اتهامات، بينما ادّعت نسل أن الأضرار الناجمة عن “أعمال تخريب” بلغت 100 ألف دولار، في إشارة إلى رسوم مؤيدة لفلسطين على الجدران في بعض مدن ميشيغان. ويبدو أن “مطاردة المخربين” كانت مجرد ذريعة.

وفي سابقة أخرى، سبق لنسل أن وجّهت اتهامات ضد متظاهرين أقاموا اعتصامًا داخل حرم جامعة ميشيغان في سبتمبر/ أيلول 2024، متجاوزة بذلك سلطات إنفاذ القانون المحلية التي رفضت ملاحقة المتظاهرين. وكشف تحقيق صحافي أجرته “الغارديان” عن علاقات مالية وشخصية تربط نسل بأعضاء في مجلس أمناء الجامعة ذوي ميول صهيونية.

وتحت الضغط الشعبي، أسقط مكتب نسل في 5 مايو/ أيار الجاري التهم عن سبعة من أحد عشر متظاهرًا في اعتصام مايو/ أيار 2024، بعد أن حلقت طائرة فوق حفل التخرج الجامعي تحمل لافتة كتب عليها: “لا جامعات في غزة. نسل، أسقطي التهم.” وبرر المكتب القرار بما وصفه بـ”أجواء السيرك الإعلامي”، في اعتراف ضمني بفشل الاعتقالات السياسية.

أحد هؤلاء، د. درين ماكين-شابيرو، قال إن سلوك نسل كان “غير أخلاقي وفاسدا، ويهدف فقط لقمع الخطاب المؤيد لفلسطين”، مضيفًا أن مكتبها يعمل بناءً على أوامر من مجلس الأمناء.

شابيرو: نرى مرة أخرى أن الديمقراطيين والجمهوريين وجهان لعملة واحدة في هذا الملف

وأبدى شابيرو، الذي سُجن مجددًا في أبريل/ نيسان بسبب مزاعم بخرق شروط الإفراج، قلقه حيال استمرار الاستهداف الأمني رغم إسقاط التهم. وأضاف: “نرى مرة أخرى أن الديمقراطيين والجمهوريين وجهان لعملة واحدة في هذا الملف، خاصة ترامب ودانا نسل.”

من جهتها، عبّرت سمي لويس، إحدى المتظاهرات اللواتي أُسقطت عنهن التهم، عن خشيتها من التصعيد المستمر، مشيرة إلى حملة الملاحقات بحق نشطاء حملة “أوقفوا مدينة الشرطة” في أتلانتا، الذين وُجهت إليهم تهم بموجب قوانين الجريمة المنظمة، رغم ضعف الأدلة.

وترى لويس أن الاستهداف الجماعي للناشطين أصبح نمطًا مقلقًا، وتقول: “أشعر أننا ربحنا معركة، لكن الحرب لا تزال قائمة. ونحن مستمرون في النضال من أجل تحرير فلسطين.”

ورفض مكتب نسل التعليق على هذه الوقائع، لكن موقفها لم يعد استثناءً؛ فعمدة لوس أنجلوس كارين باس – المعروفة بمواقفها التقدمية – أعربت عن دعمها لتشديد القبضة الأمنية على المظاهرات التضامنية مع غزة، رغم دعاواها السابقة بتحويل مدينتها إلى “ملاذ آمن”.

والاس: قد يكون تخلي الحزب الديمقراطي عن غزة أحد أسباب خسارته الانتخابات الرئاسية. لكن المستقبل قد يكون مختلفًا إن تمكن الحزب من تبني موقف مبدئي وواضح

هذه الازدواجية تعكس فشلًا أخلاقيًا وسياسيًا فادحًا. حتى السيناتور كوري بوكر، الذي أشاد به البعض لخطابه الطويل ضد ترامب في الكونغرس، امتنع عن التصويت لوقف تمويل إسرائيل في أبريل/ نيسان الماضي.

وأظهرت استطلاعات الرأي في 2024 و2025 أن غالبية الأمريكيين، وخاصة الديمقراطيين، يدعمون وقف إطلاق النار في غزة، وفرض حظر أسلحة على إسرائيل في حال انتهاكه. وقد يكون تخلي الحزب الديمقراطي عن غزة أحد أسباب خسارته الانتخابات الرئاسية. لكن المستقبل قد يكون مختلفًا إن تمكن الحزب من تبني موقف مبدئي وواضح: رفض القمع، بما في ذلك ضد مناصري فلسطين.

وقال العديد من التقدميين الأمريكيين إن السماح للقمع الأمني بالتغلغل في تعامل الدولة مع المحتجين المؤيدين لفلسطين، يسهم في تعزيز آلة ترامب الأمنية، ويمنحها الشرعية التي تحتاجها لتمزيق النسيج الاجتماعي الأمريكي. وعلى مسؤولي الحزب الديمقراطي، بدءًا من نسل، مراجعة مواقفهم، وإسقاط التهم، والانسحاب من أي تعاون مع إدارة تتبنى نهجًا سلطويًا.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب