درءاً للمستنقع السوري.. إسرائيل: لمَ لا نخول الأمر للأردن؟

درءاً للمستنقع السوري.. إسرائيل: لمَ لا نخول الأمر للأردن؟
أيال زيسر
بعد أربعة عقود من غرقنا في الوحل اللبناني، الذي لم نخلص منه حتى اليوم، يتبين أننا لم نتعلم شيئاً ونسينا كل شيء. وإلا فلا يمكن أن نشرح حماستنا للعودة للتورط في حروب ليست لنا قد تغرقنا في مستنقع مغرق، وهذه المرة في سوريا.
الطريق إلى الجحيم مبلطة بالنوايا الحسنة. هذا ما تعلمته إسرائيل في حزيران 1982، حين خرجت إلى حرب سلامة الجليل التي كان أحد أهدافها المعلنة إنقاذ المسيحيين في لبنان من ذبحهم على أيدي جيرانهم المسلمين. غير أنه سرعان ما تبين أن المسيحيين لا يطلبون أو لا يحتاجون مساعدتنا، بل وحتى غير مستعدين للقتال ضد أعدائهم. النهاية معروفة: غرقنا في المستنقع اللبناني في حرب الكل ضد الكل، التي توجهت ضدنا في النهاية، وطردنا م.ت.ف ولكننا حصلنا على حزب الله مكانها، وهربنا من لبنان الذي لا يزال يلاحقنا.
القصة السورية لا تختلف في جوهرها. دولة عديدة الطوائف تصارع إحداها الأخرى منذ فجر التاريخ، فما بالك أن الحبكة في دمشق تلقت انعطافة مع سقوط بشار الأسد
القصة السورية لا تختلف في جوهرها. دولة عديدة الطوائف تصارع إحداها الأخرى منذ فجر التاريخ، فما بالك أن الحبكة في دمشق تلقت انعطافة مع سقوط بشار الأسد. ما يسيطر على هذه الدولة اليوم د. جيكل والسيد هايد: صباحاً أحمد الشرع السياسي المعتدل الذي يطلق نغمات لطيفة على الأذن الغربية وحتى الإسرائيلية، وفي المساء أبو محمد الجولاني، زعيم الثوار الجهاديين الذين تعود مصادر إلهامهم إلى القاعدة و”داعش”.
ربما يذر الشرع الرماد في العيون، ويسعى لتحويل سوريا إلى دولة شريعة إسلامية، وربما زعيم ضعيف يفتقر إلى السيطرة على رفاقه الجهاديين الذين رفعوه إلى الحكم في دمشق. في طريقه لضمان حكمه في الدولة، ربما هو مستعد لدفع أثمان “محتملة” في نظره، ويترك العربدة لمؤيديه، وأساساً إباحة دم أبناء الأقليات في الدولة، العلويين أساساً، والمسيحيين والدروز الذين أصبحت حياتهم سائبة.
على إسرائيل ممارسة الضغط لنجدة الدروز في سوريا، لكن زعماءهم لم يطلبوا المساعدة التي توصمهم بالعار في نظر الرأي العام في سوريا. بدلاً من هذا، يعلنون بالضبط مثلما فعلوا في عهد بشار الأسد بأنهم مواطنون سوريون مخلصون.
مثل إخوانهم في لبنان وإسرائيل، دروز سوريا رأوا أنفسهم جزءاً من الدولة التي يعيشون فيها، وفي بداية القرن الماضي رفضوا عرضاً فرنسياً بإقامة دولة لهم في جبل الدروز. ويفضلون خوض مفاوضات عنيدة بل وعنيفة مع الشرع ورجاله، فيما يعرف الأخيرون كيف يقدرون وحدة الصف والنزعة القتالية الدرزية، وبالتالي توصلوا معهم إلى سلسلة اتفاقات.
يجب مساعدة دروز سوريا بالعتاد والسلاح حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وهم قادرون على ذلك. كما يمكن تجنيد الأردن الذي له حدود مشتركة معهم ومصالح مشابهة لمصالح إسرائيل في كل ما يتعلق بسوريا.
لكن لا ينبغي لإسرائيل ولا يمكنها أن تصبح شرطي الشرق الأوسط، خصوصاً حين بالكاد ننجح في الدفاع عن أنفسنا، مع غرقنا في حرب مع عصابات حماس في غزة. جبل الدروز أو جرمانة في دمشق بعيدان أكثر من 100 كيلومتر عن الحدود، وفي الطريق حاجة مرور لـ 3 مليون من أبناء الطائفة السنية، معظمهم مؤيدون للشرع.
إذن، ما الجهة التي ستخدمها المغامرة الإسرائيلية في سوريا – لا نظنهم الدروز السوريين، غير المعنيين بها، ولا حتى إسرائيل نفسها، على افتراض أننا غير معنيين بأن نجد أنفسنا غارقين في سوريا في العقود الأربعة التالية.
لأن جزءاً من هذه الصراعات يعود مئات السنين إلى الوراء، ولأن إعلانات المساعدة عديمة المعنى كوننا لن نحتل جنوب سوريا كله، ولأن جبل الدروز يبعد عن الحدود نحو 200 كيلومتر- إذن، نطلق تصريحات، ونتدخل في نزاعات سورية داخلية. ثمة حاجة لمساعدة الدروز بشكل غير مباشر عبر الأردن أيضاً. وثمة حاجة للاشتباه بالشرع، الذي يبدي مزيداً من وجه الجهادي السابق أو مجرد حاكم ضعيف، لكن لا حاجة للدخول إلى هذا المستنقع.
إسرائيل اليوم 11/5/2025