الناشط الفلسطيني محمود خليل يكشف نفاق ساسة “القيم العائلية” في أمريكا: حرموني من حضور ولادة ابني

الناشط الفلسطيني محمود خليل يكشف نفاق ساسة “القيم العائلية” في أمريكا: حرموني من حضور ولادة ابني
رائد صالحة
واشنطن- في مقال رأي لاذع نُشر في صحيفة الغارديان البريطانية، انتقد محمود خليل، الشاب الفلسطيني المعتقل في الولايات المتحدة، تناقض الخطاب السياسي الأمريكي الذي يتحدث عن “القيم العائلية” في الوقت الذي تُسهم فيه السياسات نفسها في تفكيك الأسر وحرمانها من لحظاتها الإنسانية الأساسية. وكتب خليل: “في يوم من الأيام، قد تتساءل لماذا يُعاقب الناس على الدفاع عن فلسطين، ولماذا نشعر أن الحقيقة والرحمة تشكلان خطرًا على السلطة”.
محمود خليل: في يوم من الأيام، قد تتساءل لماذا يُعاقب الناس على الدفاع عن فلسطين، ولماذا نشعر أن الحقيقة والرحمة تشكلان خطرًا على السلطة
محمود خليل، الحاصل على البطاقة الخضراء الأمريكية، لم يتمكن حتى الآن من لقاء ابنه الذي وُلد مؤخرًا، بعد أن اعتُقل في مارس/ آذار الماضي من قبل عناصر إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، دون مذكرة توقيف، وأمام زوجته الحامل نور عبد الله، التي كانت في شهرها الثامن حينها. ومنذ ذلك الحين، يُحتجز في مركز احتجاز بولاية لويزيانا، على بعد أكثر من ألف ميل من منزله، بسبب نشاطه الطلابي في جامعة كولومبيا، والذي صنفته إدارة ترامب تهديدًا للسياسة الخارجية الأمريكية.
وفي مقاله، وصف خليل اللحظة المؤلمة التي لم يتمكن فيها من مشاركة زوجته لحظة الولادة، سوى عبر اتصال هاتفي من داخل الزنزانة. وكتب: “في لحظاتكِ الأولى، دفنتُ وجهي بين ذراعيّ وخفضتُ صوتي حتى لا يرى السبعون رجلًا الآخرين النائمين في هذه الغرفة الخرسانية عينيّ الغائمتين أو يسمعوا صوتي يختنق… أشعر بالاختناق من غضبي وقسوة نظام حرمني أنا ووالدتكِ من مشاركة هذه التجربة. لماذا يمتلك السياسيون المجهولون القدرة على حرمان البشر من لحظاتهم الإلهية؟”.
واعتبر خليل أن غيابه ليس حالة فردية، بل انعكاس لواقع يعيشه كثير من الآباء الفلسطينيين. وأضاف: “مثل غيري من الآباء الفلسطينيين، فصلتني عنكم أنظمة عنصرية وسجون بعيدة. في فلسطين، هذا الألم جزء من الحياة اليومية. يولد الأطفال كل يوم دون آبائهم – ليس لأنهم اختاروا الرحيل، بل لأنهم يُقتلون بالحرب والقنابل وزنازين السجون وآلات الاحتلال الباردة. إن الحزن الذي أشعر به أنا وأمك ليس إلا قطرة في بحر من الحزن الذي غرقت فيه العائلات الفلسطينية لأجيال”.
محمود خليل: في فلسطين، هذا الألم جزء من الحياة اليومية. يولد الأطفال كل يوم دون آبائهم – ليس لأنهم اختاروا الرحيل، بل لأنهم يُقتلون بالحرب والقنابل وزنازين السجون وآلات الاحتلال الباردة
وتحدث خليل عن علاقته بالآباء الآخرين المحتجزين معه، قائلًا: “أتعرّف على نظرة كل أب في مركز الاحتجاز هذا. أجلس هنا أتأمل عظمة ميلادكم وأتساءل كم من الأوائل سيُضحى بهم لأهواء الحكومة الأمريكية”، مشيرًا إلى التناقض الصارخ في الخطاب السياسي الأمريكي: “السياسيون أنفسهم الذين يبشّرون بـ”القيم العائلية” هم من يمزقون الأسر”.
ووجّه خليل كلمات مؤثرة إلى ابنه، قال فيها: “حبّي لك أعمق من أي شيء عرفته. حبّك ليس منفصلًا عن النضال من أجل التحرير… إنه التحرير بحدّ ذاته. أقاتل من أجلك، ومن أجل كل طفل فلسطيني تستحق حياته الأمان والحنان والحرية. آمل أن تقف شامخا يومًا ما، مدركا أن والدك لم يكن غائبًا عن غفلة، بل عن قناعة”.
وبعد الولادة، قالت زوجته نور عبد الله في بيان إن إدارة الهجرة والجمارك، إلى جانب إدارة ترامب، سرقت من عائلتها لحظات لا تُعوّض. وأضافت: “لا ينبغي أن نقضي أنا وابني أيامنا الأولى على الأرض بدون محمود. لقد سُرقت منا هذه اللحظات الثمينة في محاولةٍ لإسكات صوت محمود الداعم لحرية فلسطين”.
وفي مارس/ آذار، كتب جالوني أمور، المحامي والمدافع عن العدالة الإنجابية، أن قضية خليل لا تمثل مجرد قضية تتعلق بالهجرة أو حرية التعبير، بل هي في جوهرها قضية عدالة إنجابية. ووجه دعوة صريحة إلى منظمات الحقوق الإنجابية في الولايات المتحدة للتحرك، قائلًا: “إذا لم تستطع منظمات العدالة الإنجابية التصدّي لاختفاء أب فلسطيني بينما تستعد زوجته للولادة، فما قيمة التزامها بالحرية الإنجابية؟ ما فائدة حركة تُطالب بـ”حرية الأبوة والأمومة” ثم تُشيح بنظرها عن العائلات الملوّنة التي تُحرم بشكل ممنهج من القدرة على تربية أطفالها بأمان وكرامة؟”.
وتأتي هذه القضية في سياق حملة متصاعدة تشنها إدارة ترامب على الطلاب الدوليين والمقيمين الأمريكيين الذين يعبرون عن دعمهم لفلسطين أو ينتقدون السياسات الإسرائيلية تجاه غزة. ومؤخرًا، أُفرج عن رميسة أوزتورك، باحثة فولبرايت في جامعة تافتس، بعد احتجازها بسبب مقال رأي يدعو للسلام، ووصفتها الإدارة بأنها “تهديد للأمن القومي”.
وكشفت تقارير أن السلطات الأمريكية سعت منذ اعتقال خليل إلى ترحيل مئات الطلاب الدوليين، مستندة إلى مخالفات بسيطة لا تمتّ بصلة إلى قضايا أمنية، شملت مخالفات مرورية أو حتى كون الطالب ضحية لعنف منزلي.
واختتم خليل مقاله برسالة إلى ابنه، قال فيها: “قد تسأل يومًا ما لماذا يُعاقَب الناس لدفاعهم عن فلسطين، ولماذا تُشكّل الحقيقة والتعاطف خطرًا على السلطة؟ هذه أسئلة صعبة، لكنني آمل أن تُبيّن لكم قصتنا هذا: العالم بحاجة إلى مزيد من الشجاعة، لا إلى نقصانها. إنه بحاجة إلى أناسٍ يُفضّلون العدالة على المصالح الشخصية”.
“القدس العربي”: