ميديا بارت: ترامب في الشرق الأوسط بشهيّة كبيرة

ميديا بارت: ترامب في الشرق الأوسط بشهيّة كبيرة
باريس- تحت عنوان “ترامب يصل إلى الشرق الأوسط بشهية كبيرة”، قال موقع “ميديا بارت” الفرنسي إن ترامب يرغب في تحقيق إنجاز مدوٍّ قبل جولته في الشرق الأوسط، والتي تُعد أول زيارة دولة له خلال ولايته الثانية.
وقد حصل على ذلك قبل ساعات من هبوطه في الرياض: إذ أفرجت حركة “حماس” عن آخر محتجز مزدوج الجنسية (أمريكي-إسرائيلي) ما يزال على قيد الحياة في قطاع غزة، وهو إيدان ألكسندر، البالغ من العمر اليوم 21 عامًا، كان في التاسعة عشرة حين اختطفه “حماس” في 7 أكتوبر 2023، وكان حينها قناصًا في وحدة عسكرية متمركزة قرب قطاع غزة.
ويتكوف: نريد إعادة الرهائن إلى بيوتهم، لكن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب. إنها تُطيلها رغم أننا لا نرى أي مخرج، وحان وقت التوصل إلى اتفاق
أشاد ترامب، منذ يوم الأحد، بالإعلان الصادر عن “حماس” بشأن الإفراج المرتقب، واصفًا إياه بـ”النبأ العظيم”. وبعيدًا عن أسلوبه المعتاد المتضخم، فإن ما يستحق الوقوف عنده في رسالته هو العبارات التالية: “هذه خطوة نابعة من حسن النية تجاه الولايات المتحدة وجهود الوسطاء- قطر ومصر- لوضع حد لهذه الحرب الوحشية، وإعادة جميع الرهائن الأحياء وجثامين الموتى إلى ذويهم. نأمل أن تكون هذه الخطوة هي الأولى في سلسلة الخطوات الأخيرة اللازمة لإنهاء هذا الصراع الوحشي”، يُشير موقع “ميديا بارت”.
لكن ما غاب تمامًا في هذه الرسالة هو إسرائيل. فقد تم ذكر الدولتين الوسيطتين، وشُكرت “حماس” على “الخطوة النابعة من حسن النية”، دون أي إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. في الواقع، تم تهميش بنيامين نتنياهو تمامًا من المفاوضات، التي جرت مباشرة في الدوحة بين واشنطن والحركة الإسلامية، يوضح موقع “ميديا بارت”، مشيرًا إلى أن ردّة فعل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، مساء الأحد، عكست الاستغراب والامتعاض في آنٍ واحد، وجاء في بيانه: “أبلغتنا الولايات المتحدة بنيّة حماس الإفراج عن الجندي إيدان ألكسندر كخطوة تجاه الأمريكيين، دون شروط أو مقابل. كما أبلغتنا بأن هذه الخطوة يجب أن تؤدي إلى استئناف المفاوضات على أساس الخطة الأصلية التي اقترحها ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، والتي وافقت عليها إسرائيل.”
نتنياهو في موقف حرج
بهذا، وجّه ترامب رسالة واضحة لحليفه الإسرائيلي، مفادها أنه لا يوافق على سياسته التي تُؤخِّر الإفراج عن الرهائن، وتُقدّم عليها هدف تدمير قطاع غزة بالكامل وتهجير سكانه، وهو ما يُطبق حاليًا. كما أوضح، ضمنيًا، أنه يطالب باستئناف المفاوضات. وبالفعل، أعلن الجانب الإسرائيلي، يوم الإثنين، عن إرسال وفد إلى قطر، يتابع موقع “ميديا بارت” دائمًا.
ونقل الموقع الفرنسي عن ليلى سورات، الباحثة في مركز الأبحاث العربي في باريس (CAREP)، قولها: “لقد تحركت إدارة ترامب بدهاء. هذا يُعد اعترافًا بضعف “حماس”، لأن إيدان ألكسندر كان ورقة مهمة بيدها. لكنه في نفس الوقت يُظهر أن ترامب يسعى لاستعادة الملف من خلال استغلال الشرخ في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصةً أنه بات واضحًا أن ترامب يضع مصلحته فوق كل اعتبار”.
منذ أسابيع، توحي المؤشرات بأن العلاقة بين ترامب ونتنياهو قد توترت. إحدى أقوى هذه الإشارات جاءت من ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للسلام، خلال لقائه مع عائلات الرهائن الإسرائيليين: “نريد إعادة الرهائن إلى بيوتهم، لكن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب. إنها تُطيلها رغم أننا لا نرى أي مخرج، وحان وقت التوصل إلى اتفاق”، صرح بذلك قبل ساعات فقط من إعلان “حماس” عن الإفراج المرتقب.
تصعيد غير مسبوق ضد تل أبيب
الأمر الأخطر- يقول “ميديا بارت” دائمًا- هو أن البيت الأبيض أقدم على سلسلة من الخطوات المفاجئة التي تتعارض بوضوح مع ما تعتبره تل أبيب مصالحها. فقد أعلن ترامب، مطلع أبريل/نيسان، استئناف المفاوضات النووية مع إيران. وكان نتنياهو إلى جانبه في المكتب البيضاوي، وقد بدا وكأنه سيسقط من كرسيه من شدة الصدمة، إذ لطالما حذر هذا الأخير من “التهديد النووي الإيراني”، إلى درجة أن التساؤل الأبرز في الإعلام الإسرائيلي كان: متى ستقصف إسرائيل إيران؟ لكن ترامب، في ذلك اليوم، نسف كل ذلك بلا تردد. وأظهر أن مصلحة الولايات المتحدة، كما يراها، ستظل دومًا في المقدمة.
أما في 6 مايو/أيار الجاري، فقد كانت الضربة أشد، حيث أعلن ترامب عن وقف الضربات الأمريكية على الحوثيين، وبعدها مباشرة أعلن الوسيط العماني عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، مقابل أن يوقف الحوثيون هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر التي قالوا إنهم يقومون بها دعمًا للفلسطينيين. ومرة أخرى، لم تُذكر إسرائيل في أي من تفاصيل الاتفاق، رغم أن صاروخًا أُطلق من اليمن، قبل يومين من الاتفاق فقط، كان قد أصاب مطار بن غوريون قرب تل أبيب، وتسبّب في شلل جزئي لحركة الطيران. وصرح السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكابي، المعروف بمواقفه المؤيدة لتل أبيب، بأن بلاده لن تتدخل إذا تعرضت إسرائيل لهجوم حوثي جديد، ما لم يكن هناك “ضحية تحمل جواز سفر أمريكياً”.
نفس السفير أعلن، بعد ذلك بأيام، خطة واشنطن لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة، وهي الخطة ذاتها التي وافق عليها مجلس الأمن الإسرائيلي، لكنه أصر على أن الجيش الإسرائيلي سيكون موجودًا فقط لمراقبة نقاط العبور، وأن الصندوق الإنساني لغزة هو مبادرة أمريكية خالصة، يُذكّر موقع “ميديا بارت”.
حضور سياسي وتجاري
كل هذه التطورات جاءت تمهيدًا لزيارة ترامب إلى السعودية في 13 مايو/أيار الجاري، ثم إلى قطر في 14، والإمارات في 15 مايو، دون زيارة لإسرائيل قبل عودته إلى واشنطن.
ويقول رامي جورج خوري، الباحث في السياسة العامة بالجامعة الأمريكية في بيروت، والمقيم في الولايات المتحدة: “الرئيس الأمريكي لا يريد أن يصل فارغ اليدين. ولا يمكنه. فطموحاته ضخمة. يسعى ترامب لجني الثروات له ولعائلته وشركائه التجاريين. يريد إضعاف روسيا والصين في المنطقة. يطمح إلى صفقات ضخمة مع دول الخليج لدعم الاقتصاد الأمريكي بمليارات الدولارات. ولتحقيق ذلك، عليه أن يحرز تقدمًا في ملفين لطالما كانا أساس التوتر في المنطقة: البرنامج النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. إنه يحاول أن يفعل سبعة أو ثمانية أشياء في وقت واحد”.
ويضيف خوري: “يريد عقد صفقات تجارية كبرى مع حكومات وشركات خاصة في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، من شأنها أن تُنتج تبادلات ضخمة ومكاسب للطرفين، لكنها تربط الاقتصاد العربي- في الدول المعنية- بالولايات المتحدة أكثر مما تربطه بروسيا أو الصين أو أوروبا”.
خوري: على ترامب أن يحرز تقدمًا في ملفين لطالما كانا أساس التوتر في المنطقة؛ البرنامج النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. إنه يحاول أن يفعل سبعة أو ثمانية أشياء في وقت واحد
ينقل موقع “ميديا بارت” أيضًا عن أنييس لوفالوا، نائبة رئيس معهد iReMMO ومنسقة كتاب “الكتاب الأسود لغزة”: “ترامب لا يريد أن يتصادم مع السعوديين، لأن علاقته بولي العهد قائمة على المصالح. ليس فقط مصالح الولايات المتحدة كدولة، بل أيضًا مصالح عائلته. ورغم كل شيء، فإنه يراهن على شعاره “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، ويعتمد على استثمارات ضخمة من الصناديق السيادية السعودية والقطرية والإماراتية”.
الرغبة في نوبل السلام
لكن هذا الرئيس الطموح لا يريد المال فقط، بل المجد أيضًا. يريد أن يُقدّم نفسه كصانع للسلام، يستحق جائزة نوبل، التي لم يحصل عليها خصمه أوباما.
ولن يبخل قادة الدول الثلاث التي سيزورها بإغراقه بالمليارات والهدايا الفخمة، مثل الطائرة الرئاسية الفاخرة المهداة من قطر. لكن، رغم كل هذا، يبقى السؤال: هل هذه التحركات جزء من إستراتيجية مدروسة فعلًا؟ أم أن ترامب، بعد أن ينال وعودًا وصورًا ترويجية، سيتراجع، كما فعل مرارًا في الماضي؟، يتساءل موقع “ميديا بارت.”
يختم رامي جورج خوري قائلًا: “لقد أصبح قويًا لأنه كان ممثلًا ناجحًا وشخصية مسرحية على التلفزيون. وما زال يتصرف على هذا الأساس. يستخدم كل الحيل التي تضمن النجاح على الشاشة. وبالتالي، لا يمكنك أن تأخذ كلامه على محمل الجد. فإذا قال شيئًا اليوم عن غزة أو إيران، فقد يغير رأيه الأسبوع المقبل”.
“القدس العربي”: