ثقافة وفنون

عصيان في «كان»: ماذا فعلتم لفاطمة حـسونة؟

عصيان في «كان»: ماذا فعلتم لفاطمة حـسونة؟

شفيق طبارة

خيّمت السياسة على الدورة الـ 78 من المهرجان الفرنسي العريق: رسالة تضامنية مع قطاع غزة المذبوح منذ أكثر من سنة ونصف سنة، وأسئلة حول جدوى السينما متى نأت بنفسها عن قضايا المظلومين والمهمّشين والمستعمَرين، وروبرت دي نيرو يفتح النار على الرئيس الأميركي، وجيرار دوبارديو ملاحق بالفضائح الجنسية

قبل المؤتمر الصحافي للجنة تحكيم «مهرجان كان السينمائي الدولي» الذي انطلق قبل يومين، وقّع أكثر من 350 ممثلاً ومخرجاً ومنتجاً رسالة تتعلّق بالصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة (التي استشهدت في غارة جوية إسرائيلية في غزة) بطلة الفيلم الوثائقي «ضع روحك على كفّك وامشِ» (إخراج الإيرانية سبيده فارسي) الذي سيعرض في تظاهرة «اسيد» المصاحبة للمهرجان.

أين السينما من الإبادة الحاصلة؟

مارك رافالو، غاي بيرس، ميليسا باريرا، رالف فينيس، ميليسا باريرا، يورغوس لانثيموس، خافيير باردم، هانا إينبايندر، بيدرو ألمودوفار، ديفيد كروننبرغ، ألفونسو كوارون، مايك لي، أليكس جيبني، فيغو مورتنسن، سينثيا نيكسون، ريتشارد غير، سوزان ساراندون، وعدد غيرهم وقّعوا رسالةً مفادها: «كانت على وشك الزواج، قُتل عشرة من أقاربها، بمن في ذلك أختها الحامل، بالضربة الإسرائيلية نفسها (…) نحن نشعر بالخجل من هذا السكوت.

  • تسلّم الممثل الكبير روبرت دي نيرو السعفة الذهبية الفخرية
    تسلّم الممثل الكبير روبرت دي نيرو السعفة الذهبية الفخرية

لماذا يبدو أنّ السينما، وهي أرض خصبة للأعمال الاجتماعية الملتزمة، غير مبالية بشكل كبير برعب الواقع والاضطهاد الذي تعانيه أخواتنا وإخواننا؟ كفنانين وفاعلين ثقافيين، لا يمكننا أن نبقى صامتين بينما تقع إبادة جماعية في غزة.

وقّع أكثر من 350 ممثلاً ومخرجاً ومنتجاً رسالة تتعلّق بالصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة

ما فائدة مهنتنا إذا لم نأخذ دروساً من التاريخ، لنصنع أفلاماً ملتزمة، إذا لم نكن موجودين لحماية الأصوات المضطهدة؟ (…) لنرفض أن تكون فنوننا متواطئة مع الأسوأ.

لنقم بالثورة. لنسمِّ الواقع. دعونا نتجرأ معاً على النظر إليه بدقة قلوبنا الحساسة، حتى لا يمكن إسكاتها أو تغطيتها بعد الآن. لنرفض الدعاية التي تستعمر خيالنا باستمرار وتجعلنا نفقد إحساسنا بالإنسانية. من أجل فاطمة، ومن أجل جميع الذين يموتون في ظل اللامبالاة. لدى السينما واجب في حمل رسائلهم، في عكس مجتمعاتنا. دعونا نتحرك قبل فوات الأوان».

لماذا لم توقّع جولييت بينوش على الرسالة؟

هذه الرسالة ألقت ثقلها على المؤتمر الصحافي للجنة التحكيم التي ترأسه الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، التي سُئلت مباشرة عن سبب عدم توقيعها على هذه الرسالة، فأجابت: «ربما ستفهمون لاحقاً»، رافضة الإدلاء بالمزيد.

  • تحية للشهيدة فاطمة حسونة بطلة وثائقي «ضع روحك على كفّك وامشِ»
    تحية للشهيدة فاطمة حسونة بطلة وثائقي «ضع روحك على كفّك وامشِ»

وعن تهديد دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الأفلام، قالت: «فهمنا منذ البداية أن الرئيس يحاول حماية بلاده، ولكن بالنسبة إلينا، لدينا مجتمع سينما قوي جداً في قارّتنا، نرى أنه يُقاتل، ويحاول بطرق مختلقة ومتعددة إنقاذ أميركا وإنقاذ نفسه».

الاعتداءات الجنسية تلاحق جيرار دوبارديو

وعن الممثل الفرنسي الأسطوري جيرار دوبارديو المتهم بالاعتداءات الجنسية وحُكم عليه بالسجن ثمانية عشر شهراً مع وقف التنفيذ، قالت بينوش: «إنه ليس وحشاً مقدساً، بل رجل فقد هيبته».

وفي سياق آخر كلياً، كشفت عضو لجنة التحكيم الممثلة الأميركية هاري بيري بأنّها غير قادرة على ارتداء فستانها المختار لاحتفال الافتتاح، بعد قرار إدارة المهرجان الصارم بحظر العُري والملابس الفضفاضة على السجادة الحمراء.

روبرت دي نيرو يهاجم ترامب

احتفال الافتتاح لم يكن أقل سياسية وإثارةً للجدل من المؤتمر الصحافي. تسلّم الممثل الكبير روبرت دي نيرو السعفة الذهبية الفخرية، واستغل هذه الفرصة للدفاع عن الديموقراطية ومهاجمة ترامب: «في بلدي، نناضل بشراسة من أجل الديموقراطية التي كنّا نعتبرها أمراً مسلّماً به.

هذا يؤثر فينا جميعاً هنا، لأن الفنّ هو بوتقة التقاء الناس، كما هي الحال هذه الليلة. الفنّ يبحث عن الحقيقة. الفنّ يحتضن التنوع. لهذا السبب يشكل الفن تحدياً، ولهذا السبب نحن نشكّل تهديداً للمستبدين والفاشيين».

بداية مخيّبة مع أميلي بونّان

بعد الرسالة والمؤتمر الصحافي واحتفال الافتتاح، جاء وقت فيلم الافتتاح. المخرجة الفرنسية أميلي بونّان دخلت التاريخ بكونها أول مخرجة تفتتح المهرجان بأول فيلم روائي طويل لها. دخلت التاريخ لهذا السبب فقط، وليس طبعاً بسبب فيلمها «إجازة ليوم واحد» («Partir un Jour»)، الذي أقل ما يُقال عنه إنّ مكانه طبعاً ليس في المهرجان، ناهيك بافتتاحه.

تدور قصة الفيلم حول سيسيل (جولييت أرماني)، التي تستعد لتحقيق حلمها بفتح مطعمها الخاص الفاخر في باريس. لكن يتعيّن عليها العودة إلى قرية طفولتها بعد تعرّض والدها لنوبة قلبية. بعيداً من صخب باريس وضجيجها، تلتقي مرة أخرى بحبيب طفولتها، رافايل (باستيان بويون) فتعود ذكرياتها إلى الظهور وتتزعزع يقينياتها.

هذا، باختصار، ملخّص للفيلم الكوميدي الموسيقي الغنائي التقليدي تماماً، إذ ستكون جميع الأحداث التي تتوالى متتابعةً ومتوقعةً جداً.

الفيلم الذي يُفترض أن يكون شبيهاً بأفلام كريستوف أونوريه أو الآن رينيه، لا يتمتّع بأي شيء أصلي، حتى الأغاني التي يؤديها الممثلون بطريقة سيئة جداً، هي أغنيات فرنسية شهيرة خضعت كلماتها للتعديلات كي تناسب الفيلم. وفوق كلّ هذا، لا يمتلك الفيلم نضارة ولا خفة أغاني الحبّ.

حتى الجمل التي يتم إدراجها بين مشاهد الحوار تبدو مملّة، ولا تضيف الكثير إلى القصة، بخلاف تبرير المشاركة الأولى للمغنية الفرنسية لجولييت أرمانيه في فيلم.

«إجازة ليوم واحد» فيلم مصطنع، فرنسي بامتياز بالمعنى السيّئ للكلمة، وتحت أضواء «مهرجان كان». لا نبالغ إذا قلنا إنّ الفيلم نُسي حتى قبل خروج الحاضرين من الصالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب