مقالات

أبعد من الصراع الباكستاني الهندي… هناك الاصطفافات

أبعد من الصراع الباكستاني الهندي… هناك الاصطفافات

د.جيرار ديب

أكدت الهند وباكستان، السبت 10 أيار الجاري، التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بعد نحو 12 ساعة من بدء عملية أطلقت عليها اسم «البنيان المرصوص»، وعقب 4 أيام من مواجهات مسلحة دامية، كادت أن تتحول إلى حرب شاملة بين البلدين النوويين.
أكد وزارتا الخارجية والدفاع في الهند، أنه تمّ التوصل إلى تفاهمات مع باكستان لوقف كل العملية العسكرية برا وجوا وبحرًا، وكشفت وزارة الخارجية الهندية أن القائدين العامين للعلميات العسكرية في الهند وباكستان سيجريان محادثات مرة أخرى في لاحق من هذا الشهر.
لا خلاف أن العالم كان على أعصابه من أن تتطور تلك الحرب في جنوب آسيا، وتفتح منطقة ساخنة جديدة وسط غصب أمريكي من تلكؤ طرفي النزاع الروسي والأوكراني من التوصل إلى تسوية لإنهاء الصراع. لقد قال نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، إن الولايات المتحدة ستنسحب حتمًا من المفاوضات إن شعرت أنّ لا جدوى منه.
ليست الجبهة الأوكرانية الساخنة في هذا العالم، بل هناك جبهة لم تعرف طريق التسوية في منطقة الشرق الأوسط، وسط اصرار إسرائيلي متمثل في شخص رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الذي يعمل على توسيع دائرة الصراع لإشراك الولايات المتحدة، رغم قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير المتوقعة، المرتبطة بوقف الضربات على حركة الحوثيين في اليمن.
توقفت الحرب ومنع تدحرجها، مع إصدار البيانات الرسمية لكلا البلدين، ورغم إنها قابلة للاشتعال في أي وقت، لكنّ إعلان وقف إطلاق النار من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أكد على التوصل إلى صيغة توافقية بين الطرفين. فترامب الذي يريد عودة أمريكا «عظيمة»، من خلال فصل دورها عن أن تكون طرف في قلب الصراع، إلى دورها الطبيعي الذي أسسته بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والمتمثل في القيادة العالمية على قاعدة التوفيق بين كافة الأطراف.
لا يستطيع الأمريكي الانغماس أكثر في لعبة المحاور بين باكستان والهند، فهو يحتاج إلى كلا الطرفين، في صراعه على النفوذ العالمي مع الهند الذي يرسم معها الممر الاقتصادي الهندي. لقد وقعت واشنطن في نيودلهي في 10 أيلول عام 2023 على هذا الممر الذي يشكل التحدي الأبرز أمام الممر الصيني «الحزام والطريق»، فالمطلوب عزل الصين بعدما رفض الرئيس ترامب دعوات نظيره لحلّ أزمة الحرب التجارية التي أشعلها مع بكين.

لا يستطيع الأمريكي الانغماس أكثر في لعبة المحاور بين باكستان والهند، فهو يحتاج إلى كلا الطرفين، في صراعه على النفوذ العالمي مع الهند الذي يرسم معها الممر الاقتصادي الهندي

كذلك الأمر، تحتاج واشنطن إلى إسلام أباد، هي التي تجد فيها عقبة رئيسية أمام التمدد الروسي في آسيا، بعدما فرض عليها الغرب عقوبات أممية على خلفية دخول جيشها أراضي أوكرانيا تحت ذريعة حماية أمنها القومي. تعتبر باكستان حليفة موثوقة لدى واشنطن لاسيما بعدما أصدرت محكمة باكستانية في كانون الثاني الماضي، حكمًا على رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان بالسجن وعلى زوجته بشرى بيبي، بعد إدانتهما بالفساد. قد يكون ظاهر الحكم هو الفساد، لكن خلفياته هو محاسبة خان على تقارب سياساته مع روسيا وسط امتعاض غربي من خطواته تجاه الرئيس بوتين.
ليس الموقف الأمريكي من الصراع من شكل مفاجأة، بل هناك الموقف الإسرائيلي الذي أخذ شكل التموضع إلى جانب نيودلهي. سارعت تل أبيب إلى تأكيد «دعمها الهند» عقب إعلان نيودلهي توجيه ضربات صاروخية على 9 مواقع في باكستان. قد يتوقف البعض عند اجتماع مجموعة الـ20 في الهند، حيث تمّ التوقيع على الممر الاقتصادي الذي يجعل من ميناء حيفا، وإسرائيل نقطة الارتكاز في هذا الممر، ويجعل منها وجهة محورية بين الشرق والغرب.
لكن العلاقة الهندية الإسرائيلية، تعود في جذورها إلى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي حيث فوجئ العالم بهجوم إسرائيلي على مفاعل تموز العراقي النووي عام 1981 التي أدت إلى تدميره بالكامل. هذه العملية دفعت بالثنائي الهندي الإسرائيلي لاستلهام عملية مشتركة تحاكي هجومًا واضحًا على المفاعيل النووية الباكستانية، حيث كانت تقضي الخطة بإقلاع طائرات إسرائيلية من مطارات هندية، على أن تتزود بالوقود جوًا، ثم تعبر جبال الهيمالايا لتضرب كاهوتا بدقة عاليةـ لكن المخابرات الباكستانية اكتشفت المؤامرة قبل تنفيذها، ما دفع سلاح الجو الباكستاني إلى رفع حالة التأهب ما أضاع على إسرائيل عنصر المفاجأة.
قد تكون باكستان على دراية بالموقف الإسرائيلي المتقارب مع الهند، لكنّ ما شكل عنصر المفاجأة بالنسبة إلى إسلام اباد، كان ما صدر عن العاصمة الأفغانية كابول التي أعلنت عن حيادها في الصراع القائم بين الهند وباكستان، أو لا مبالاتها لما يحدث في الجارة الصديقة والداعمة للأفغان في العقود الأربعة الماضية.
توقعت إسلام أباد، أن تقف أفغانستان إلى جانبها بحكم أنها جارة ودولة مسلمة وتربطها بباكستان علاقات دينية واجتماعية. هذا وكانت باكستان قد سارعت مؤخرًا إلى تغيير سياساتها مع أفغانستان خاصة في ما يتعلق باللاجئين الأفغان وبملف التجارة والحدود، ولكن على ما يبدو لم يرض هذا كابول.
«حسابات» باكستان، لا تتوافق مع حسابات البيدر الأفغاني، لاسيما وإن العلاقة بين البلدين، تشهد تدهورًا غير مسبوق ينذر بتصعيد قد يهدد استقرار المنطقة. تتأرجح العلاقة بين البلدين على حافة الوقوف في الهاوية، هذا ما يترجم باستمرار إغلاق معبر طورخم الشريان الاقتصادي الرئيس بين البلدين، ما سبب بأزمة إنسانية واقتصادية.
قضايا كثيرة متفاقمة بينهما، ولكنّ الأبرز أن البلدين يسعيان إلى لعب دور صاعد في المنطقة، وسط الانقسام الدولي الحاصل، والذي كرسّه عاموديًا احتفال النصر الروسي على النازيين، الذي كان في العاصمة الروسية موسكو، في 9 أيار من كل عام. إذ أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن «وقوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ يعكس السعي الدائم لكسر الهيمنة الأمريكية على العالم».
وسط هذا الانقسام الحاصل، وفي ظل التوجه الحقيقي نحو آسيا، تجد أفغانستان أن أي حرب سيضعف جارتها الباكستانية، ما سيعطيها أفضلية نحو لعب دور محوري صاعد، فهل من أجرم طرفي الصراع أن هذه الحرب لا معنى لها ولا لون إلا إضعاف حضورهما العالمي؟

كاتب من لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب