مقالات
طرابلس : كيف انتخبت لبلديتها ، المقدمات والنتائج . بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان -

طرابلس : كيف انتخبت لبلديتها ، المقدمات والنتائج .
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
لم يكن يكفي اهالي طرابلس مطالبة المسؤولين بإعادة فرز الأصوات الانتخابية ، بل وصلوا في مطالبتهم إلى اعادة الانتخابات من جديد وإقالة محافظ الشمال لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية كي لا يتحول ما حصل في المدينة إلى وصمة عار وخيبة امل بعهدٍ جديد وحكومة واعدة تعهد كلاهما بمحاربة الفساد وبناء دولة القانون والمؤسسات . كما انه لم يكف حضور وزيري الداخلية والعدل منتصف ليلة الفرز لضبط الفوضى والاحتجاجات وبث ما امكن من الطمأنينة بتصويب ما حصل من خلل ثم تواجُد وزير الداخلية في سراي طرابلس اليوم التالي ، بل المطلوب التحقُّق من كل ما نُشِرَ عن تزوير شاب العملية الانتخابية وان تترك وزارتا العدل والداخلية للطعون بها غداً السير وفق الأصول الديمقراطية والقوانين النافذة دون تدخُّل سياسي من هنا ونائب من هناك ، سيّما وان تقصير الداخلية الفاضح بواجباتها تجاه رؤساء الاقلام دفعت بهؤلاء إلى قبول”الاستضافة وتأمين مئة فرشة ووجبات طعام “عبر احد عرّابي لائحة النواب التوافقية الذي صرّح بذلك دون مواربة( جريدة الجمهورية ١٢/٥/٢٠٢٥) ، كما ان هناك من وجه اتهاماته لبعض القضاة بمحاباة عرّاب آخَر لهذه اللائحة أيضاً ( موقع القرار الإلكتروني ١٢/٥/٢٠٢٥) ، أما ما حصل في منطقة باب التبانة اكبر مناطق طرابلس الشعبية والانتخابية ، فإن هناك من لم يتّعظ من نتائج انتخابات مختارية عام ٢٠١٦ عندما أسفرت العملية عن استبعاد مكوّناً شريكاً في المنطقة بشكل شبه كلّي لتتكرّر عملية الاستبعاد ولكن بشكل عكسي هذه المرّة نتيجة صب الأصوات على مرشحين معينين وشطب آخرين ضمن اللائحة الواحدة كما كان متفقاً عليه فكان ان تأرجحت وتبدّلت النتائج طوال أعمال الفرز ما يعني ان النفوس لم تزل مشحونة بالقلق وتختزن كل ما يدعو إلى التجييش الذاتي وهذا ما يجب ان يدفع عقلاء المنطقة والمدينة إلى معالجة ذلك والتأكيد ان كل خطوة ناقصة من هنا وهناك ستُبقي ذريعة الخوف من الآخَر قائمة ولن يكون الثمن سوى المزيد من التموضع المناطقي والاحتقان المُتبادَل .
وبالعودة إلى اليوم الانتخابي البلدي والاختياري الطويل الذي شهدته الفيحاء ، لا بد من تسجيل ما يلي :
١-ثمة من عزا النسبة المتدنية للناخبين والناخبات التي لم تتجاوز ال٢٤،٧١ بالمئة إلى عوامل عدة وضع غياب المال الانتخابي في مقدمتها وتلك وجهة نظر لا يمكن اعطائها الكثير من الاهمية هذه المرة امام الإحباط الكبير لدى ابناء المدينة الذين لم يتعوّدوا على هذا الكم غير المسبوق من المرشحين وتغليب نرجسية عرّابي اللوائح على امكانية التنازل لمصلحة لائحة واحدة متماسكة مما زاد من حالات القرف وعدم الثقة ، لا سيّما ان اللوائح الست المتنافسة جمعت من التناقضات ما جعل العائلة الواحدة تواجه نفسها في اكثر من لائحة وتوَزَّع الاخ وأخيه وزوجة الاخ على ثلاث لوائح متتالية ناهيك عن مرشحين لا يكفي ما يحملون من شهادات أكاديمية غير مدعومة بحيثية شعبية او انتماء عاطفي واجتماعي للمدينة وغالبية هؤلاء توزعوا على لوائح وكأن الواحد منهم قد اشترى ورقة ” لوتو” وترك للحظ ان يلعب دوره في هذه المعمعة الاقرب منها إلى عملية متكاملة الأركان والبرامج المتنافسة .
٢-وثمة كفاءات واعدة لم تجد نفسها على اية لائحة ، ومنها ذات حيثية وجدت ان من لا حيثية له يسألها عن حيثيتها ، وأخرى مجرَّبة ذات حيثية شعبية واخلاقية آثرت الانسحاب في اللحظة الأخيرة لعدم وجود امكانيات استمرارها بشكل منفرد .
٣-لقد كان هُراءً مكشوفاً ما روّجه البعض عن خوضه المعركة بناءً على رغبة سفيرٍ معيّن ، او ان الرئيس العماد يرتاح لترشيح احدهم ، قبل ان يتراجع عن الترشيح ، بحكم انهما ابناء مؤسسة واحدة ، باستثناء ما وُجَّهت من اتهامات بالتدخل السافر غير المشروع لمحافظ الشمال المحسوب على العهد السابق الذي لم تذكره المدينة بالخير يوماً قبل ان يُقيلَه مجلس الوزراء من منصبه في جلسته المنعقدة بتاريخ ١٤/٥/٢٠٥ على خلفية ما تقدم وحسناً فعل وزير الداخلية بتقديم اقتراح اقالته وقد ترك ذلك صدىً إيجابياً في المدينة يعزز ثقتها بالعهد الجديد وحكومته الاولى على ان لا يكون توقيت الاقالة مرتبُّ لامتصاص نقمة الشارع قبل ساعات من إصدار نتائج الانتخابات .
٤-لم يكن المجتمع المدني فاعلاً ، ولا حتى من أعادوا ترشحهم تحت يافطته بعد تجربة الانتخابات البلدية عام ٢٠١٦ الفاشلة كانوا بمستوى آمال الناس بهم ، مقابل مجموعات استحوذت على مسمّيات الحراك المدني من الداخلية وتوقفت غالبيتها عند إصدار البيانات في المناسبات من على طاولات المقاهي السوبّر دون لحظ اي تواجد لها في المناطق الشعبية او مراجعة اسباب تراجع انتفاضة تشرين ٢٠١٩ يوم استحقت طرابلس لقب ” عروس الثورات” .
٥-وبينما اعلن نائب جديد للمدينة تدشينه لمعركة البلدية بدعمه لمجموعة شبابية في لائحة منسجمة ممن قدّموا انفسهم كمستقلّين وتغييريين ، انبرى اربع زملاء له لتشكيل لائحة منافسة شكلت لهم إحراجاً مع تسمية اكثر من رئيس لها في البداية لتستقر على اربعة وعشرين مرشحاً برئاسة عضو مجلس بلدي لم يكن فاعلاً طوال السنوات التسع الماضية تحت مسمى ” التقاطع” الانتخابي فاوقعت نفسها منذ اللحظات الاولى في فخ التحاصص السياسي وتسعير حالات الاستقطاب التي عجزت عن استيعاب ١٥٠ مرشحاً في لوائح بلغت ستة لينسحب من وجد ان لا مكان له في هذه الساحة ويبقى من خاض المعركة منفرداً ، ولتُسفِر النتائج النهائية التي تأخر إصدارها حتى مساء الاربعاء ١٤/٥ بنتيجة متساوية ، ١٢ للتقاطع و١١+١ التغييرين محمّلةً بالشجب والتهم والشوائب القانونية والعزم على تقديم الطعون بها ، والمؤسف ان المدينة وقعت في المحظور بتفويت الفرصة على نجاح المكوّن المسيحي والعنصر النسائي وتلك شائبة ستُحسَبُ سلباً دون ادنى شك بذلك .
وفي خلاصة القول ،
كم كان سهلاً إصدار النتائج خلال ساعات قليلة دون الفرز اليدوي الذي لم يعد صالحاً العمل به بعد التقدم التكنولوجي الحاصل والفرز الاليكتروني الذي لم يزل مجلس النواب اللبناني يتجاهله حتى اليوم ويرفض اعتماده كوسيلة متقدمة لعمليات الانتخاب والفرز .
ويبقى السؤال : هل انتخبت طرابلس مجلساً بلدياً يشبهها ام هو صورة مصغرة عن تقاطع مصالح السياسيين فيها باعتبار ما جرى يشكل ” البروفا” المطلوبة لتحديد احجام كل طرف ولا بد منها في الاستحقاق النيابي المقبل كما رأى البعض ، وهل يلتزم من ربح المعركة في المجلس البلدي ان يكون خادماً لمدينته وبلديتها وتقديم ما تستحقه من رفع الغبن وغبار اهمال السنين الطوال عنها ، ام انه سيكتفي بالولاء لأولياء نعمته الذين قذفوا به إلى المجلس ليقول على الإنماء السلام بينما المدينة تنتظر لتقرر ما العمل غداً ،
وغداً هو يومُّ آخَر .