تسليم سوري بـ«منطقة إسرائيلية عازلة» جنوباً: الشرع يهرول نحو اتفاقية إذعان

تسليم سوري بـ«منطقة إسرائيلية عازلة» جنوباً: الشرع يهرول نحو اتفاقية إذعان
على مدار الشهرين الماضيين، كثّفت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، نشاطها الدبلوماسي لتوسيع قنوات التواصل مع إسرائيل، وذلك في إطار مساعيها لتحييد نفسها عن الصراعات التي تعيشها المنطقة، وعلى رأسها الصراع مع إسرائيل، مقابل انفتاح يبدو كبيراً من قبل الولايات المتحدة التي قرّر رئيسها رفع العقوبات المفروضة على سوريا؛ والاتحاد الأوروبي الذي يسير على الطريق ذاته.
وجرى التواصل السوري – الإسرائيلي، على مراحل عديدة، بعضها في الإمارات في إطار وساطة تلعبها أبو ظبي التي تربطها علاقات قوية مع تل أبيب، وبعضها الآخر بشكل مباشر في الأراضي المحتلة، عندما زار وفد سوري أمني تل أبيب، نهاية نيسان الماضي، وعقد لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، بشكل سري، من دون أن تتسرب الكثير من المعلومات حول ما دار في هذه الاجتماعات، والتي اعترف الشرع ببعضها.
من جهتها، تدفع الولايات المتحدة، بشكل مباشر، نحو انخراط سوريا في «اتفاقيات أبراهام»، والتي طبّعت من خلالها كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، عام 2020، مع الاحتلال الإسرائيلي، في إطار موجة تطبيع عربية غير مسبوقة. وبموجب هذه الاتفاقية التي رعاها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، أصبحت إسرائيل تمتلك علاقات علنية مع الدول المُشار إليها، بالإضافة إلى مصر والأردن، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى ضم السعودية إلى تلك الاتفاقية.
وأشار ترامب، في سياق انفتاح بلاده على الإدارة الجديدة، بشكل صريح، إلى نية دفع هذه الأخيرة إلى التطبيع مع إسرائيل، في حين ذكر وزير خارجيته، ماركو روبيو، أنه حثّ نظيره السوري، أسعد الشيباني، خلال اللقاء الذي جمعهما أول أمس في أنقرة، على الانخراط في «أبراهام»، مكرّراً القول إن السلطات الانتقالية في دمشق منفتحة على خطوة من هذا النوع.
على أن انفتاح الإدارة الجديدة التي حصلت على شبه اعتراف أميركي بشرعيتها – بعد أن قرّر ترامب رفع العقوبات التي تفرضها بلاده على سوريا، وأجرى لقاءً سريعاً مع الشرع في العاصمة السعودية الرياض، خرج بعده بمديح غير مسبوق للرجل – على التطبيع مع إسرائيل، لم يقتصر على إجراء لقاءات غير مباشرة، أو سرية، بل انتقل إلى مرحلة متقدّمة عبر عقد اجتماعات مباشرة في العاصمة الأذرية باكو، والتي تستضيف محادثات تركية – إسرائيلية، في إطار محاولة التوصل إلى اتفاق على حدود نفوذ كل منهما في سوريا.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، في تقرير، أن رئيس مديرية العمليات في جيش الاحتلال، اللواء عوديد باسيوك، ومسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، شاركوا في اجتماع باكو، مشيرةً إلى أن اللقاء شكّل جزءاً من مشاورات أوسع شارك فيها رئيس المجلس، تساحي هنغبي. وإذ أشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل «تنظر بإيجابية إلى رفع ترامب للعقوبات عن سوريا، وإن كانت تحافظ على مستوى عال من الحذر»، فهي أوضحت، نقلاً عن مصادرها، أن «وجهات نظر إسرائيل الأخيرة بشأن سوريا تتناقض مع موقفها السابق، والذي كان يرفض احتمال التفاعل البنّاء مع الشرع».
وإلى جانب محادثات آذربيجان، علمت «الأخبار» أن لقاءات مباشرة مماثلة انعقدت أخيراً في الأردن، وجرى التباحث خلالها في سلسلة ترتيبات أمنية، ستعني، في حال الاتفاق عليها، تسليم سوريا بأوسع منطقة إسرائيلية عازلة في الجنوب.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي الجديد للأراضي السورية، بشكل أساسي، المرتفعات الحاكمة، وعلى رأسها قمة جبل الشيخ
وفي وقت يتّسق فيه انفتاح الشرع على التطبيع مع توجهات إدارته التي تجهد في تنفيذ الشروط الأميركية، وبشكل خاص تحييد سوريا عن الصراع، وترحيل الفصائل الفلسطينية – أو ما تبقّى منها – والتي تتعرض لعمليات تضييق كبيرة ويتعرض بعض قيادييها للاعتقال، يبدو واضحاً تجاهله لمصير الأراضي السورية المحتلة، سواء الجولان الذي تحتله إسرائيل منذ عام 1967، ووقّع ترامب، عام 2019، على قرار اعترف بموجبه بـ«سيادة» إسرائيل عليه، أو المناطق الجديدة التي احتلتها تل أبيب بعد سقوط نظام بشار الأسد، نهاية العام الماضي، والتي تمتد على مساحة تتجاوز الـ600 كيلومتر مربع، أي ما يقارب الـ1% من الأراضي السورية.
والجدير ذكره، هنا، أن التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، والذي جاء بعد عملية جوية غير مسبوقة، دمّرت خلالها إسرائيل معظم قدرات الجيش السوري الدفاعية، بما فيها من كتائب دفاع جوي ومطارات وطائرات عسكرية وحتى سفن بحرية، وغيرها، شمل بشكل أساسي ثلاث محافظات (القنيطرة، ريف دمشق، درعا)، واستهدف المرتفعات الحاكمة، وعلى رأسها قمة جبل الشيخ التي تطل على سوريا وفلسطين والأردن ولبنان، ومنابع المياه العذبة في الجنوب، في سياق مساعي إسرائيل المستمرة للقبض على تلك المنابع في منطقة تعاني حالة عجز مائي.
وقد سيطر العدو، بالفعل، على كلّ من: سد المنطرة، أحد السدود الصغيرة التي تُستخدم لتجميع مياه الأمطار لريّ الأراضي الزراعية في ريف القنيطرة وتغطي نحو 2% من احتياجات المنطقة؛ عين الزيوان، وهو ينبوع جوفي دائم الجريان يغطي قرابة 1.5% من مياه الجولان الزراعية؛ منابع نهر الرقاد الذي يُعتبر الرافد الرئيسي لنهر اليرموك، وينبع من مرتفعات الجولان ويمر عبر مناطق عازلة، ويغطي نحو 8% من موارد الجنوب المائية؛ ومجرى نهر اليرموك، أطول أنهار حوران، والذي ينبع من ريف درعا الغربي قرب جباتا ويصب في نهر الأردن، وتغطي مياهه نحو 20% من مصادر الجنوب.
كما سيطرت إسرائيل على سد الوحدة، أهم خزان مائي مشترك بين سوريا والأردن، تبلغ سعته 110 ملايين متر مكعّب، وتعتمد عليه محافظات درعا والرمثا وإربد، ويغطي قرابة 10% من احتياجات الجنوب السوري والشمال الأردني، بالإضافة إلى السيطرة النارية على سد الجبيلية في مدينة نوى، وهو سد محلي يستقبل مياه السيول القادمة من مرتفعات نوى، ويغطي نحو 3% من الري المحلي في غرب درعا.
وإلى جانب ذلك، قامت إسرائيل بتقطيع أوصال المنطقة التي تسيطر عليها بشكل مباشر، أو غير مباشر، عن طريق إغلاق عدد كبير من الطرق الرئيسية، وإقامة حواجز أمنية، وتهجير سكان بعض القرى في ريف القنيطرة، ومنع تنقل سكان القرى في ما بينها، بالإضافة إلى محاولة بناء علاقات وطيدة مع القرى ذات الغالبية الدرزية، في محاولة لتمتين نفوذها في سوريا عبر بوابة دعم الدروز.
وتشير تحركات الجيش الإسرائيلي الذي يتمركز بشكل أساسي في مرتفعات جبل الشيخ، وبعض النقاط العسكرية، وتصريحات قادته، بشكل مباشر، إلى نية وجود طويل في هذه المناطق، ما يمكن أن يرسم صورة مستقبلية للأوضاع في الجنوب السوري، في حال تمّ تطبيع العلاقات بين الإدارة الجديدة وتل أبيب. وهي صورة يظهر فيها بوضوح اقتطاع مزيد من الأراضي السورية، وربّما طي صفحة الجولان بعد التنازل كلياً عنه، في صفقة لا يمكن النظر إليها إلا على أنها «اتفاقية إذعان وتنازل» غير مسبوقيْن، تسير إدارة الشرع نحوها بتسارع مطّرد.