مَن يحرم لبنان من ثروته البترولية؟

مَن يحرم لبنان من ثروته البترولية؟
انطلقت فكرة ترسيم الحدود البحرية اللبنانية في عام 2002، يومها قرّرت الحكومة اللبنانية البدء باستكشاف الثروة النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. لكنّ الحكومة اعتمدت على دراسات أجنبية، بحجة أن لبنان ليس فيه خبراء تقنيون أو قانونيون لهم القدرة على التدقيق في تلك الدراسات، وهو ما تسبّب في جعل نتائج الترسيم مجحفة بحقّ لبنان(1).
ما عزّز هذا التقصير الحكومي، أنّ المحادثات الثنائية التي جرت بين لبنان وقبرص في شهر تشرين الأول عام 2006، بشأن تثبيت حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، قد حضرها وفد قبرصي مؤلّف من ثمانية أعضاء في حين أنّ الوفد اللبناني كان مؤلّفاً من عضوين فقط. ثم وقّع الطرفان في 17 كانون الثاني 2007 اتفاقية حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما كما تم الاتفاق عليها في مسوّدة عام 2006(2). مع الإشارة إلى أنّ سبعة من أعضاء الوفد القبرصي هم من ممثلي وزارات وقطاعات قبرصية، جميعهم من الخبراء والقانونيين(3).
ويرى أحد المختصّين أنّ الاتفاقية مع قبرص أُعدّت من دون دراسة كافية وعلى عجل، بدليل أنّه تم الاعتماد في صياغة مسوّدة نصّ هذه الاتفاقية الثنائية، النصوص ذاتها التي اعتمدتها مصر في الاتفاق الثنائي الموقّع بينها وبين قبرص في عام 2003، وبين إسرائيل وقبرص في عام 2010. ويؤكّد المصدر نفسه أنّه إذا كانت مصلحة كلّ من إسرائيل ومصر تقضي باعتماد طريقة الترسيم وفقاً لخطّ الوسط مع جزيرة قبرص لأسباب عدة، فإنّ مصلحة لبنان تقضي غير ذلك. هذا رغم أنّ الاعتراضات على طريقة الترسيم بين قبرص ومصر لا تزال تظهر في الإعلام المصري حتى يومنا هذا، وتعتبر أنّ اتفاقية عام 2003 مجحفة بحقّ مصر ويجب إعادة النظر بها.
ويقول الخبير المختصّ خليل الجميّل إنّ مصلحة لبنان تكمن بتعديل الاتفاقية مع قبرص واستبدال منهجية الترسيم من طريقة خطّ الوسط إلى طريقة معيار التناسب بين طول الاتجاه العام للشاطئ لكلا البلدين، ما يؤدّي إلى زيادة منطقة لبنان الاقتصادية الخالصة بمساحة 2643.85 كلم2، كان قد خسرها من جرّاء منهجية الترسيم المعتمدة في الاتفاقية المذكورة(4).
تعود مناسبة الكلام عن موضوع الاتفاقية الموقّعة مع قبرص بعد المستجدات التي حصلت أخّيراً في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيّما في كلٍّ من لبنان وسوريا، وما كشف عن ضغوط أميركية على لبنان لتثبيت الاتفاقية التي وُقّعت بين لبنان وقبرص عام 2007، وأنّ السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون طالبت الرئيس جوزيف عون، في أول زيارة له بعد تولّيه رئاسة الجمهورية، بإنجاز الترسيم وتثبيت اتفاق عام 2007، إضافة إلى مطالبة قبرص، في كلّ زيارة يقوم بها مسؤولون فيها للبنان، بتثبيت الاتفاق، وذلك بدعم أميركي.
وأنّ الهدف من الإصرار الأميركي على تثبيت الحدود البحرية كاملةً في المنطقة هو «الإمساك بموارد النفط لمزيد من التحكّم بالقرار الأوروبي، خصوصاً بعد إقفال خطّ الغاز الروسي»، وإلى أنّ «الخطوة الميدانية الأولى للاستيلاء على الثروة البحرية هي استقدام شركات أميركية لتولّي التنقيب» بعد إزاحة «توتال» الفرنسية. وأنّ هناك «قراراً أميركياً صريحاً بحرمان لبنان من الثروة النفطية»(5).
وإذا كان ما سبق قد نُسب إلى مصادر مطّلعة، فمن الموثّق أنّه قد سبق للبنان أن أفشل السعي الأميركي إلى تقليص مساحة منطقته الاقتصادية الخالصة مع فلسطين المحتلّة وذلك عبر مقترح موفده فردريك هوف(6) خدمة لمصلحة الكيان الصهيوني.
إنّ الخسائر التي مُني بها لبنان ولا يزال في موضوع الاستفادة من الثروة البترولية، لا تتوقف على مساحات المنطقة الاقتصادية الخالصة التي يُراد أخذها منه فقط، بل إنّ الخسارة الأكبر، حيث أنّ لبنان، الذي كان البلد الأول في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسّط الذي أراد ترسيم حدود منطقته الاقتصادية الخالصة بهدف المباشرة باستثمار الثروة النفطية في مياهه البحرية، إلا أنّه، وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً، وقد أصبحت معظم دول الجوار دولاً منتجة للنفط والغاز، إلا أن لبنان ينتظر وعود الشركات العالمية للبدء بالتنقيب عن تلك الثروة المختزنة في قاع البحر(7).
هذه الثروة التي تقدّر بمليارات الدولارات، هناك من يعمل على سرقتها ليحرم الشعب اللبناني منها بغية إبقائه تابعاً لسياسات تجعل شعوب المنطقة في حال من العوز تمنعهم من بناء دولهم واللحاق بركب التطوّر الذي يريده البعض حكراً على شعوب دون أخرى. فهل من يريد بناء الدولة في لبنان سيرضخ أمام هذه الضغوط، أم أنّه سيجنّد طاقات البلد في سبيل بناء دولة قوية وقادرة، معتمداً على ما تختزنه حدود البلد من ثروات؟
* باحث