محادثات منقوصة في إسطنبول | موسكو – كييف: التسوية لم تنضج بعد

محادثات منقوصة في إسطنبول | موسكو – كييف: التسوية لم تنضج بعد
لندن | استضافت مدينة إسطنبول التركية، أمس، أول جولة مفاوضات مباشرة بين أوكرانيا وروسيا، منذ اندلاع الحرب بينهما قبل ما يزيد على ثلاث سنوات، وسط تقلُّص الآمال في إمكان تحقيق تقدُّم خلالها، بعدما انخفض مستوى تمثيل الوفود الحاضرة فيها.
وبعد حوالى ساعة وأربعين دقيقة على بدئه، اختُتم الاجتماع بين الجانبَين بحديث مسؤول أوكراني، إلى وكالة «فرانس برس»، عن أن «أعضاء الوفد الروسي قدّموا مطالب غير مقبولة تتجاوز ما تمّ البحث فيه قبل الاجتماع»، من ضمنها «انسحاب القوات الأوكرانية من مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها، من أجل التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار». واعتبر المسؤول أن المطالب الآنفة «تهدف إلى حرف المفاوضات عن مسارها».
وعلى الرغم من استجابة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي – بعد ضغط علني من الرئيس الأميركي دونالد ترامب -، لدعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى عقد مفاوضات مباشرة بينهما في إسطنبول، وتوجّهه بالفعل إلى أنقرة، إلا أن الرئيس الروسي لم يحضر، بل أوفد فريقاً بقيادة مساعده في الكرملين، فلاديمير ميدينسكي، المعروف بمواقفه القومية المتشدّدة، فيما مثّل أوكرانيا في المحادثات التي أجريت جولتها الأولى في قصر عثماني قديم، وزير الدفاع رستم أوميروف.
كذلك، وصل وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إلى إسطنبول لمتابعة المحادثات؛ لكن بعد خفض روسيا مستوى تمثيلها، لم يشارك في أيّ دور مباشر، ليمثّل الولايات المتحدة، بدلاً منه، مدير تخطيط السياسات، مايكل أنطون. وقال روبيو إن «التوقعات من جولة المحادثات هذه ليست عالية»، مضيفاً: «قد يكون اجتماع مباشر بين الرئيسَين الأميركي والروسي ضروريّاً في هذه المرحلة لتحقيق اختراق»، لا يبدو وارداً من دون انخراط القادة الأميركيين والروس في «محادثة صريحة ومباشرة للغاية»، وفق الوزير.
وكان ترامب أعرب عن اعتقاده، بعد تأكيد الأنباء عن تشكيل الوفد الروسي، بأن سلاماً لن يتحقَّق في أوكرانيا ما لم «يجتمع هو شخصيّاً إلى بوتين». وقال الرئيس الأميركي، الذي كان على متن طائرة الرئاسة قبل أن يهبط في أبو ظبي قادماً من الدوحة، كجزء من جولة خليجية أخذته إلى السعودية: «أخبروني أن بوتين سيذهب، وزيلينسكي سيذهب.
وقلت لهم، إن لم أذهب أنا، فأنا أضمن أن بوتين لن يذهب». ورداً على سؤال عمّا إذا كان سيلتقي نظيره الروسي في وقت قريب، تابع: «سأذهب بمجرّد أن نتمكّن من ترتيب اللقاء، لأنه يجب أن ننجز تسوية. يُقتل 5000 شاب كل أسبوع في المتوسط، يجب أن ننجز ذلك، لقد حان الوقت»، فيما نُقل عن نائب مساعده في البيت الأبيض، سيباستيان جوركا، تأكيده أن الاجتماع بين الرئيسَين الروسي والأميركي صار «وشيكاً».
وفي وقت مبكر من صباح أمس، تابع مراقبون عن بعد مواكب سيّارة رسمية محاطة بمدرعات وسيارات إسعاف وهي تصل إلى قصر دولما بهجة، المطلّ على مضيق البوسفور في إسطنبول، حيث عُقدت اجتماعات بصيغ متعدّدة، وفق ما أفاد به ناطق باسم الخارجية التركية: بداية بين وفود الولايات المتحدة وأوكرانيا وتركيا، وبعد منتصف النهار بقليل بين وفود روسيا وأوكرانيا وتركيا. أمّا زيلينسكي الذي كان في أنقرة، واجتمع إلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، فقال إنه يمكن من خلال المحادثات الفنية بين المفاوضين الأوكرانيين والروس التوصّل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، معتبراً ذلك خطوة أولى ضرورية نحو خفض التصعيد، وتالياً تحقيق هدف إنهاء الحرب.
لكنّ الرئيس الأوكراني جدّد هجومه على الرئيس الروسي، متّهماً إيّاه بعدم الرغبة في تحقيق السلام، كما وصف رئيس وفد موسكو إلى محادثات إسطنبول، ميدينسكي، بأنه مجرد «زخرف» و«حيلة مسرحية»، مشكّكاً في قدرة وفد من هذا المستوى على اتّخاذ أيّ قرارات. ثمّ ردّ عليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، واصفاً إيّاه بأنه رئيس «مثير للشفقة» لمطالبته بوتين بحضور المحادثات شخصياً، معتبراً أن سلوكه أقرب إلى «مهرّج فاشل».
من جهته، قال ميدينسكي على هامش لقاء جمعه والوفد الروسي إلى وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في قصر دولما بهجة، إن موسكو «مستعدّة لتقديم تنازلات»، وإنها تعتبر المحادثات «استمرارية» لمحادثات السلام التي انهارت بعد فترة وجيزة من بدء الغزو الروسي في عام 2022، مؤكداً حصول فريقه على التفويض اللازم لاتّخاذ القرارات المناسبة. وكان ميدينسكي قاد الوفد الروسي إلى محادثات 2022 التي عُقدت في إسطنبول في حينه، وأحرزت بعض التقدّم قبل أن تنهار، فيما مثّل روسيا في مفاوضات مع الأميركيين في العاصمة السعودية، وزير الخارجية سيرغي لافروف.
وميدينسكي (54 عاماً) وزير ثقافة سابق (2012-2020)، ويرأس الجمعية التاريخية العسكرية الروسية الوطنية، وبنى سمعته المهنية من خلال كتاب مدرسي للتاريخ الروسي يعكس وجهة نظر بوتين التاريخية، قبل أن يلتحق بالكرملين، ويترقّى ليصبح أحد مستشاري الرئيس المقرّبين. ويفخر الكتاب المدرسي الذي وضعه، بإنجازات الاتحاد السوفياتي، ويعبّر عن السخط من الإذلال الذي رافق مرحلة انهياره، ويشيد بـ«ولادة جديدة» لروسيا في عهد بوتين. كذلك، يتضمّن إشارة إلى «استعادة الأراضي الروسية من الدولة القومية المتطرّفة في أوكرانيا»، و«إنقاذ الجيش الروسي للسلام» بضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014.
وبينما استمرّ تعرّض العاصمة الأوكرانية، كييف، لهجمات روسية متلاحقة بطائرات من دون طيّار، تسببت بأضرار واسعة، حثّ حلفاء نظام زيلينسكي، الأوروبيون، على زيادة الضغوط على روسيا، وفرض عقوبات أكثر صرامة عليها إذا استمرّت في التعنّت تجاه قبول وقف غير مشروط لإطلاق النار. وقال وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس: «يبدو أن بوتين، برفضه الحضور إلى إسطنبول، مستمرّ في خداع الرئيس الأميركي»، في حين اعتبرت وزيرة الخارجية الإستونية، مارغوس تساهنا، ذلك «أشبه بصفعة على الوجه».
لكنّ أقوى الانتقادات لروسيا جاء، كالعادة، من لندن، مع اتهام رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بوتين بالمماطلة والوقوف عقبة في طريق التوصّل إلى وقف إطلاق للنار بين روسيا وأوكرانيا. كما نُقل عن وزير دفاعه، جون هيلي، دعوته حلفاء أوكرانيا إلى «التحرّك وممارسة مزيد من الضغوط على بوتين» بسبب حالة عدم اليقين في شأن محادثات السلام في تركيا.
———-
إنسرت:
أعرب ترامب عن اعتقاده بأن سلاماً لن يتحقَّق في أوكرانيا ما لم «يجتمع هو شخصيّاً إلى بوتين»