مكالمة ترامب – بوتين لا تحدث خرقاً: موسكو متمسكة بشروطها

مكالمة ترامب – بوتين لا تحدث خرقاً: موسكو متمسكة بشروطها
لندن | امتنع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن تقديم جدول زمني لمحادثات سلام مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، رغم تأكيد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنّ مثل تلك المحادثات «ستبدأ فوراً». وإذ أعلن بوتين، بعد مكالمة هاتفيّة استمرت لساعتين مع نظيره الأميركي، الإثنين، أنّه اتفق مع الأخير على أنّ روسيا مستعدة للعمل مع الجانب الأوكراني على إطار بشأن تسوية ممكنة، تتضمن المبادئ التي سيقوم عليها أي سلام دائم والتوقيت المحتمل لذلك، بما يمكن أن يشمل وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، «في حال تم التوصل إلى اتفاقات معينة»، فقد أكد، مجدداً، أنّ «الهدف الرئيسي لروسيا من الانخراط في هكذا عمليّة يظل دائماً إزالة الأسباب الجذرية للأزمة الراهنة».
وتحدث الزعيمان عبر خط مشفر، علماً أنّ الرئيس الروسي كان يجري المكالمة من «منتجع سوتشي» على البحر الأسود، وترامب في واشنطن. واتخذت المكالمة طابعاً «ودياً»، ووصفها الرئيس الروسي، خلال حديث مع الصحافيين، بـ«الصريحة جداً، والمفيدة جداً»، فيما قال ترامب إنها سارت «بشكل جيد جداً»، مردفاً: «سألت بوتين: متى سننهي هذا يا فلاديمير؟».
وعقب المكالمة، تحدث الرئيس الأميركي إلى عدد من القادة، بمن فيهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريك ميرتس، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ووضعهم في «الصورة» حول مضمون المكالمة.
وبدا لافتاً إعلان ترامب أنّ الفاتيكان، ممثلاً بالبابا ليو الرابع عشر، أعرب عن اهتمامه الكبير باستضافة المفاوضات الروسية – الأوكرانية المباشرة، معتبراً أن ذلك «سيضيف مزيداً من الهيبة» على العملية، فيما لم تعلق مصادر «الفاتيكان» على تصريحاته حتى اللحظة.
لكن رغم التفاؤل الذي أظهره ترامب حول إمكانية بدء اتصالات مباشرة بين موسكو وكييف، فقد حذّر، في الوقت عينه، من احتمال «إنهاء جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة»، بسبب ما قال إنّه «غرور كبير في التعامل مع المسألة». وأضاف: «من دون حصول تقدم، سأنسحب، فهذه ليست حربي، وأنا أضع في رأسي خطاً أحمر، سأتوقف بعده عن الضغط على الجانبين».
من جهته، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، الثلاثاء، تعليقاً على مكالمة بوتين – ترامب، إنّه «لا توجد مواعيد نهائية، ولا يمكن أن تكون هناك أي مواعيد نهائية. من الواضح أن الجميع يريد القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، لكن، بالطبع، الشيطان يكمن في التفاصيل»، مؤكداً أنه «ستتم صياغة مسودات لمذكرة الإطار بشأن التسوية الممكنة، من قبل كل من الجانبين الروسي والأوكراني»، على أن يتم تبادل تلك المسودات، قبل بدء اتصالات «قد تكون معقدة» للتوصل إلى نص مشترك.
وبحسب مصادر صحافيّة، وتصريحات ليوري أوشاكوف مساعد بوتين للسياسة الخارجية، فإن المكالمة تخللتها أيضاً مناقشة صفقة تجارية محتملة بين الولايات المتحدة وروسيا بمجرد انتهاء الحرب، وتبادلاً جديداً محتملاً للسجناء بين البلدين، قد يشمل تسعة أشخاص. وطبقاً لأوشاكوف، فإنّ الزعيمين الروسي والأميركي يريدان الاجتماع شخصياً، وكلفا فرقهما بالعمل على التحضير لذلك وإن لم يتم التوافق بعد على مكان محدد. ولفت إلى أن ترامب قال لبوتين: «فلاديمير، عزيزي، يمكنك أن تتصل بي في أي وقت، وسأكون سعيداً بالرد، والتحدث إليك».
أقرّ «الاتحاد الأوروبي» أمس الحزمة السابعة عشرة من العقوبات على روسيا
أمّا في كييف، فشدد زيلينسكي على ضرورة استمرار دور ترامب في التوسط لإنهاء الحرب، مشيراً في منشور عبر «أكس» عقب المكالمة، إلى أنّ «هذه لحظة حاسمة، ومن المهم بالنسبة إلينا جميعاً ألا تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن المحادثات والسعي إلى تحقيق السلام، لأن الشخص الوحيد الذي يستفيد من ذلك هو بوتين. وأنا أشكر كل من يدعم هذا النهج». وأضاف: «إذا رفضت روسيا وقف عمليات القتل، ورفضت إطلاق سراح أسرى الحرب والرهائن، وإذا طرح بوتين مطالب غير واقعية، فهذا يعني أن روسيا تواصل إطالة أمد الحرب، وتستحق أن تتصرف أوروبا وأميركا والعالم حينها وفقاً لذلك، بما في ذلك فرض مزيد من العقوبات».
كذلك، رحبت كييف باقتراح ترامب إجراء المفاوضات في الفاتيكان، مشيرةً إلى أنّ كلاً من تركيا أو الفاتيكان أو سويسرا يمكن أن تستضيف الجول الجديدة. كما لفت زيلينسكي إلى أنّ كييف وشركاءها يسعون إلى أن تكون المفاوضات «على صيغة اجتماع رفيع المستوى تحضره، إلى جانب أوكرانيا وروسيا، كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا».
ومن جهتهم، بدا حلفاء كييف الأوروبيون غير راضين على مضمون المكالمة، وسط مخاوف متزايدة في أوساطهم من أن يبرم ترامب، الذي يبدو في عجلة من أمره لإنهاء القتال، اتفاقاً مع بوتين يحصل فيه الأخير على معظم مطالبه على حساب أوكرانيا.
وفي هذا السياق، نقلت «فايننشال تايمز» اللندنية عن رئيس الوزراء السويدي السابق، كارل بيلت، قوله إن المكالمة مع ترامب كانت «بلا شك انتصاراً لبوتين»، وإنّ الزعيم الروسي «غضّ النظر عن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، ما يتيح له، بدلاً من ذلك، مواصلة العمليات العسكرية بالتزامن مع ممارسة الضغط على طاولة المفاوضات».
وفي وقت متأخر من مساء الإثنين، قال المستشار الألماني، فريدريك ميرز، إن القادة الأوروبيين قرروا زيادة الضغط على روسيا عبر العقوبات، بعدما أطلعهم ترامب على مضمون مكالمته. وفي المقابل، يبدو أن الرئيس الأميركي قد أبلغ حلفاءه الأوكرانيين والأوروبيين بأنّ بلاده لا تدعم مبدأ فرض مزيد من العقوبات على روسيا، لأن ذلك «قد يزيد الأمر سوءاً»، بحسب مصادر تحدثت إلى وكالة «رويترز».
وبالفعل، أقرّ «الاتحاد الأوروبي»، أمس، الحزمة السابعة عشرة من العقوبات على روسيا، علماً أنّ القادة الأوروبيين وجهوا، قبل عشرة أيّام، إنذاراً إلى روسيا بضرورة قبول وقف غير مشروط لإطلاق النار أو مواجهة مزيد من العقوبات. على أنّ موسكو تجاهلت ذلك الإنذار، ودعت إلى عقد مفاوضات ثنائيّة مباشرة مع الطرف الأوكراني في إسطنبول الجمعة.
واستهدفت عقوبات «الاتحاد» أسطول روسيا من ناقلات النفط «الخفية»، مهدداً بمزيد من العقوبات على موسكو لعدم موافقتها على هدنة في أوكرانيا. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، عبر منصة «أكس» أمس، إنه «يجري الإعداد لمزيد من العقوبات على روسيا. كلما أطالت روسيا أمد الحرب، ازداد ردّنا صرامة».
وتريد روسيا أن يتضمن أي اتفاق سلام تقييداً لقدرات الجيش الأوكراني وحجمه، ووقف تلقيه إمدادات عسكريّة من الغرب، جنباً إلى جنب إقرار نظام كييف بسلطة موسكو على خمسة أقاليم ضمتها روسيا، بما فيها أربعة يسيطر الجيش الروسي بالفعل على معظمها، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم. وبينما لا يمانع الروس التحاق أوكرانيا بـ«الاتحاد الأوروبيّ»، إلا أنهم يرفضون رفضاً قاطعاً مسألة انضمامها إلى «حلف شمال الأطلسي».
ورغم أنّ الجانب الأميركي يتقبل، على ما يبدو، منح موسكو السيادة على الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الروسيّ بالفعل في أوكرانيا، فإن نظام كييف يرى أن تقديم تنازلات بشأن أراضي الجمهوريّة أمر صعب جداً. كما يتردد زيلينسكي أيضاً في الموافقة على أي شرط قد يقيّد حق نظامه في الدفاع عن نفسه في الحروب المستقبلية، أو يمنعه من بناء علاقات ديبلوماسية واقتصادية وأمنية عميقة مع الغرب، ويطالب، في المقابل، بتمركز قوات أوروبيّة في البلاد، كضمانة أمنية.