تحقيقات وتقارير

لوبية.. حامية حمى الجليل الشرقي إلى التهجير ومحو الآثار

لوبية.. حامية حمى الجليل الشرقي إلى التهجير ومحو الآثار

تسرد المهجرتان صبحية وزهرة عجاينة من قرية لوبية الواقعة على بُعد لا يتجاوز 10 كم غرب مدينة طبرية في الجليل الشرقي، شمالي البلاد، فصول الاقتلاع والتهجير والتشريد، وقصف المنازل المأهولة إبان نكبة فلسطين في العام 1948.

كثيرة هي الحكايات الشعبية عن حجم الألم وحسرة الفقدان، والبكاء على الأطلال، من بيوت العز في لوبية إلى التشرد والتهجير.

وكما وصف الشاعر الشعبي أبو السعود لوبية “وفي لوبية ما بقى شهابي ولا عطوات” في إشارة إلى تهجير هذه العائلات التي عاشت في أيام العز في لوبية وعرفت بكرمها في المنطقة.

كانت لوبية سندا وسدا أمام المستوطنات الحديثة التي أقامتها الحركة الصهيونية في المنطقة بإسناد ودعم من الانتداب البريطاني.

عاشت لوبية وعائلاتها الأصيلة فصول التهجير والتشريد والملاحقة في رحلة امتدت في بعض أهلها إلى لبنان وسورية، معظمهم ذاق مرارة الترحيل ولم يعد بإمكانه العودة، والمحظوظون منهم من تمكن من العودة أو لم يغادر منطقة الجليل.

تذكر عائلة المُهجّرة زهرة عجاينة أن لوبية كانت بلدة كبيرة فيها نحو 1000 بيت يسكنها نحو 4000 آلاف قبل النكبة.

صبحية عجاينة

في حديثها لـ”عرب 48“، تصف الحاجة صبحية عجاينة، وهي من مواليد لوبية، كانت طفلة في السادسة من عمرها إبان نكبة فلسطين في العام 1948، “كان بيتنا في أول حارة العجاينة، بيتنا كبير وأبي كان جمّالا ويملك خمسة جمال ويتاجر بالحبوب مع طبرية والشام، أذكر بيتنا تماما، كان فيه قناطر عالية وباحة كبيرة فيها روزنا يضعوا فيها التبن للحيوانات، وكانت ساحة البيت تأوي الجمال والبقر، ونحن نسكن البيت في الغرف من حوله”.

وأضافت أنه “دارت معركة كبيرة شارك فيها ‘فزعات’ من كل المنطقة انتصر فيها أهل لوبية على العصابات الصهيونية، ومن يومها صارت لوبية هدفا لها والطائرات تضرب ‘قيزان’ قذائف على البيوت حتى رمضان في سنة 1948، وحدث القصف الكبير على البيوت من الطائرات حتى صار الهجيج”.

تابعت عجاينة أنه “انتقلنا إلى مغارة كبيرة في قرية نمرين القريبة، سكنا في مغارة ليلتين، كنا نبكي ونشكو لأمي من الجوع، وفي اليوم الثالث انتقلنا إلى عين عيلبون، هناك صنعت لنا أمي خبزا وتناولنا الطعام بعد ثلاثة أيام من الجوع، وبالقرب من عيلبون بقينا ليلة واحدة وفي الصباح انتقلنا إلى وادي سلامة وهناك سكنا تحت الأشجار لمدة أربعة أشهر، وحين حل الشتاء صار أبي يبحث عن بيت في دير حنا، فاستقبلنا المختار أديب أبو جريس، وسكنا في بيته وأعطونا البيت وسكنوا هم في السدة (مكان مرتفع في البيت معد للتخزين) وبقي هذا الحال لعدة أشهر ثم انتقلنا إلى بيت أبو محمود نمر العلي لمدة أربع سنوات، ثم إلى بيت شاكر الخطيب لمدة عامين ونصف، وجميعهم استقبلونا بدون أن ندفع شيئا، هذا فقط كرم ضيافة من أهلنا في دير حنا”.

وتطرقت إلى حكايات البلد القديمة قائلة إنها “صعبة يا ابني، جدتي أم أمي بقي عندها ثلاثة أطفال من أحفادها، بعد أن تشردت عائلة ابنها، استُشهدت أمام ساحة البيت ودفنت هناك، أما الأطفال فنقلهم سكان البلدة إلى عائلتهم في لبنان”.

زيارة عائلة عجاينة لقريتهم المهجرة لوبية

وأوضحت المُهجّرة من لوبية أن “الناس اعتقدت أنها ستعود إلى لوبية بعد نحو أسبوع، لكنها كانت هجرة بدون عودة. كنا نقصد البلدة في موسم الزيتون فكرومنا لا زالت هناك وزيتونا يتم تأجيره لآخرين، حتى أننا لم نستطع قطف ثمار الزيتون من كرومنا”.

وختمت عجاينة حديثها بالقول إنه “عندما أرى ما يحدث في غزة أحزن كثيرا، لا أستطيع رؤية هذه المشاهد. أتذكر حالنا، ولكن عندما هاجمونا وضربونا بالقيازين (قصف الطائرات) لم يحدث هذا القتل الذي يحدث في غزة، كيف أشاهد هذا القتل؟! أحزن، حتى لو قُتل يهودي فكيف عندما يُقتل أبناء شعبي؟!”.

زهرة عجاينة

أما الحاجة زهرة عجاينة، وهي أيضا من مواليد قرية لوبية المُهجّرة، وتسكن اليوم في دير حنا، تقول في حديثها لـ”عرب 48” إنه “كنت طفلة أبلغ 8 أعوام في العام 1948، كانت معركة شرسة خسر فيها اليهود وبقيت جثثهم عند مكان الهجوم ودمروا سياراتهم، وكان فزيع من كل البلدات، وكانت البلدة مقسمة إلى 5 عائلات كبيرة، العجاينة، والشهايبة، والعطوات، والسملوت، والشماشرة”.

وأضافت أنه “كان توجه لمخاتير قرية طرعان من قبل اليهود يطلبون من أهل لوبية تسليم جثث قتلى اليهود في المعركة، ولكن أهل بلدنا كانوا يعاندون ورفضوا تسليم جثث قتلى اليهود. بعدها قصفت الطائرات منازل أهالي بالقيزان”.

وأوضحت المُهجّرة عجاينة أنه “لو بقيت لوبية لكانت اليوم أكبر مدينة في المنطقة. أذكر أن الثوار من كافة البلدات كانوا يحاربون في لوبية وركّز اليهود هجومهم على لوبية وصارت الطائرات تضرب القيزان على البيوت، حتى صار الرجال يحرسون والنساء غادرت البيوت إلى المُغر (الكهوف) وهكذا بقي الحال حتى صار الهجوم الكبير على عائلة الشهايبة بعد ترك الحراسة في المنطقة”.

واستذكرت بأنها “كانت أيام صيف وحصيدة، عندما خرجنا من لوبية كان البيدر جاهزا للحبوب، وتركنا البيدر على حاله وغادرنا إلى قرية نمرين في ضيافة ابن عمي، وطول الليل كانت الطائرات تقصف لوبية، غادرنا إلى نمرين ثم إلى قرية أم العمد، وقلنا أسبوع ونعود في الهدنة، نمنا ليلة في نمرين، ثم أم العمد، ثم عيلبون، هناك أهل عيلبون استضافوا النساء والصغار بينما الرجال بقوا في العين”.

لم تتوقف هجرة أهالي لوبية داخل حدود الوطن، بل تعدتها إلى لبنان، وعن ذلك قالت المُسنّة عجاينة إنه “واصلنا هجرتنا حتى وصلنا إلى بلدة بنت جبيل، هناك انهار ومرض والدي، واحتاج للعلاج في مستشفى ببيروت، ولكن تمكنا من العودة على الرغم من مرض والدي.. كانت أمي تقول سنعود إلى فلسطين، إن مات سيموت في فلسطين وإن عاش سيعيش في فلسطين، وهكذا عدنا إلى عرابة وبعد احتلال عرابة صاروا يبحثون عن أهل لوبية، فغادرنا إلى المغار، وتكرر الأمر في المغار، فانتقلنا إلى دير حنا، وهناك أيضا بحثوا عن أهل لوبية واعتقلوا والدي ولم تنقذه إلا شهادة مخاتير دير حنا بأنه قدم إلى البلد قبل الحرب بشهرين رافضا الحرب”.

وختمت المُهجّرة عجاينة حديثها بالقول إن “والدي لم يستعد صحته بعد تهجيره من لوبية وفقدان العائلة أملاكها، فقد بقي مريضا لمدة طويلة. لوبية كانت بلد عز وغنى، ولكنها دُمرّت وهُجرّت ولم يبق فيها بيت إلا وهدموه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب