مقالات

روسيا وأوكرانيا …. الخطأ والصواب بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

روسيا وأوكرانيا …. الخطأ والصواب
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
ـــ أوكرانيا كانت طوال تاريخها، جزءا من روسيا … حتى الأوكرانيين كانوا يسمون ” روس كييف كشعبان متآخيان في السراء والضراء. أين الخطأ في هذا … من يحبهم يقول هذا هو الصحيح، ومن يتصيد في الماء العكر يقول لا … يجب أن يتحاربون …!الصداقة والاخوة تورث الرخاء والعداوة تورث الحروب والمنازعات …
ـــ الاتحاد السوفيتي حين تأسس على مبادئ الأممية الاشتراكية 1917، أنشأت روسيا (الدولة الأكبر) في الاتحاد أوكرانيا كدولة مستقل لتكون عضوا في الأمم المتحدة، وتنازلت لها عن مساحات كبيرة في شبه جزيرة القرم ليكون لها إطلالة بحرية، وعن مقاطعات تحتوي على خامات الفحم وهي المقاطعات الثلاث شرقي نهر الدنيبر. تعبيراً عن حالة الصداقة والأخوة الحقيقية، وتشجيعا لها لتكون دول صناعية، ويصبح الكيان واحداً، وقاتلت في الحرب العالمية الثانية وبذلت تضحيات جسيمة، لتجريرها من الفاشية، ولكن إذا لعب بذيله وأراد أن يلعب لحسابه، فلكل أن يأخذ ماله وأغراضه .. أين الخطأ في هذا ….؟
ـــ بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وحتى 2004 كانت هناك حكومة أوكرانية في العاصمة كييف صديقة لموسكو، أين الخطأ في هذا …لا يوجد بالطبع … الصداقة بين الجيران أفضل من العداوة التي تورث مشاكل لا تنتهي..!
ـــ حين أحدث الغرب ما أطلق عليه بالثورة البرتقالية (2013)، لإسقاط الحكومة الصديقة لموسكو، والأتيان بحكومة دمية (كراكوزات) تعمل بتوجيه تام من الغرب، أين الخطأ …؟ موسكو أدركت أن هذه مجرد الخطوة الأولى في المسيرة الصعبة صوب موسكو .. وبهذا الخطأ أدخلت الولايات المتحدة أوكرانيا في نفق سيشتد ظلامه كلما تقدم الوقت.
ـــ ماذا كانت موسكو تريد من كييف …؟
موسكو كانت قد اتفقت مع الولايات المتحدة يوم إنهاء الحرب الباردة، عدم تمدد حلف الأطلسي الناتو شرقا باتجاه روسيا. وتعهد الأمريكان بذلك. أين الخطأ … الخطأ أن الروس اعتمدوا على كلمة الشرف، ولم يطلبوا توثيقاً لهذا التعهد.
ـــ ما حدث هو أن الولايات المتحدة استغلت حالة السلام والأمان، فسعت سعيا حثيثاً للتوسع شرقاً وبلا هوادة خلافا لتعهداتها، فضمت 14 دولة لحلف الناتو منذ عام 1999 وحتى 2020 ، أي خلال 11 عاماً، في حين أن الناتو لم يكن سوى 16 دولة بين أعوام 1948 و1990، أي خلال 42 عاماً …..! وهذه أرقام تكشفت حقيقة النوايا ….! أين الخطأ في هذا …الخطأ هنا واضح أن حلف الناتو ينصب الفخاخ والشراك ضد موسكو ويبدو مستعجلاً … واللعب بالفخاخ لا يسفر على خير إن عاجلاً أو آجلاً ..!
ـــ عندما جاءت الغرب عام 2019 بالكراكوز زيلينسكي رئيساً لأوكرانيا (مواليد 1978)، كانت تريد منه أن يفتح أبواب الفرن على مصراعيه، وأن يلعب اللعبة المميتة. وهي أن يلعب الورقة الأخطر والمتمثلة بطلب انضمام أوكرانيا لحلف الناتو. أين الخطأ في هذا … الخطأ هو أن أوكرانيا سمحت لنفسها أن تكون ممراَ ومقراً لمخطط توسع معاد لروسيا يستحق منها رد فعل يماثله في القوة ويعاكسه في الاتجاه ….!.
ـــ استعادت روسيا عام 1914 ما منحته لأوكرانيا أيام الاتحاد السوفيتي (شبه جزيرة القرم) وأجرت استفتاء بين السكان وغالبيتهم من الروس . أين الخطأ في هذا … لا يوجد خطأ أنا أعطيتك بساتيني لتستثمرها بروح الأخوة، وإذا أردت التعامل بروح الشيطان، فكل يأخذ ما له من حقوق الأخوة التي تنازلت عنها..!.
ـــ بعد حدوث اضطرابات واقتتال داخلي، وقعت أوكرانيا وروسيا ودول أوربية على اتفاق مينسك 2014 / 2015، لوضع ترتيبات احلال السلم في إقليم الدونباس الروسي / الاوكراني، ما لبثت أن تراجعت أوكرانيا عنه بدفع من الولايات المتحدة التي أمرت زيلينسكي: أركب رأسك نحن وراءك. أين الخطأ … الخطأ يكمن في من يصدق الشيطان …!
ـــ الروس شعب شجاع ومحب لأرضه وذكي. لذلك أدركوا بالضبط أن زيلينسكي أقل بكثير من أن يمتلك القدرة على الوقوف بوجه موسكو …. إلا إذا تلقوا دعماً خارجياً ملموساً، وهنا بيت القصيد. فقال له الغرب: ” روج قضية انظمامك للناتو ولا تخش شيئاً ” وحين أبدى قلقه .. قالوا له لا تخف، وأكتفي زيلينسكي بوعد الشرف. أين الخطأ … الخطأ في من صدق وخرج في جو عاصف بلا معطف .
ـــ الروس أدركوا أن والغرب إذا ازدرد لقمة أوكرانيا فستكون موسكو اللقمة القادمة، إذن فليكن الدفاع عن موسكو في كييف. وفق النظرية المعروفة: استقبال الخطر خير من استدباره. أين الخطأ …. لا خطأ هل من الضروري أن تسوقني للمذبح على وقع موسيقاك …؟
ـــ مالعمل …؟
الآن لا عمل … فات الوقت على المبادرات المفيدة … الآن بعد أن خسرتم المعركة، تريدونني أن أتنازل عن مكاسبي .. لماذا …!
لا شك هي محنة، …..؟ بل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فأوكرانيا غارقة، وقد مضى وقت ابتزاز موسكو… فلتستعيد ما أنفقت، وأسلفت، أضعافاً مضاعفة، فالرأسمالي لا يسلف أمواله بالمجان، أما أوكرانيا وشعبها فهذا آخر ما يخطر على بال الإدارات الغربية. أين الخطأ …لا خطأ، بعد المجازر كما في العراق وليبيا وأفغانستان، من يخدع في شرك الأباطيل الأمريكية يستحق المصير حين أعتقدوا أن ألغرب يشتغل كتكية يساعدكمم على أوطانكم بالمجان.. لا تحزنوا عليهم.
ـــ نكتب منذ مدة طويلة: الديمقراطية الغربية خدعة، حقوق الإنسان فنياً أقل بكثير من فلم كارتون توم أند جيري، الغرب الرأسمالي هو من أنتج الاستعمار وعصبة الأمم والفاشية والنازية والإمبريالية والصهيونية والعولمة … والحبل على الجرار ….!
الامريكيون، أدركوا أن أوحال أوكرانيا يمكن أن تغرق امبراطوريات كبيرة، لذلك هم يجاهدون بالخروج منها، بأقل الخسائر، أو ببعض المغانم، وهذا ليس بخطأ ..!
ـــ الخطأ يكمن في الساحة الاوربية التي تجد نفسها في خيارات عديدة، أحلاها مر كالعلقم، وفي الحالتين عليهم أن يدفعوا ثمناً باهضاً أن رغبوا في أوربا موحدة ومكتفية ذاتيا في الدفاع عن الأمن والحفاظ على التفوق سوف يكلف كثيراً.، وأوربا تمور بتيارات فكرية وعقائدية، تتفاوت بين اليسار وأقصى اليمين، ولديهم رأي عام مثقف وذكي يحاسب قياداته بوعي.
مالعمل …..؟
لا شك هي مرحلة تمفصل صعبة، وأن العالم ومسرح العلاقات مقبل على تغيرات شاملة بسبب تغيرات عميقة اقتصادية وعلمية، وديمغرافية، وبروز استقطابات جديدة في العالم، تضيف مزيد من التعقيد في التوازنات العالمية. الغرب فشل فشلاً تاماً في صفحة اوكرانيا، ولكن …
هل انتهت الإمبريالية العالمية …. لا .. لم تنته بعد ..!
هل انتهت دولة الاحتكارات الإمبريالية … لا … لم تنته بعد …!
في الساحة الاوربية التي تجد القوى الرئيسية (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا) نفسها في خيارات عديدة، أحلاها مر كالعلقم، وفي الحالتين عليهم أن يدفعوا ثمناً باهضاً أن رغبوا في أوربا موحدة ومكتفية ذاتيا في الدفاع عن الأمن والحفاظ على التفوق سوف يكلف كثيراً، منها التنازل عن حجم كبير من المستوى الاجتماعي الراقي، وأوربا اليوم تمور بتيارات فكرية وعقائدية، التناقض بينها ليس بحجم بسيط، تتفاوت بين اليسار وأقصى اليمين، ولديهم رأي عام مثقف وذكي يحاسب قياداته بوعي.
ولكن الغرب يتدهور وسائر على طريق النهاية … ستبدأ بمرحلة تشظي المصالح الغربية، والقبول بالتنازل عن التفوق الهيمنة التامة، وتقاسم النفوذ، حين انتهت الحرب العالمية الأولى، تأسس الاتحاد السوفيتي، الغرب تدخل بالقوات المسلحة، ولما فشل، حاصره وقاطعة، ولم يكن للسوفيت أكثر من 8 سفارات عبر العالم. ولكن بنتائج الحرب العالمية الثانية، أقتنع الغرب بتقاسم العالم مع الاتحاد السوفيتي. واليوم سيتنازل الغرب عن مراكز نفوذ جديدة.
وأمام أقطارنا العربية توحيد الرؤى والبرامج والخطط، الفرص تتقلص أمام الكيانات الصغيرة والعمل المشترك مسألة في غاية الأهمية للبقاء في الصفوف الأمامية … كيف … ؟
هذا ما سنوضحه في المعلقات القادمة …!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب