قمّة بغداد في ظل الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن

قمّة بغداد في ظل الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن
بقلم رئيس التحرير
في ظل غياب لافت لمستوى التمثيل العربي للقمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد واللافت غياب القادة الخليجيين عن القمة العربية المجاورة لبغداد ، وفي هذا التوقيت بالذات يثير تساؤلات عدة من قبل المراقبين حول دلالاته السياسية وسياقاته الإقليمية
لم تعلن الدول الخليجية عن أسباب رسمية لغيابها على مستوى القادة، إلا أن مؤشرات عدة تظهر أن العلاقات بين بعض العواصم الخليجية وبغداد تمر بمرحلة من الترقب والتحفظ لا سيما في ضوء تطورات ملف خور عبدالله، الذي أثار خلافاً قانونياً وسياسياً بين العراق والكويت عقب قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء الاتفاقية المنظمة للملاحة في الممر البحري المشترك، مما عدته الكويت تنصلاً من التزامات دولية. وبينما سعت بغداد إلى احتواء الموقف وتأكيد تمسكها بعلاقاتها مع الكويت، لم تثمر المحاولات عن خطوات عملية تعيد بناء الثقة مما انعكس على الحضور الكويتي.
بدأت القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد السبت في ظل غياب لافت لمستوى التمثيل العربي وتم بحث عدد من القضايا الإقليمية وسط تحديات دولية وإقليمية معقدة، أبرزها استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ومحاصرة الشعب الفلسطيني وسياسة التجويع ومنع ادخال المساعدات الإغاثية لغزه ، والأزمات الممتدة في سوريا ولبنان واليمن. بالرغم من حضور العدد المحدود من الزعماء العرب وغياب غالبية القادة العرب عن القمة ، إلا أن القمة أصدرت بيانًا ختاميًا ، تصدرت القضية الفلسطينية محور واهتمام المجتمعين العرب ، حيث دعا البيان الختامي إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، ورفض كافة أشكال التهجير ألقسري للفلسطينيين، مؤكدًا على مركزية القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. كما تم التأكيد على دعم حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ودعم خطة إعادة أعمار غزة التي أقرتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وتصدرت القمة العربية مبادرات عراقية لتعزيز العمل العربي المشترك حيث أعلن العراق عن مبادرات لتعزيز التنسيق العربي، شملت إنشاء مراكز لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ومركز للتنسيق العربي الأمني المشترك، جميعها مقرها بغداد. كما اقترح العراق تشكيل “مجلس وزراء التجارة العرب” لتنسيق السياسات التجارية، ودعا الدول العربية للانضمام إلى مشروع “طريق التنمية” الذي يهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وفيما يخص سوريا ولبنان واليمن ، رحب البيان الختامي برفع العقوبات الأمريكية وتخفيف العقوبات الأوروبية عن سوريا، داعيًا إلى حوار وطني شامل يضم كافة مكونات الشعب السوري. أما بالنسبة للبنان، فقد أعربت القمة عن دعمها للمساعي الأممية والإقليمية الهادفة إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية، مؤكدة على دعم المجلس الرئاسي في اليمن ومساندة جهود الحكومة لتحقيق المصالحة.
واللافت مشاركه دولية بارزة، حيث أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على ضرورة مضاعفة الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على غزة، كاشفًا عن إعداد بلاده مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الشأن. بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف الحرب على غزة، مؤكدًا على أهمية احترام القانون الدولي الإنساني.
ورغم غياب غالبية القادة العرب، إلا أن قمة بغداد عكست إرادة عربية لتعزيز العمل المشترك والتصدي للتحديات الإقليمية، مع تركيز خاص على القضية الفلسطينية. ، فقد حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من خطورة الأوضاع في قطاع غزة، مطالبا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمزيد من الضغط لوقف إطلاق النار في القطاع.
وقال، إن «القمة تنعقد في ظرف تاريخي غير مسبوق، تواجه فيه المنطقة تحديات معقدة»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية تمر بأشد مراحلها خطورة ودقة».
وأضاف أن «الشعب الفلسطيني يتعرض لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية تهدف إلى إنهاء وجوده في قطاع غزة»، مبينًا أن «الآلة العسكرية الإسرائيلية دمرت كل شيء في القطاع، واستهدفت الأطفال والشيوخ، ولم تترك حجراً على حجر».،وفي الشأن العربي، قال السيسي إن «الأمة العربية تواجه تحديات مصيرية»، مشيراً إلى أن «السودان يمر بمنحدر خطير يهدد وحدته، ويجب الحفاظ على وحدة سوريا بعد رفع العقوبات عنها وتفادي عودة الإرهاب».
ودعا أيضاً إلى «انسحاب الاحتلال من الأراضي اللبنانية لضمان الاستقرار، والتوصل إلى حل سياسي شامل في ليبيا يضمن خروج القوات الأجنبية»، مؤكدًا أن «الوقت حان لإعادة الاستقرار والوحدة إلى اليمن». واختتم السيسي كلمته بالتشديد على «رفض أي محاولة لتخريب وحدة الصومال»، مضيفًا: «يجب أن نعمل يدًا بيد لمواجهة التحديات وترسيخ التعاون، ولنجعل من هذه القمة خطوة نحو غد أكثر إشراقاً».
ويستشعر المراقبين والمحللين السياسيين الخطر الذي يتهدد الأمن القومي العربي من استمرار الحرب على غزه وسياسة التوسع الإسرائيلي ومن محاولات خلق هوة بين العديد من الدول العربية بسبب مسارات التطبيع وتحييد سوريا وجعْلها دولة غير مسلحة في مقابل الاعتراف بشرعية قيادتها، إلى جانب العمل على تعزيز الانقسام الفلسطيني، وهي أمور ستضع مصر والأردن في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.