تحقيقات وتقارير

“إسرائيل تفرض الأسرلة في القدس الشرقية دون تقديم حلول فعلية وملموسة”

“إسرائيل تفرض الأسرلة في القدس الشرقية دون تقديم حلول فعلية وملموسة”

ليئات كوزما ولي مردخاي

لفهم تبعات إغلاق المدارس، اخترنا التركيز على حالة مخيم شعفاط، الذي يقع ضمن الحدود البلدية للمدينة، لكنه موجود في الجانب الآخر من جدار الفصل، ما يجعله من أكثر المناطق تأثرًا بهذه الخطوة…

كمترجم للمقال ومن سكان الحي، أرى في ترجمة المقال وإتاحته لسكان الحي ضرورة وأولوية في الوعي نحو توفّر خدمات مدرسية تلبي احتياجات أطفالهم التعليمية بشكل خاص، واحتياجاتهم في شتى البنية التحتية بشكل عام. على المستوى الشخصي، أعادني المقال إلى سنوات الطفولة، كواحد من بين مئات طلاب مدرسة الوكالة. استمتعت بساحات المدرسة المفتوحة، كانت المتنفس الوحيد، ركضتُ فيها حتى هلكت، كان ذلك بعد الجلوس في الصف مع خمسة وأربعين تلميذًا أو أكثر. الخوف هو ما جعلني أُواظب على دروسي. بالنظر إلى تلك السنوات، كان ذلك أشبه بالفردوس، إن كان للفردوس وجود. مقارنةً باليوم، والواقع الذي يزداد مرارة، فقد ضاقت الشوارع والمساحات، وبالكاد أجد مساحة لخطواتي على الشوارع والأزقّة الضيقة.

كأحد سكان الحي، أرى أنّ ثمّة جانبًا هامًّا يتطلّب اهتمامًا أكثر في المقال، وهو دور بلدية المدينة في إنشاء مدارس مخصّصة لسكان الحي والواقعة خارجه. هذه الفئة السكانية تُعتبر عبئًا على المؤسسة الرسمية وإن لم يُصرّح بذلك علنًا، حظيت بمكانة أقل مقارنة بمكانة سكان أحياء القدس الشرقية، ما يزيد الفجوة بين مكانة سكان المخيم وغيرهم. يعزّز هذا مقولة كاتبي المقال حول الفصل بين المخيم الرمادي والأحياء الجميلة بشوارعها الواسعة المحيطة بالمخيم. ذلك المخيم الذي أُنشئ ضمن ترتيبات الحكم الأردني في ستينيات القرن الماضي، استمرّ وتشكّل ضمن إجراءات غاب فيها تدخّل المؤسسة الرسمية وحضرت الأونروا. في العقود الثلاثة الأخيرة ارتفعت الكثافة السكانية، وأصبحت خدمات البنية التحتية شحيحة، تلك التي من الممكن شم تبعاتها في روائح الزبالة والغبار المنتشر بفعل البناء العشوائي، منذ بناء جدار الفصل. المقال يقدّم إضاءة هامّة حول خدمات التعليم في المخيم ورماديّته، لكن من نظرة سكان المخيم، الفجوة بين مخيم شعفاط وباقي أحياء المدينة بارزة من خلال الروائح أيضًا.

في خطوة متسارعة، تسعى البلدية إلى إقصاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من شرق المدينة، من خلال إغلاق مدارسها، وترك عشرات الطلبة دون أطر تعليمية بديلة، في وقت لا تلوح فيه أي حلول بديلة تراعي احتياجات السكان وواقعهم اليومي.

– (المترجم)


إحدى تبعات الحرب هي إقصاء المنظمات الإنسانية الدولية العاملة بين السكان الفلسطينيين، ما أدّى إلى تسريع عمليات بدأت قبل الحرب. تمّت هذه العملية تحت جنح الظلام، من خلال سلسلة من القيود الإدارية التي كتبنا عنها سابقًا.

بشكل علني وصريح، ومنذ بداية الحرب، ازدادت وتيرة الخلاف بين إسرائيل ووكالة الأمم المتحدة “الأونروا”، الذي بلغ ذروته بتشريع الكنيست الإسرائيلي، حيث أقرّ أن الأونروا منظمة خارجة عن القانون. بالنسبة لإسرائيل، تمثّل الأونروا الاعتراف الدولي بحقوق اللاجئين الفلسطينيين: رغم أنّ المساعدة التي تقدّمها للاجئين تقلّصت بشكل كبير على مرّ السنين، وكذلك نفوذها على الأرض، إلا أن المعنى الرمزي جعل من وجودها لا يُطاق.

في هذا السياق، إنّ الدولة والسياسيين الذين يقودونها حاليًا يفضّلون نسيان أنّه، مثل بقية منظمات الإغاثة، وعلى مدى عقود كثيرة، سمح عمل الأونروا للدولة بالتخلّي عن مسؤولياتها تجاه السكان المدنيين في القدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل وتعتبرها جزءًا من الأراضي الواقعة تحت سيادتها، بما في ذلك الالتزام بتوفير التعليم، وفق قانون التعليم الإلزامي. عمليًّا، سمح وجود الأونروا والمنظمات الإغاثية الأخرى لدولة إسرائيل بضمّ الأراضي دون تحمّل المسؤولية عن السكان فيها، وهو وضع خدم مصالح الحكومات الإسرائيلية.

إلى جانب ذلك، في السنوات الأخيرة، كانت مدارس الأونروا في القدس الشرقية هدفًا، لأنّ إسرائيل ترى في وجود الأونروا تحدّيًا لسيادتها على المدينة. بالرغم من أنّ المغزى من سنّ القانون لم يكن واضحًا منذ البداية، بدأت الدولة التحرّك تدريجيًا لطرد الأونروا من الميدان.

لدى الأونروا سبع مؤسسات تعليمية في القدس الشرقية: الأولى في وادي الجوز، الثانية في صور باهر، الثالثة في سلوان، ثلاث في مخيم شعفاط للاجئين (مدرسة ابتدائية، ومدرسة إعدادية للبنين، ومدرسة مشتركة ابتدائية وإعدادية للبنات)، بالإضافة إلى مركز للتعليم المهني في قرية عناتا. في 8 نيسان/ أبريل، دخلت الشرطة إلى المدارس، ووزّعت أوامر بإغلاقها خلال شهر من حينه، ووزّعت منشورات للطلاب تدعوهم للتسجيل في مدرسة أخرى. وهو ما نُفّذ في 8 أيّار/ مايو، حيث أُغلِقت المدارس. تدّعي البلدية أنها مستعدة لاستقبال 800 طالب من هذه المدارس، ولكن وفقًا لبيانات جمعية “عير عميم”، فإنّ هذا التقدير غير دقيق وأقلّ مما هو في الواقع، إذ يبلغ العدد الإجمالي 1100 طفل. بسبب الازدحام في المدارس الحالية والنقص الهائل في الصفوف في القدس الشرقية، ليس واضحًا ما هو الحل المقترح لهؤلاء الأطفال؛ وكذلك مصير مباني المدارس نفسها.

نقطة انطلاقنا مضاعفة. أولًا، كمحاضرين في الجامعة العبرية وموجودين في حوار مستمر مع خرّيجي نظام التعليم في القدس الشرقية وأهالي الأطفال الذين يدرسون فيها، نرى كيف أنّ سياسة التعليم في شرق المدينة مرتبطة بعمق بحياتنا المشتركة في المدينة. ثانيًا، من خلال نقاشاتنا المستمرة مع ممثلي المنظمات الإنسانية الدولية، نتعرّف على الخطوات التي تتّخذها إسرائيل للتضييق عليهم وحتى طردهم. إغلاق مدارس الأونروا في هذا التوقيت ذو أهمية ثانوية، مقارنة بوقف المساعدات لغزّة أو حتى بالمشاكل الجذرية للتعليم في القدس الشرقية. ومع ذلك، يشكّل إغلاق المدارس مثالًا آخر على استخدام الحرب على غزّة كفرصة لتنفيذ خطط تقضي بإحراج الجهات المسؤولة عن تقديم مساعدات للفلسطينيين، مع قلّة البدائل المتاحة، ومن خلال التوهّم بأنّ وقف الحلول سيقضي على المشكلة نفسها.

لفهم تبعات إغلاق المدارس، اخترنا التركيز على حالة مخيم شعفاط، الذي يقع ضمن الحدود البلدية للمدينة، لكنه موجود في الجانب الآخر من جدار الفصل، ما يجعله من أكثر المناطق تأثرًا بهذه الخطوة. ولهذا الغرض، تحدّثنا مع أفيف ترتسكي وغيل يانوفيسكي من جمعية “عير عميم”، ومع دانا قواسمي، طالبة في أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم ومن سكان المخيم، التي خصّصت مشروع تخرّجها حول تاريخ التخطيط المعماري في المخيم، حاضره ومستقبله؛ بالإضافة إلى مقابلات مع سكان آخرين من المخيم.

منهاج التعليم في القدس الشرقية كان ساحة صراع بين الدولة وسكان المدينة منذ احتلالها وضمّها عام 1967. رفض الآباء الفلسطينيون قبول المنهاج الإسرائيلي، ونتيجة لذلك، عملت المدارس في شرق المدينة لعقود بدون تمويل ورقابة إسرائيلية. لكنّ هذا الواقع تغيّر تدريجيًا، بعد انفصال الأردن عن الضفة الغربية (1988) ولاحقًا بعد بناء جدار الفصل وفي بداية سنوات الألفين.

طالبات في مدرسة إناث شعفاط الأساسية (getty)

نتيجة لهذه الإجراءات، قُلّصت ميزانيات المدارس الخاصة بشكل كبير، وأُغلِقت سبل العمل في الضفة الغربية، والفلسطينيون الذين غادروا المدينة فقدوا مكانة الإقامة الخاصة بهم. انخفضت القدرة المالية للمدارس القائمة على استيعاب الطلاب المقدسيين، وازداد عددهم، والمدارس التي افتتحتها البلدية على مرّ السنين بدأت تشكّل حلًا جزئيًا للفجوة بين الطلب والعرض. حصلت المدارس القديمة على مكانة مدرسة معترف بها ولكنّها غير رسمية، وبالتالي الحصول على تمويل جزئي من وزارة التعليم، ومدارس جديدة بهذا الوضع انتشرت، افتُتحت مدارس كثيرة كمؤسسات ربحية ذات التزام جزئي برفاهية الطلاب وظروف عمل المعلّمين. في الوقت نفسه، بدأت إسرائيل بالتدخّل بشكل صارخ في محتوى المناهج من خلال التعديل، أحيانًا دون إعلام، في كتب الدراسة.

في عام 2011، حكمت المحكمة العليا، ردًّا على التماس جمعية حقوق المواطن، بأن على الدولة بناء صفوف لجميع أطفال شرق المدينة، وتمويل رواتب التعليم في المدارس الخاصة لمن لا يجدون حلًّا آخر. في عام 2019، أشار تقرير مراقب الدولة إلى أنّ الدولة لا تفي بواجبها بتقديم التعليم المجاني، ولم تلتزم بتعهّدها للمحكمة العليا بتمويل التعليم في المدارس المعترف بها غير الرسمية، ولم تُخبر الأهالي في هذه المؤسسات بحقّهم في التعليم المجاني.

بالإضافة إلى ذلك، أشار مراقب الدولة إلى أنّ معدّل التسرّب من المدارس في شرق المدينة أعلى من المعدّل العام في البلاد، ومن معدّل التسرّب في المدارس العربية في إسرائيل بشكل عام. حاليًا، هناك نقص يُقدّر بـ 2000 صف في شرق المدينة، وحوالي 30,000 طالب غير مسجّلين في أي من الفئتين المذكورتين. وفقًا لبيانات “عير عميم”، حوالي 10,000 منهم يدرسون في مؤسسات خاصة، حوالي 3,000 طالب تسرّبوا من التعليم، وحوالي 11,000 طفل في أطر غير معروفة للبلدية ولا تتمّ مراقبتهم، وعمليًّا لا يوجد أي رقابة على وجودهم في أي إطار تعليمي. الصفوف في المدارس في شرق المدينة مكتظّة حتى 55 أو 60 طالبًا في الصف، في مبانٍ سكنية غير مخصّصة أصلًا لتكون مدارس.

بالرغم من عددها الصغير مقارنة بنظام التعليم في القدس الشرقية، فإنّ إغلاق مدارس الأونروا له أهمية بسبب سياقاته الأوسع، بما في ذلك الإهمال المستمر في شرق المدينة، ومحاولات بلدية القدس تحمّل المزيد من المسؤولية في شرق المدينة، ومسألة الهوية الفلسطينية وتحديدًا قضية اللاجئين. هناك تناقض جوهري ما بين إهمال مخيم شعفاط من حيث البنية التحتية التي تقدّمها السلطات الإسرائيلية، والاهتمام الكبير من قبل تلك السلطات في السنوات الأخيرة بمحاولات إخراج الأونروا من المدينة.

على سبيل المثال، أعلن نير بركات، خلال تولّيه رئاسة بلدية القدس، عن نيّته إغلاق مدارس الأونروا في المدينة وتقديم الخدمات التي توفّرها الوكالة في مخيم اللاجئين، وذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2018. إلّا أنّ الأمور لم تتجاوز حدود التصريحات، وتمّ تجميد العملية. كذلك، فشلت محاولته عام 2021، كعضو كنيست، لطرد الأونروا من المدينة. غير أنّ الحرب الحالية، إلى جانب الحملة التي شنّتها دولة إسرائيل ضد الأونروا، وفّرت فرصة جديدة للتحرّك في هذا الاتجاه.

على المدى القريب، يعني إغلاق مدارس الأونروا تحميل الطلاب الذين كانوا يدرسون فيها على نظام غير قادر على استيعابهم. بالنظر إلى النقص الهائل في الصفوف في القدس الشرقية، كان جميع من تحدّثنا إليهم متشكّكين في قدرة المدارس الحالية على تلبية احتياجات الطلاب الذين يدرسون في مدارس الأونروا. في الأعمار الصغيرة، الحلول البعيدة عن مكان السكن تعني الحاجة إلى وسيلة مواصلات؛ ولأطفال المخيم، يعني ذلك المرور عبر حاجز الخروج من المخيم، وقضاء ساعات يوميًّا في زحام الطريق إلى الحاجز.

قلق آخر هو أنّ الأطفال الذين يدرسون المنهاج الفلسطيني في مدارس الأونروا سيُطلب منهم الآن الانتقال إلى مدارس البلدية التي تدرّس المنهاج الإسرائيلي. الانتقال بين المناهج قد يكون ممكنًا في الأعمار الصغيرة، ولكن في مرحلة الثانوية يكون صعبًا أو مستحيلًا. بالإضافة إلى ذلك، يدرس في هذه المدارس أطفال أحد والديهم من سكان الضفة الغربية، وليس واضحًا إن كانت البلدية قادرة ومستعدة لاستيعابهم. إغلاق المدرسة يزيد العبء على بنية تحتية مهملة، وسكان يعانون أصلًا من ضعف، دون تقديم حلّ مناسب.

بالنسبة لسكان مخيم شعفاط، فإنّ إغلاق المدارس يستمرّ في عملية طويلة الأمد من تقريبهم إلى القدس وإبعادهم عنها في الوقت نفسه. تحدّث من قابلناهم عن المخيم كحديقة خلفية للقدس. بعد الانتفاضة الثانية وبناء جدار الفصل، ابتعد المخيم تدريجيًا عن ارتباطه العضوي بالضفة الغربية، وانتقل مركز العمل والتعليم أكثر فأكثر إلى القدس الغربية. في الوقت نفسه، أصبح الحاجز عند مدخل المخيم دائمًا، بعدما كان مؤقتًا في السابق، وجعل الخروج من المخيم مرهقًا، مزدحمًا، وفي أوقات التوتر، مع إغلاق تام للحاجز، مستحيلًا.

هذا الواقع حوّل المخيم إلى منطقة حدودية، لا يزال العمّال والبضائع من الضفة يصلون إليه، ولكن مركز العمل لسكان المخيم أصبح غربًا منه. علاوة على ذلك، عندما تريد، تتعامل إسرائيل مع المخيم كجزء من الضفة، فيما يتعلّق بالإغلاقات وتنفيذ عمليات حرس الحدود؛ وعندما تريد، المخيم جزء من القدس: إخضاع مدارس المخيم للبلدية جزء من هذه العملية، حيث كانت الأونروا عثرة في الحلق.

عندما يفكّرون في مستقبلهم، ينظر سكان مخيم شعفاط، بين أمور أخرى، إلى الأحياء المجاورة للمخيم. أحياء رأس خميس، رأس شحادة، وضاحية السلام، نمت حول شعفاط كردّ على جدار الفصل. هذه أحياء تقع ضمن النطاق البلدي للقدس وتسمح لسكانها بالحفاظ على إقامة مقدسية. عمليًّا، تُشكّل مناطق منزوعة السلطة، حيث الخدمات البلدية فيها ضئيلة.

في الماضي، عندما كانت الأونروا أقوى، حصل مخيم شعفاط على قدر من الإدارة لم تحصل عليه الأحياء المجاورة. في السنوات الأخيرة، وخلال فترة رئاسة موشيه ليون لبلدية القدس، تقلّصت هذه الفجوات قليلًا، مع دخول مقاولي البلدية إلى الأحياء المحيطة وتقديم بعض الخدمات البلدية. في الوقت نفسه، وخاصةً منذ تخفيض ميزانية الأونروا خلال الفترة الأولى لترامب، ضعف وضع الأونروا غير الرسمي في الحي.

كما قلّصت الأونروا عملها في المخيم، مثلًا، في عيادة الأونروا، قلّصت كمية الأدوية، ومعظم سكان المخيم يتوجّهون إلى مكاتب صناديق المرضى في شرق المدينة، وأصبحوا أقلّ اعتمادًا على الأونروا. لذلك، إذا كانت مغادرة الأونروا قبل بضع سنوات تعني تدهورًا حادًّا في ظروف المعيشة، فإنّ استعداد البلدية لتقديم خدمات بلدية في الأحياء المجاورة، إلى جانب ضعف الأونروا في الحي نفسه، يشير إلى أن خروج الأونروا في مجال الخدمات البلدية قد يكون أقلّ دراماتيكية ممّا يبدو. أكثر من السابق، يبدو أن هناك استعدادًا، وحتى قدرة، للبلدية على توسيع خدماتها، على الأقل بمستوى أدنى، إلى مخيم شعفاط، ولكن السكان ما زالوا متشكّكين حول إمكانية هذه الخطوة وحول جودة الخدمات التي ستُقدّم لهم.

لمغادرة الأونروا أيضًا معنى رمزي في جانبين: هجوم على الهوية الفلسطينية، التي في قلبها اللجوء والأمل بالعودة؛ وكذلك الخوف من أن طرد الأونروا من القدس هو خطوة أولى نحو طردها من مخيمات اللاجئين في الضفة دون أي حلّ بديل. بالنسبة لمن تحدّثنا إليهم، فإنّ طرد الأونروا من المخيم جزء من عملية أوسع للقضاء بالقوة على مشكلة اللاجئين، حيث الدمار الواسع في مخيّمَي طولكرم وجنين جزء منها.

رجل وامرأة من القدس يقرآن قرار إغلاق المدرسة (getty)

أشارت دانا قواسمي: “إذا أخذت البلدية المدرسة، فهي تأخذ قلب المخيم”. الأونروا بالنسبة لها “تمثّلنا وتمثّل ألمنا”. أوضح ساكن آخر أن “الأمم المتحدة ليست فقط الخدمات التي تقدّمها، بل الهويّة والحفاظ على هويّتك كلاجئ: أخذوا منك بيتًا، أخذوا منك دكّانًا، طردوك من قريتك – هذا هو الهدف للأونروا”. رغم أن من الناحية الفنية إغلاق الأونروا لن يُغيّر وضع سكان المخيم كلاجئين، أكّد المتحدّثان أن الهجوم على الأونروا يجعل معناها الرمزي أكثر جوهرية.

إغلاق مدارس الأونروا يحرِم أيضًا أطفال المخيم من آخر المساحات المفتوحة المتبقية فيه. في أحاديث مع سكان المخيم ونشطاء اجتماعيين مشاركين فيه، تظهر صورة يغلب عليها اللون الرمادي – الخرسانة. قال لنا أحد من تحدّثنا إليهم، مسؤول في جمعية تسعى أيضًا للعمل في المخيم: “ذهبتُ هناك فقط برغبة في تنظيم فعاليات، كما نفعل في أماكن كثيرة، وقمنا بجولة ميدانية. أخذني ك. بالسيارة، كان ذلك قبل بضع سنوات، كان محزنًا جدًّا رؤية الوضع هناك من الإهمال، من الرمادي، لذلك بحثنا فقط عن قطعة عشب لتنظيم فعالية للأهالي، ولا يوجد، كأنه لا يوجد… رؤية كتلة الخرسانة، الرمادي، شيء محبط جدًا، يؤثّر على الناس بقوة”.

تؤكّد دانا قواسمي أن الطريقة التي تمّ بها هذا الإجراء تسلب السكان السيطرة على مصيرهم. كطالبة هندسة معمارية، شرحت لنا أنه إذا كان لا بدّ من إخراج الأونروا من المخيم، فإنّ القرار بما يجب فعله بمبانيها، المساحة المفتوحة الوحيدة المتبقية في المخيم، يجب أن يكون قرار سكان المخيم. في مشروع تخرّجها في بتسلئيل، ترسم كيفية تحوّل مخيم شعفاط من مخيم من بضع مئات من “بيوت الأونروا” القياسية المكوّنة من غرفتين، حيث أُسكن اللاجئون عند إنشاء المخيم عام 1965، إلى حيّ مكتظّ ومتعدد الطوابق. قرار إغلاق المدارس بدلًا من تحويل نظامها الإداري، والاستمرار في استخدامها كمدارس، يشكّل قرارًا غريبًا: مدارس الأونروا في المخيم هي الوحيدة التي بُنيت خصيصًا كمدارس. مدارس أخرى في المخيم والأحياء المجاورة تعمل في مساكن تمّ تحويلها لهذا الغرض.

بُنيت المدرسة من قبل الأونروا، وتمّ توسيعها قبل حوالي عقد، صمّمتها المعمارية الإيطالية من أصل فلسطيني ساندي هلال. أجرت هلال مقابلات مع طالبات المدرسة أثناء تصميم المبنى، الذي صمّمته كسلسلة من الغرف ذات الشكل الثماني، كخلية نحل، تحاكي حياة القرية، وتترك أيضًا مساحة بين المباني. في المساحة المكتظّة للمخيم، حيث كلّ متر مغطّى بالخرسانة، وغياب الحدائق العامة وأماكن اللعب للأطفال، صمّمت مساحات خضراء وحديقة بين الصفوف. هذا المبنى الفريد، تريد البلدية إخلاءه. هناك من يعتقد أنه مع إخراج الأونروا من المدرسة يجب إنشاء مدرسة بلدية فيها، ولكن حتى الآن، لا توجد خطط معروفة بهذا الشأن.

ختامًا، إن إغلاق المدارس جزء من عمليات أوسع وأعمق: إخضاع التعليم في القدس الشرقية لأجندة سياسية، أسرلة التعليم، وتقليص التعليم الفلسطيني في شرق المدينة، ودفع المنظمات الدولية خارج إسرائيل. بينما يعاني التعليم في شرق المدينة، بما في ذلك مدارس الأونروا، من مشاكل جذرية عميقة، يركّز تدخّل الدولة على الإغلاق والعقاب، بينما يتقدّم إيجاد البدائل ببطء. الطريقة التي تُتخذ بها القرارات، أكثر من مضمونها، تثير قلقًا عميقًا حول مستقبل الطلاب ومستقبل مخيم اللاجئين. الشعور هو أنّه بينما تسارع البلدية لدفع الأونروا خارج شرق المدينة، فإنّ الحلول البديلة التي تأخذ بعين الاعتبار اعتبارات السكان وواقع حياتهم، غير مرئية في الأفق. علاوة على ذلك، فإنّ الهجوم على الأونروا يعزّز فقط مكانتها الرمزية في القدس الشرقية، وارتباطها بهويّة اللاجئين في شرق المدينة.

نُشر النص الأصلي للمقال باللغة العبرية في موقع “سيحا مكوميت”.

– ليئات كوزما، بروفيسورة في قسم دراسات الإسلام والشرق الأوسط، وتشغل الكرسي الأكاديمي لتاريخ الطب على اسم هاري فريدنفَلد في الجامعة العبرية.
– لي مردخاي، محاضر كبير في قسم التاريخ في الجامعة العبرية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب