علية الخالدي وعوض عوض: فلسطين «ما بتموت»

علية الخالدي وعوض عوض: فلسطين «ما بتموت»
على ضوء التحوّلات الكبرى التي تشهدها فلسطين واستمرار الإبادة في غزة، تقدّم مسرحية «البطل ما بموت» (إخراج علية الخالدي ـــ كتابة وتمثيل عوض عوض) على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت (اليوم وغداً).
تعرض هذه المونودراما معاناة أربعة أجيال فلسطينية عاشت اللجوء القسري والتهجير، لتستكشف تجربة الشتات المستمرّ. عبر الحكايات الخاصة والحميمية، تنبض المسرحية بالواقع الفلسطيني المشتبك بالذاكرة الجماعية، مقدمةً رؤيةً عميقة للمعاناة المستمرة عبر الأجيال.
تفكيك النضال عبر الزمن
تستعرض «البطل ما بموت» المعاناة الفلسطينية عبر الزمن: من الماضي المأساوي، إلى الحاضر المأزوم الذي يواجه تحديات الاحتلال، وصولاً إلى مستقبل النضال المتجدد. في هذه المراحل التاريخية، تتشابك تجارب الأجيال الفلسطينية، لتطرح تساؤلات عن أساليب النضال واستمراريته.
في هذه المونودراما، يتنقل عوض عوض بين خمس شخصيات رئيسية، يجسدها جميعاً ليحاكي أبعاد الفقد والتهجير؛ من الجد والحفيد، إلى الأب والصديق والجدة، وغيرهم. في نهاية العرض، يكتمل حضور هذه الشخصيات أمام المتفرج، لتُختتم القصص التي جُمعت من مقابلات مع أفراد عايشوا النكبة.
الحكاية المركزية في المسرحية هي قصة منصور منصور، الذي تهجّر من فلسطين وهو في الرابعة من عمره. الشخصية ليست فرداً واحداً، بل مزيج من تجارب متعددة لأشخاص عاشوا المعاناة نفسها. بذلك، تصبح الحكاية الخاصة جزءاً من الذاكرة الجمعية.
يقول عوض عوض: «المسرحية تحمل معاني النضال بشكل أساسي. الإنسان الفلسطيني لديه قناعة بحتمية العودة إلى أرضه، ولذلك هو دائم السعي إلى إيجاد طرق للاستمرار، ويحوّل المستحيل إلى واقع معاش. من أدوات بسيطة يصنع مناطيد تغيّر شكل العالم وتستقطب أنظاره. جيل وراء آخر، يعيش اللجوء والتهجير، لكنه يجد أدواته التي يناضل فيها».
سينوغرافيا الشتات والتنقل
تنعكس هذه المفاهيم على الخشبة بشكل واضح. الخيار السينوغرافي، بحسب عوض عوض، «تكون من قساطر بلاستيكية، مستوحاة مما نراه في مخيمات اللجوء الفلسطينية. تتراكم القساطر فوق بعضها، لتصبح شبيهة بالقذائف والصواريخ، أو تتحول إلى نوافذ، أو أبواب، أو جذور شجرة في الأرض». السينوغرافيا مستوحاة ممّا نراه في التقسيم العمراني للمخيمات.
وفي هذا السياق، يقول عوض إنّ السينوغرافيا، مرنة، وغير متكلفة، خصوصاً أنّ المسرحية ستجوب عدداً من البلدان لتنقل معاناة الشعب الفلسطيني.
القضية الإنسانية لجمهور متعدد
العرض الأول لمسرحية «البطل ما بموت» كان في فنزويلا، في وقت كانت تعيش فيه الجالية الفلسطينية أحد أخطر المشاريع التي تهدد وجود أبناء فلسطين في الداخل والشتات.
إضافة إلى ذلك، وجد العرض صدى قوياً لدى الجمهور الفنزويلي، الذي يرتبط بالقضية الفلسطينية ارتباطاً وثيقاً، إذ تفاعل مع العرض بحساسية ودقة، ما يعكس فهماً عميقاً للمعاناة المشتركة، وللتحديات التي تواجهها الشعوب في مواجهة البطش الغربي والإسرائيلي. هذه التفاعلات تبرز المسرحية كأداة حية لنقل القضايا الإنسانية والسياسية بعيداً من حدود المكان.
يتطلع عوض عوض وعلية الخالدي إلى ملاقاة الجمهور في بيروت، الذي يعيش هو الآخر في قلب الصراع. توضح الخالدي: «المسرحية تستهدف جميع الجماهير، من الكبار الذين سيعايشون التاريخ أمام أعينهم، إلى الشباب فوق سن الـ15 الذين سيتمكنون من التواصل مع الرسالة التي تحملها».
الأهم من ذلك أنّ المسرحية لا تقتصر على جذب الجمهور النخبوي، بل تهدف إلى ملامسة مشاعر الجميع، فالفرجة، كما تقول الخالدي قضية إنسانية تمسّ كل الناس، ولا تطلب مشاهدتها أي مؤهلات.
على صعيد موازٍ، تذهب المسرحية إلى تفكيك مفهوم البطل التقليدي، إذ لا يُحصر البطل في إنسان واحد، بل قد يكون فلسطين نفسها، ليس في بُعدها الجغرافي فقط، بل كفكرة تستقطب وجدان الشعوب، وتدفعها إلى العيش من أجلها والموت دفاعاً عنها.
بهذا المعنى، تصبح فلسطين أكثر من مجرد مكان، إنها رمز حيّ للنضال المستمر ضد التشتيت والظلم.
في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه فلسطين، حيث تواجه محاولات تدمير الهوية، يصبح هذا العرض أكثر من مجرد عمل فني. إنه دعوة وحافز للنضال الذي لا يزال حياً. المسرحية تتجاوز الخشبة لتكون أداة من أدوات مواجهة البطش السياسي الإسرائيلي والغربي، مؤكدة على أنّ القضية الفلسطينية تظل في صدارة أولويات الشعوب التي تؤمن بالحرية والعدالة.