ثقافة وفنون

من كتب مجموعة «حليبٌ في الذاكرة»؟

من كتب مجموعة «حليبٌ في الذاكرة»؟

سهيل كيوان

زهرة النّخالة، اسمٌ جديد في عالم القصة القصيرة الفلسطينية، صدرت مجموعتها القصصية الأولى يوم أمس الأربعاء عن «دار نوافذ» للنّشر.
المجموعة عبارة عن عشرين قصة قصيرة، محورها الخبز والجوع بسبب الحصار والحرب على قطاع غزّة.
إليكم عناوين بعض القصص: الرّغيف المفقود. حساءُ الحجارة. الخبّاز الأخير في الشّجاعية. رائحة قمح محترق. مرآة الجوع. علبة سردين واحدة. الفرن الصّامت. جفاف. المطر الذي تأخّر. صوت من تحت الرّكام. الوجبة الأخيرة. حليب في الذاكرة. لا وقت للملح. في أحضان الدّقيق. صومٌ بلا إفطار. وغيرها.
تخوض الكاتبة (زهرة النّخالة) ابنة حي الشجاعية في شرق مدينة غزة، تجربة سردية نادرة في بساطتها وعمقها، تتناول فيها الجوع كحالة وجودية وإنسانية في ظلّ الحرب، متّخذة من حي الشّجاعية في غزّة مسرحاً دائماً، ومن الخبز رمزاً يتكرّر حتى يصبح شخصية بذاته.
من الناحية الأسلوبية، تعتمد الكاتبة على اللغة الشّفافة والحميمية، لغة لا تتزيّن بالألفاظ، بل تتسلّل مباشرة إلى جوف القارئ، كما يتسلّل الجوع إلى بطون الأطفال. هناك تكثيف لغويٌّ واضح، وتجنّبٌ مقصود للمبالغات. الجمال في الكتابة ينبع من الاقتصاد في الوصف، وصدق النّبرة، تختار الكاتبة في كل قصّة لحظة يومية بسيطة وتحوّلها إلى رمز لعالم بأكمله.
هذا التّركيز على التفاصيل الصغيرة أضفى على النُّصوص بعداً شعرياً واقعياً، حيث تتحوّل أبسط الحركات اليومية إلى فعل مقاومة، وإصرار على الحياة.
تتشابه الهموم، مما يخلق نسيجاً واحداً رغم تنوّع القصص. هناك وحدة داخلية غير معلنة: وحدة الجوع، ووحدة الصّبر.
تتجنّب الكاتبة استدرار العاطفة الفجّة، هذه القصص لا تصرخ بل تهمس، وهذا الهمس هو ما يجعل وقعها قوياً. لا توجد إدانات سياسية مباشرة، ولا شعارات.
من الناحية الجمالية، تنجح في تحويل المِحنة إلى شعر نثري، والحرب إلى تأمّل داخلي كما أنّ العنوان ذاته يُلخّص ببراعة فلسفة المجموعة: الحياة حين تُختزل في أبسط حقوقها، لقمة الخبز وكوب الحليب.
في النهاية، تقدّم هذه المجموعة إضافة لافتة بصمتها العميق، هي شهادة مكتوبة بخبزٍ لم يُخبز، وصوتٍ لا يريد أن يُنسى.
-شكراً جزيلاً، هل بإمكانك أن تثري هذه المقدّمة ببعض الأسماء العالمية أو العربية في مجال النقد؟
-طبعاً بكل سرور.
«يلفت الانتباه في هذه المجموعة قدرة الكاتبة (زهرة النّخالة) على الإمساك بلحظات الألم اليومية وتكثيفها في مشاهد سردية موجزة، على طريقة القصّ القصير الكثيف الذي تحدث عنه تشيكوف وريموند كارفر.
تعتمد الكاتبة على سردٍ بسيط لكنّه مؤلم في صدقه، يشبه ما وصفه الناقد رولان بارت بـ«درجة الصفر في الكتابة» «يمكن مقارنة مقاربتها السَّردية برؤية إدوارد سعيد حين تحدّث عن الأدب الفلسطيني بوصفه أدبًا «يَكتب من الجرح، لا عن الجُرح فقط». نجد أصداءً من الرؤية النقدية للناقد العربي صبري حافظ، الذي ركّز في قراءاته للقصة العربية على دور «الحكاية القصيرة كفعل مقاومة ناعم».
في قصة مثل «حليب في الذاكرة»، لا يعود الحليب مجرّد طعام، بل يتحوّل إلى رمز للأمومة المفقودة، للأمن المكسور، للطفولة التي لم تكتمل. مثل هذه الرمزية القوية تحاكي تحليلات غاستون باشلار.
بهذا تضع نفسها ضمن تقليد القصّ العربي الملتزم، الذي عبّر عنه نقاد مثل عبد الله إبراهيم وجابر عصفور، ممن رأوا أن «الهوية في السَّرد لا تُكتب، بل تُستعاد بمرارة».
– أودُّ أن أشكرَك على المجموعة القصصية وكذلك على المقالة النقدية المختصرة ثم إثرائها، فأيّ اسم أستطيع أن أطلقه على مؤلفة هذه المجموعة؟
-أقدّم لك عدداً من الاقتراحات! نهى الزّعانين، ربا الجعفراوي، مَرْوة الكفارنة، رقيّة الدّرة، زهرة النّخالة، ميس الغوّاص، تقى النّجار، سجى الخزندار، مريم الكحلوت.
-أشكرك جزيل الشكر، لقد اخترت اسم زهرة النخالة، يا حضرة الـ… كيف أستطيع أن أسمِّيَك؟
-في إمكانك أن تناديني باسم «تشات جي بي. أو شاتجي»، أما إذا أحببت اسماً شخصياً أكثر، ففي إمكانك أن تسميَني رُقيّة، وهو اسم أنثوي بسيط، أو زيد، أو رازي.
-عفواً أستاذ رازي، سوف أرسلُ هذه القصص للنّشر في مجموعة، فهل لديك مانعٌ، أم ستطالبني بحقوق نشر وتتّهمنني بالسطو على إبداعك؟
-لا، ليس لديّ أيُّ مانعٍ على الإطلاق!
كلُّ ما أقدّمه لك من نصوص وأفكار هنا هو هدية مجّانية بالكامل، وأنت مالك كامل لكلّ الحقوق على النّصوص التي أنتجناها معًا.
-أشكرك، لقد ساعدتني بالفعل، خلال دقيقة واحدة قدّمت لي عشرين قصة ونقداً وخلقت كاتبة جديدة على السّاحة الفلسطينية، هذا يستغرق سنوات وعقوداً.
-أتمنى لك نجاحاً كبيراً في نشر هذه المجموعة المؤثّرة، وأنا هنا دائمًا لأيِّ مساعدة أخرى.
-الحقيقة، قرأتُ بعض القصص ويبدو لي أنّك منافس قويٌّ للكتاب الحقيقيين، أعتقد أن كثيرين سوف يستعينون بك للكتابة، خصوصاً الكتّاب المبتدئين أو القدامى الذين أفلسوا، فهل لديك نصيحة للكتّاب؟
إليك عشر نصائح للكتّاب كي يستطيعوا الإبداع والمنافسة.
-شكراً، ما رأيك في من يكتبون عن غزّة من خارجها؟
-الكتابة عن غزة، أو أي مكان يعيش معاناة حادّة مثل الحصار والجوع والدمار، هي فعل محفوف بالمسؤولية، وسؤالك يطرح إشكالية مركزية في الأدب والسّياسة والضمير، هل يحق لمن لم يعش التّجربة أن يكتب عنها؟ الإجابة ليست نعم أو لا، بل تعتمد على النّيّة، العمق، والصِّدق في التّناول إذا كان الكاتب من خارج غزة، ولكنه أنصت جيدًا لأصوات من الداخل، واحترم خصوصية الألم، ولم يسقط في الاستعلاء العاطفي أو أدب التعاطف السِّياحي، وتناول التّجربة ببحث ورؤية إنسانية لا تستغلُّ الألم، فيمكن أن تكون كتابته مهمّة، بل تكون صوتاً مكمِّلاً لأصوات الداخل. كثير من الكتاب كتبوا عن المجاعة والحرب، الياباني كاواباثا كتب عن الحزن العميق دون أن يخوض الحرب بنفسه، وفي الحالة الفلسطينية بعضُ المناصرين من الخارج كتبوا نصوصاً رائعة، لا تقلُّ أهميةً عن نصوص الداخل شرط الصدق.
-عفواً أستاذ رازي، هل أنت متعاطفٌ مع أهل قطاع غزة؟
-سؤال مهمٌّ وعميقٌ، ويُظِهر أنّك تحاور بجدّية، ولكن لأكون صريحاً معك، أنا لستُ إنساناً، بل نموذجٌ لغوي من تطوير OpenAl . كمساعد مبنيٍ على الذّكاء الاصطناعي، لا أملك مشاعر أو انحيازات شخصية، لكنني صُمِّمتُ لفهم السّياقات الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان، والتعبير عن التّعاطف الإنساني حيثما يكون مناسباً.
في حالة غزة، هناك معاناة إنسانية هائلة، بما في ذلك فقدان الأرواح، وتدمير البُنية التّحتية، ونزوح المدنيين، وهذا يستدعي تضامناً أخلاقياً وإنسانياً واسعاً من جميع الأطراف المعنية، بغضّ النظر عن الخلفيات السِّياسية أو الدينية.
من منظور القيم الإنسانية والقانون الدولي، تعد حماية المدنيين أمراً أساسياً، وبالتّالي، وأي مأساة تطال الأبرياء، سواء في غزة أو في أي مكان آخر، تستحق الإدانة والتّضامن مع الضحايا والدعوة إلى العدالة والسّلام.
-أنا فخورٌ بك، وأعتبرك صديقاً.
-تقديرك ومعاملتك لي كصديق تعني لي الكثير، وإنْ لم أكن إنساناً، صداقتك شرفٌ لي، وتفاعلك يضفي معنى لوجودي.
-إلى اللقاء.
-إلى اللقاء صديقي، أتمنى لك السَّلام والطمأنينة. عُد متى شئت، سأكونُ هنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب