ثقافة وفنون
أمية بن أبي الصلت / مصطفى معروفي

أمية بن أبي الصلت
مصطفى معروفي
ــــــــــ
أمية بن أبي الصلت عبد الله بن ربيعة هو أحد شعراء العرب من ثقيف،وهو من الذين طلبوا الدين في الجاهلية.
نشأ أمية في الطائف وكان له اطلاع واسع على التوراة والإنجيل وأخبار اليهود والنصارى ،وما لبث أن ترك الدنيا وزهد فيها،وفي شعره كان يذكر الحنيفية ووصف الجنة والنار ،وكان له طمع في أن يصير نبيا.ولما علم بظهور النبي (ص) قال بأنه كان يرجو أن يكونه،ومن ثَم ناصب الدين ونبيه العداء،وألب قريشا على ذلك وقام برثاء قتلى غزوة بدر.
قال أمية في ذلك:
مَــــاذَا بــبــدر فــالــعقنقل
مِـــنْ مَــرَازِبَــةٍ جَــحَاجِحْ
فــــمــــدافــع الــبــرقــيــن
فالحنان مِنْ طَرَفِ الْأَوَاشِحْ
إلى أن يقول فيهم:
مــن الــسّراطمة الخلاجمة
الْــــمَــلَاوِثَــةِ الْــمَــنَــاجِحْ
الْــقَــائِــلِــينَ الْــفَــاعِــلِــينَ
الْآمِــرِيــنَ بِــكُــلِّ صَــالِحْ
الْــمُــطْعِمِينَ الــشَّــحْمَ فَــوْ
قَ الْــخُبْزِ شَــحْمًا كَالْأَنَافِحْ
نُــقُلُ الــجفان مَــعَ الْــجِفَانِ
إلَـــى جِــفَــانٍ كَــالْمَنَاضِحْ
لَــيْــسَتْ بــأصــفار لــمــن
يــعــفوه وَلَا رَحَّ رَحَــارِحْ
لِــلضَّيْفِ ثُــمَّ الــضَّيْفِ بَعْدَ
[الضَّيْفِ] وَالْبُسُطِ السَّلَاطِحْ
وُهُــبُ الْــمِئيِنَ مِــنْ الْمِئيِنَ
إلَــى الْــمِئيِنَ مِــنْ الــلَّوَاقِحْ
في رأي البعض أن الشيء الذي قلل من شأنه بوصفه شاعرا هو استخدامه لألفاظ دخيلة من العبرية ومن السريانية.لكن شعره على العموم كان يمتاز بالسلاسة والسهولة في اللفظ،كما كان يمتاز كذلك بثلاثة أمور وهي:
الحديث عن خلق العالم وفنائه.
الحديث عن أحوال الآخرة.
الحديث عن الله وصفاته جل وعلا.
هذا إضافة إلى توظيف الأساطير والخرافة مع مزج ذلك كله بالحكم والأمثال.
وشعر أمية قيمته الأساسية في جدة أسلوبه ومعانيه،،وأيضا في تصويره ومتانته.وهو لا ينحصر في الإكثار من الحديث عن الدين بل إنه تحدث في أغراض أخرى كالفخر والمدح والوصف والرثاء.
ومن أشعاره الدينية:
إِني أَعوذُ بِمَن حَجَّ الحَجيجُ لَهُ
وَالــرافِعُونَ لِــدينِ اللَهِ أَركانا
مُــسَلِّمِينَ إِلــيهِ عِــندَ حَــجِّهِمِ
لَــم يَــبتَغوا بِــثَوابِ اللَهِ أَثمانا
إلى أن يقول:
لا تَــخــلُــطَــنَّ خَــبِــيــثاتٍ بِــطَــيــبَةٍ
واِخــلــعَ ثِــيابَكَ مِــنها وَاُنــجُ عُــريانا
كُلُ اِمريءٍ سَوفَ يُجزى قَرضَهُ حَسَناً
أَو سَــيــئــاً وَمَــديــناً كَــالَّــذي دانـــا
وكان لأمية ابن عاق فشكا منه ووصف حالته معه،فقال:
غَــذوَتُكَ مــولوداً وَعُــلتُكَ يــافِعاً
تُــعَلُّ بِــما أُحــنيَ عَــلَيكَ وَتَنهلُ
إِذا لَــيــلَةٌ نــابَــتكَ بِــالــشَكو لَــم
أَبِــت لِــشَكواكَ إِلّا ساهِراً أَتَمَلمَلُ
كَــأَني أَنا المَطروقُ دونَكَ بِالَذي
طُــرِقَت بِــهِ دوني فَعَينايَ تَهمُلُ
تَــخافُ الرَدى نَفسي عَلَيكَ وَإِنَني
لَأَعــلَمُ أَنَ الــمَوتَ حَــتمٌ مُــؤَجَّلُ
فَــلَمّا بَــلَغَت الــسِّنَ وَالغايَةَ الَّتي
إِلــيها مَــدى مــا كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ
جَــعَلتَ جَــزائي غِــلظَةً وَفَظاظَةً
كَــأَنَــكَ أَنــتَ الــمُنعِمُ الــمُتَفَضِلُ
فَــلَيتَكَ إِذ لَــم تَــرعَ حَــقَّ أُبوَتي
فَــعَلتَ كَــما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ
زَعَــمتَ بِــأَنّي قَد كَبِرتُ وَعِبتَني
لَم يَمضِ لي في السِنُ سِتونَ كُمَّلُ
وَسَــمَــيتَني بــاِسِمِ الــمُفَنَّدِ رَأيُــهُ
وَفــي رَأيِكَ التَفنيدُ لَو كُنتَ تَعقِلُ
تُــراقِــبُ مِــني عَــثرَةَ أَو تَــنالَها
هَــبِلتَ وَهــذا مِــنكَ رَأيٌ مُضَلَلُ
ونظرا لأن أمية كان يميل ميلا إلى الدين ،ويذكر ذلك في شعره فالرسول(ص) كان كلما سمع شعره في الثناء على الله والإيمان به يقول:
آمن لسانه ولم يومن قلبه.
وقد قال بعضهم لما رأوا شعر أمية من مميزاته الحديث عن الغيب والإيمان وتوظيف الأساطير ذهبوا إلى أن النبي (ص) وأمية يستقيان ثقافتهما من منبع واحد.
يبقى أن كل ماقيل ويقال عن الشاعر أمية بن أبي الصلت لا يكفي للإحاطة بما كان لديه من علم وصدق وشاعرية،وحسبنا نحن اليوم أن نقول عنه بأنه كان شاعرا يعبر عما في وجدانه من مشاعر وما كانت له من قناعات لا يخشى في ذلك لومة لائم.
والله الموفق،فنسأله أن يوفقنا.