حواجز الاحتلال وتفعيل منظومة السجن الكبير بشكل كامل بعد السابع من أكتوبر

حواجز الاحتلال وتفعيل منظومة السجن الكبير بشكل كامل بعد السابع من أكتوبر
حنيطي: عدد الحواجز في الضفة الغربية 818 حاجزا، وعلى عدد التجمعات الفلسطينية يعطي لكل تجمع فلسطيني 1.74 حاجزا، الأمر الذي يجعل فكرة مقاربة السجن الإسرائيلي للضفة الغربية واقعا غير مبالغ فيه…
في مقالته بعنوان “حواجز الاستعمار الصهيوني بعد السابع من أكتوبر: تفعيل كامل لمنظومة السجن الكبير”، المنشورة في العدد الأخير من مجلة “الدراسات الفلسطينية”، ينطلق الباحث أحمد حنيطي من مقاربة الأسير الشهيد وليد دقة الذي يشبه منظومة السجن الكبير المعزز بالحواجز والشوارع الالتفافية والمستوطنين والجدران الذي خلقته إسرائيل في الضفة الغربية، بهندسة السجن الصهيوني الصغير المحاط بالأسوار والأسلاك الشائكة، ومحروس بالسجانين وكاميرات المراقبة، والتي طورها وتوسع في وصفها الكاتب الإسرائيلي أليساندرو بيتي.
ويشير الحنيطي إلى أن هذه المنظومة التي جرى تفعيلها بكامل طاقتها بعد السابع من أكتوبر لم تعد تركز على تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق جغرافية: شمال ووسط وجنوب؛ وبات الشكل العام الجديد والمكثف لهذه المنظومة له هدفان: الأول، عزل القرى والبلدات الفلسطينية عن مركزها المديني؛ والثاني، عزل القرى الفلسطينية بعضها عن بعض، فصارت الحواجز أدوات لعزل الفلسطينيين في مساحات أصغر من الأراضي، وتفكيك وتجزئة الأرض والشعب.
ويقول الكاتب إن تقسيم عدد الحواجز البالغ 818 حاجزا على عدد التجمعات الفلسطينية يعطي لكل تجمع فلسطيني 1.74 حاجزا، الأمر الذي يجعل فكرة مقاربة السجن الإسرائيلي للضفة الغربية واقعا غير مبالغ فيه، وتتنوّع أماكن انتشار الحواجز وفقا للجغرافيا الفلسطينية. فالمدن الفلسطينية، باستثناء مدينة جنين، تحاصرها الحواجز الإسرائيلية في معظم مداخلها، كما أن أغلبية القرى الموصولة مداخلها الرئيسية مباشرة بالشوارع الالتفافية التي يستخدمها المستوطنون الإسرائيليون مغلقة.
كذلك اختارت إسرائيل مواقع وجود الحواجز العسكرية في الأماكن التي لا تشكل عرقلة لحركة تنقّل المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وهي، على حد وصفه، هندسة جديدة استفادت منها إسرائيل من تجربة الحاجز في انتفاضة الأقصى، إذ كان وجود بعض الحواجز يعرقل حركة تنقل المستوطنين، ولهذا انتقلت الحواجز الحالية إلى مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وهو ما يمكنها من احتجاز الفلسطينيين ساعات طويلة من دون أن يشكل ذلك خطرا، أو إعاقة لتنقّل المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
وفضلا عن ذلك، فإن احتجاز أعداد كبيرة من السيارات على الحاجز يخضع لهذا الاعتبار، فمثلا نجد أن الأعداد الكبيرة من السيارات الفلسطينية المحتجزة، كما يورد المقال، يكون من الجهة الفلسطينية من الحاجز، ويعمل على تفعيل حجز أعداد كبيرة من السيارات الفلسطينية من جهة الشارع الالتفافي أيام السبت، أي في أوقات عدم تنقل المستوطنين.
كما أن الاحتلال غيّر بعض مواقع الحواجز، بحيث تمكن من احتجاز السيارات على جانبي الحاجز من دون إعاقة تنقل المستوطنين ودوريات الجيش، فمثلا نقل موقع حاجز عطارة شمالي قرية بير زيت إلى الموقع السابق كي يتمكن من احتجاز أعداد كبيرة من السيارات من جهة الشارع الالتفافي؛ وهذه السياسة جاءت انسجاما مع رغبة الوزير إيتمار بن غفير، الذي قال إن “حق المستوطنين في الحياة له الأولوية على حرية تنقل الفلسطينيين.” فعلى سبيل المثال، تُفتح هذه الحواجز مع إجراءات مشددة غالبا بعد التاسعة صباحا، وتُغلق عند الساعة الرابعة عصرا، أي في الفترة التي يذهب فيها المستوطنون إلى أعمالهم ويعودون منها.
لإلقاء المزيد من الضوء حول هذا الموضوع، أجرينا هذا الحوار مع الباحث أحمد حنيطي.
“عرب 48”: استخدمت مقاربة وليد دقة الذي شبه منظومة الحواجز التي تحكم قبضة الاحتلال على الضفة الغربية بمنظومة السجن، مع الإشارة إلى تفعيل هذه المنظومة في ظل حكومة اليمين وبعد السابع من أكتوبر بشكل كامل؟

حنيطي: وليد دقة أجرى هذه المقاربة في كتابه “صهر الوعي” الذي صدر قبل عقد ونيف من الزمن، ثم جاء الباحث الإسرائيلي اليساندرو بيتي بعد سنوات وكتب عنها بمزيد من التفصيل. اليوم المنظومة أصبحت أكثر وضوحا وقسوة، ويتجلى تطبيقها على الأرض في الاستعارة عن الحواجز المتنقلة ببوابات ثابتة مثل بوابات السجن، وبات باستطاعة الجيش الإسرائيلي إغلاق الضفة الغربية كلها خلال ربع ساعة.
قبل ذلك كان الموضوع يستغرق الكثير من الوقت، حيث كان يتطلب إغلاق المداخل استدعاء جرافات ونقل كتل اسمنتية وغير ذلك من الأعمال اللوجستية، في حين أن اليوم هناك بوابة ثابتة يمكن أغلاقها في أي لحظة من دون عناء كبير وبسرعة قياسية.
“عرب 48”: كتبت أن موضوع الحواجز لم يعد يقتصر على هدف تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، شمال ووسط وجنوب، تقصد أنه تحول إلى إجراء عقابي يراد به التنكيل بالسكان بشكل فظ؟
حنيطي: هو عقابي وإثبات سيطرة الاحتلال على الأرض والقول إن “القرار بأيدينا”، وأنت الفلسطيني موجود في سجن مفاتيح غرفه وبواباته معنا، ولن تستطيع أن تنتقل بين قرية وأخرى أو بين قرية ومدينة إلا بإرادتنا، فالقرى معزولة عن بعضها البعض ومعزولة عن المدن، ونحن نعرف مدى تداخل الريف الفلسطيني ببعضه البعض وتداخله بالمدينة، وعندما يتم فصل عرى هذه العلاقة هذا يعني تفتيت المجتمع والأرض.
العقاب والتنكيل هو جزء من طبيعة الاحتلال، وكان قائما طول الوقت وتفاقم في ظل حكومة اليمين وبعد السابع من أكتوبر، ويترجم هذا التنكيل في عناء الانتظار الطويل والمهانة التي يتعرض لها الفلسطيني على الحواجز، واستنزاف وقته وتعطيل أمور حياته اليومية من عمل وتعليم وقضاء حاجة. على سبيل المثال، أصبح الوصول من نابلس إلى حوارة التي تبعد عنها ثلاث دقائق، يستغرق نصف ساعة، هذا إذا استطعت أن تصلها أصلا، كذلك يحتاج الوصول إلى عورتا الذي كان يستغرق خمس دقائق يحتاج إلى ساعة كاملة.
ترمسعيا كانت تبعد ربع ساعة عن رام الله، اليوم وخلال سفري المتواتر إلى جنين وطولكرم أجد دائما بوابة ترمسعيا مغلقة، وبالتالي هناك هدف جعل الفلسطيني يعيش في حالة اللا يقين، بمعنى أنه عندما كان يتم إغلاق المداخل بالكتل الإسمنتية، كانت الناس تعرف أنه في حال وضعت هذه الكتل سيحتاج إزالتها إلى يومين أو ثلاثة أيام. أما اليوم، فيمكن إغلاق البوابة لمدة ساعة أو نصف ساعة ومن ثم إعادة فتحها، وهكذا أنت لا تعرف متى تكون القرية مغلقة ومتى تفتح، الأمر الذي يبقيك كفرد وكمجتمع في حالة لا يقين.
“عرب 48”: أنا أقصد أن العقلية والفلسفة من وراء الحواجز قد تغيرت بحيث تحولت إلى هدف بحد ذاته، يراد منها معاقبة السكان والتنكيل بهم، وليس تحقيق هدف سياسي أو أمني فقط، وهي السياسة ذاتها التي نشهدها في السجون اليوم، في ظل حكومة اليمين وبعد السابع من أكتوبر؟
حنيطي: تصميم البنية التحتية لعملية العزل والسيطرة للسجن الكبير الذي نتحدث عنه في الضفة الغربية، بدأ قبل وصول اليمين بفترة طويلة وهم استفادوا وحاولوا تطوير النموذج الذي استحدثوه في انتفاضة الأقصى، حيث كانت إغلاقات واسعة، وبالتالي قاموا بتطوير الفكرة في كيفية السيطرة على الناس وقطع التواصل بينهم.
“عرب 48”: أشرت إلى تحول سياسة العصا والجزرة إلى سياسة العصا الغليظة، أي أنه تم سحب الجزرة واعتماد القمع كأسلوب وحيد في التعامل مع الفلسطيني؟
حنيطي: سياسة العصا والجزرة كانت تترجم من خلال ما يسمى بالسلام الاقتصادي وسياسة إدارة الصراع. الحكومات الإسرائيلية عملت طوال الوقت على هذا الموضوع، كانت تقول إنها مع أوسلو، ولكن في ممارساتها على الأرض كانت تقضم الأرض وتقيم المزيد من المستوطنات، اليوم أصبحت الأمور واضحة وصاروا يعلنون صراحة التبرؤ من أوسلو ورفض إقامة دولة فلسطينية، وأنهم يعتزمون ضم الضفة الغربية، بمعنى أنهم كشفوا عن وجههم الحقيقي.
أنظر ماذا فعلوا في بروقين بعد عملية إطلاق النار الأخيرة؛ بالعادة كانوا يغلقون القرية يومين أو ثلاثة أيام أو حتى أسبوع، يفتشون البيوت ثم يعاودوا فتحها. ما يحصل حاليا ليس أنهم أغلقوا البلدة فقط، بل هاجموا جميع بيوتها وكسروا محتوياتها وسرقوا أموالا وذهبا، وحرقوا البساتين، وهدموا بيوتا في مناطق معينة وأخلوا بيوتا أخرى وجلبوا إليها مستوطنين. هناك قهر واضح جدا وعمليات ترهيب قاسية وعملية ترحيل ومسح للمخيمات عن وجه الأرض، وحرب الإبادة في غزة هي النموذج الذي يهددون بسحبه على الضفة الغربية.
من جانب آخر، يسكن المستوطنون في المناطق الأكثر أمانا، حيث يضمنوا عدم وجود إطلاق نار، ويجري “تنظيف” المنطقة الواقعة شرقي رام الله وشرقي القدس من التجمعات البدوية، حيث لم يبق سوى تجمعين في منطقة أريحا.
وإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة، فإن هذه التجمعات صمدت في مواقعها منذ العام 1967 وحتى 2015 – 2017 رغم الاعتداءات، إلا أن وتيرة الاعتداءات وحجمها تزايد بشكل ملحوظ بعد عام 2020؛ وبعد عام 2023 بدأنا نشهد اعتداءات يومية، أنظر إلى ما يحصل اليوم في المغير وفي غيرها من المناطق التي ينفلت فيها المستوطنون.
وعندما نتحدث عن مستوطنين، نتحدث عن اعتداءات غير مضبوطة، فلا يقولون لك إن هناك “أمر عسكري” بالإخلاء، بل يجري اقتحام بيوت الناس الآمنة بشكل فجائي والاعتداء على أصحابها وعلى ممتلكاتهم وسرقة أغنامهم.
“عرب 48”: كل هذا يحدث طبعا على مرأى ومسمع من جيش الاحتلال وتحت حراسته ورعايته؟
حنيطي: صحيح، نحن نتحدث عن منظومة احتلال كاملة تضم جيش ومستوطنين، واليوم صار دور الجيش أكثر وضوحا في دعم اعتداءات المستوطنين وتغطيتها، حيث يساهم بنفسه في عملية التهجير والقتل والاعتداء على الناس ومواشيها ومواردها الاقتصادية، هذا يحدث في “مغاير الدير” وغيرها من التجمعات الواقعة شرق رام الله وشرق أريحا.
“عرب 48”: مناطق “ج” التي تتحدث عنها وخاصة في الأغوار كان من الواضح أنه سيجري إخلاء وتهجير سكانها، ولكن الأمر لا يقتصر عليها، بل يتعداه إلى مناطق “ب” وربما “أ” أيضا، فالبوابات التي تتحدث عنها تقع في مناطق “ب”؟
حنيطي: الاحتلال قام بإلغاء تقسيمات أوسلو وحوّل الضفة إلى منطقة محتلة واحدة، فصاروا يجتاحون البيرة ورام الله بشكل اعتيادي، وهم واضحون، لا أوسلو ولا دولة فلسطينية موعودة.
“عرب 48”: يبدو أنهم هم يسعون إلى خلق وضع لا تطاق فيه الحياة لتيسير مشروع التهجير في الضفة الغربية أيضا، وربما يأتي الدور على الداخل؟
حنيطي: خلال إعدادي للمقال أجريت مقابلات مع سائقي سيارات أجرة، فحدثوني قائلين إنهم خلال انتفاضة الأقصى “عندما كان يغلق الاحتلال طريقا كنا نجد مئة طريق، أما اليوم فلا نجد أي طريق أخرى” ؛ حيث جرى إغلاق جميع الطرق الفرعية بالسواتر الترابية وصارت البلدة الفلسطينية ذات مدخل واحد يفتح ويغلق بأمر جندي الاحتلال.
حتى الحواجز غيروا مواقعها لكي لا تؤثر على حركة المستوطنين والجيش، فهناك بعض الحواجز يتم فتحها وإغلاقها في ساعات معينة حسب حاجة المستوطنين، وهناك بعض القرى أغلقت بواباتها وممنوع أن تفتح.
“عرب 48”: هو نظام أبارتهايد بكل معنى الكلمة يحجز الفلسطينيين، لكي يتمكن المستوطنون السير بالشوارع على راحتهم، بحجة الذهاب والإياب إلى أماكن عملهم بيسر؟
حنيطي: واضح جدا، فمعلوم أن حاجز “دي. سي. أو” في رام الله يفتح في الساعة التاسعة صباحا ويغلق الساعة الرابعة، وكذلك حواجز الخليل وحاجز بيت لحم وحاجز طولكرم، تغلق جميعها في ساعات سفر المستوطنين من وإلى عملهم، وهذا ما أكده بن غفير عندما قال إن الأهم هو سلامة المستوطنين وتيسير حركتهم وتنقلاتهم.
كذلك تصريحات سموتريتش الداعية لحرق حوارة والمقرونة بالفعل الممارس على الأرض، تكشف عن سياسة ممنهجة لا تقتصر على العقاب وتدفيع الثمن، بل تهدف إلى خلق أوضاع لا تطاق تدفع إلى التهجير، وهو واضح في تصريحاته التي ترى أن فلسطينيي الضفة مكانهم في الأردن، والحديث هو عن نهج مهيمن على الحكومة والسياسة الإسرائيلية.
أحمد حنيطي: طالب دكتوراه في الأنثروبولوجيا في جامعة باريس. حاصل على درجة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة بير زيت، ولديه العديد من الدراسات والكتب المنشورة عن المسألة الزراعية والمجتمع البدوي في فلسطين.
عرب 48