الشرع يرى «مستقبلاً مشتركاً» مع إسرائيل | تل أبيب تتابع اعتداءاتها: إخضاع وليس اتّفاقاً

الشرع يرى «مستقبلاً مشتركاً» مع إسرائيل | تل أبيب تتابع اعتداءاتها: إخضاع وليس اتّفاقاً
بالتوازي مع استمرار توسيع قنوات التواصل بين الإدارة السورية الجديدة، وإسرائيل، في إطار انفتاح الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، على بناء تفاهمات يمكن أن تفضي إلى تطبيع العلاقات مع الأخيرة، تنفيذاً لشروط أميركية معلَنة، شنّت تل أبيب سلسلة اعتداءات جديدة استهدفت
بالتوازي مع استمرار توسيع قنوات التواصل بين الإدارة السورية الجديدة، وإسرائيل، في إطار انفتاح الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، على بناء تفاهمات يمكن أن تفضي إلى تطبيع العلاقات مع الأخيرة، تنفيذاً لشروط أميركية معلَنة، شنّت تل أبيب سلسلة اعتداءات جديدة استهدفتْ مقرّات عسكرية تتمركز في فصائل تابعة للجيش السوري الناشئ، وسط تهديدات أطلَقها وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، باستمرار شن الهجمات و«عدم وجود أي حصانة»، وفق تعبيره.
وتسبّبت الاعتداءات التي طاولت ثكنة البلاطة في ريف طرطوس، وثكنة الشامية في ريف اللّاذقية، ومحيط اللّواء 107 في زاما في ريف جبلة، وفقاً لإحصاءات رسمية، باستشهاد مدني وإصابة 3 آخرين، في وقت لم تَذكر فيه السلطات الانتقالية أي معلومات عن ضحايا الهجوم من عناصر الفصائل الموجودين في مواقع الاعتداءات.
على أنّ التوقيت الذي تمّ اختياره لهذه الهجمات – التي تُعتبر الأولى من نوعها منذ اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالشرع، في الرياض منتصف أيار الماضي، بوساطة سعودية، وما تبِعه من انفتاح أميركي متواصل على دمشق، انتهى برفع العقوبات عن البلاد وتعيين السفير الأميركي في تركيا توماس باراك مبعوثاً خاصاً لسوريا، يكشف عن إصرار إسرائيلي على فرض واقع أمني جديد في سوريا في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد، برغم إعلان الشرع المستمر قبوله الانفتاح على تل أبيب.
وفي هذا السياق، بدا ملاحظاً تركيز إسرائيل اعتداءاتها على الساحل السوري، الذي شهد مجازر طائفية ارتكبتها قوى مرتبطة أو تابعة لوزارة الدفاع الناشئة، وأعلن الاتّحاد الأوروبي فرض عقوبات على بعضها. ويشي ذلك بمحاولة تل أبيب ترسيخ حضورها في الملف السوري من بوابة تقسيمه إلى ملفات صغيرة اتّساقاً مع مساعيها المعلنة لفدرلة البلاد، عبر دعم إنشاء فيدرالية درزية جنوبي سوريا، وتصاعد الخطاب المنادي بإنشاء فيدرالية علوية في الساحل. ويأتي هذا في وقت يخوض فيه الأكراد الذين يقودون «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) مباحثات صعبة بوساطة أميركية مع السلطات الانتقالية سعياً لتطبيق الاتّفاق الموقّع بين الشرع وقائد «قسد»، مظلوم عبدي، والذي تعرّض لتعثّر كبير في ظل استمرار رغبة الأكراد في إنشاء فيدرالية.
في غضون ذلك، أثارت تصريحات منسوبة إلى الشرع، نشرتها «صحيفة اليهود» التي تصدر من واشنطن، جدلاً واسعاً، علماً أنها منقولة في مقال نشره رجل الأعمال الأميركي البارز، جوناثان باس، المقرّب من ترامب، والذي زار دمشق والتقى الشرع، الشهر الماضي. وعنون الرجل الذي يعوّل عليه الشرع في إجراء وساطات وجذب الاستثمارات، مقاله بـ«حوار مع الزعيم السوري: رحلة ما وراء الأنقاض»، وهو ما خلق التباساً بعدما أوردت وسائل الإعلام الكلام وكأنه جاء في حوار مع الرئيس الانتقالي.
وبعيداً عن قضية الالتباس تلك، تفيد نظرة على ما نقله باس عن الشرع في رسم صورة لتوجّهات الرجل الذي يقود سوريا حالياً؛ إذ ينقل رجل الأعمال الأميركي عنه، قوله إن «لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركين، ويمكننا أن نؤدّي دوراً رئيساً في الأمن الإقليمي». ويستبطن هذا القول رسالة مباشرة إلى تل أبيب حول أهداف الإدارة الجديدة، والتي تعتبر أنها أجهضت ما يعرف بـ«المشروع الإيراني في سوريا»، بالإضافة إلى تطبيقها الشروط الأميركية التي تقضي بإنهاء نشاط الفصائل الفلسطينية في سوريا.
ونقل باس عن الشرع أيضاً قوله إن «عصر القصف المتبادل بين سوريا وإسرائيل يجب أن ينتهي»، في إشارة إلى نهاية الدور السوري في مرحلة النظام السابق، والتعويل على موقف مماثل من إسرائيل. وتابع إن الرئيس السوري الانتقالي أعرب عن رغبته في العودة إلى اتّفاق فضّ الاشتباك الموقّع عام 1974، لكن «ليس لوقف إطلاق النار فقط، بل كضمان أساسي لضبط النفس المتبادل بين سوريا وإسرائيل وحماية المدنيّين، خاصة المجتمعات الدرزية في مرتفعات الجولان جنوبي سوريا»، وفق تعبيره، رافضاً، في الوقت نفسه، الحديث عن «التطبيع الفوري»، والذي اعتبر أنه «يجب أن يُكتسب بالاحترام المتبادل، لا بالخوف».
وأضاف: «تحتاج سوريا إلى وسيط نزيه»، في إشارة إلى الدور الذي ينتظره الشرع من الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها ترامب رغبته في انضمام سوريا إلى اتّفاقيات «أبراهام» التي فتحت الباب أمام أكبر موجة تطبيع عربية مع إسرائيل عام 2020 شملت الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان.
ويبدو أنّ الاعتداءات الإسرائيلية والتهديد باستمرارها، ومساعي تل أبيب لفدرلة سوريا، والتي تأتي برغم اللقاءات المباشرة وغير المباشرة، سواء التي أجراها وفد سوري أمني زار تل أبيب الشهر الماضي، أو التي انعقدت في أذربيحان أو بوساطة إماراتية، تجيء لترسيخ الموقف الإسرائيلي من هذه المحادثات، التي تريد تل أبيب، على ما يبدو، أن تنتهي باتّفاقية إخضاع، أيّاً كان الشكل الذي ستتم به، خصوصاً بعد أن جرّدت إسرائيل سوريا ممّا تبقّى من قدراتها العسكرية، إثر انحلال الجيش السوري مع سقوط النظام السابق.