أهالي غزّة بين فكَّي الجوع والنار: شهادات عن مجازر “المساعدات” التي ترتكبها إسرائيل

أهالي غزّة بين فكَّي الجوع والنار: شهادات عن مجازر “المساعدات” التي ترتكبها إسرائيل
شهادات أهال من غزة؛ خالد اللحام: ذهبنا لمنطقة تصنفها إسرائيل “آمنة” ففوجئنا بوابل من الرصاص؛ محمد البسيوني: خرجت لجلب طعام لوالدي المريض فأصابوني بظهري وعدت جريحا؛ والد مصاب: من شدة الجوع ذهبنا للحصول على الطعام لكننا عدنا بإصابة خطيرة لابني.
لم يكن نزهة أو خيارا توجّه أهال إلى مراكز “المساعدات” المشبوهة التي أقامتها إسرائيل وسط قطاع غزة وجنوبه، بل كان مدفوعا بالجوع القاتل، وانعدام أي مصدر آخر لسد الرمق.
رجال ونساء وأطفال خرجوا من خيامهم وسط الحطام، بحثًا عن كيس دقيق، أو علبة غذاء تبقيهم على قيد الحياة، استجابة لإعلان عن توزيع “مساعدات” في مناطق قيل إنها “آمنة”، تحت إشراف الجيش الإسرائيلي.
لكن سرعان ما شوهد عشرات منهم يركضون مذعورين، وسقوط شهداء وجرحى، نقلوا بعربات بدائية تجرّها حيوانات، بسبب عدم تمكّن سيارات الإسعاف من الوصول إلى المكان.
وفي شهادات مؤلمة مصابين وذويهم، تتجلى مأساة الفلسطينيين المُجوّعين، الذين وجدوا أنفسهم بين فكَّي الجوع والنار.
لاحقتهم قذائف الطائرات والدبابات حتى في المناطق التي خصصت لهم كمنافذ للمساعدات، لتخلف وراءها أجسادا ممزّقة، وذكريات دامغة محفورة بالدموع والخوف.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت إسرائيل في 27 أيار/ مايو الماضي تنفيذ مخطط مشبوه لتوزيع “مساعدات إنسانية”، عبر ما تُسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة إسرائيليا وأميركيا والمرفوضة من قبل الأمم المتحدة.
وحدد الجيش الإسرائيلي 4 نقاط لتوزيع المساعدات عبر هذه المؤسسة، منها 3 جنوب القطاع وواحدة في محور “نتساريم”، الفاصل بين جنوب القطاع وشماله.
وتسمح إسرائيل فقط لهذه المؤسسة المتواطئة معها بتوزيع مساعدات شحيحة في “مناطق عازلة” جنوبيّ القطاع، بهدف تفريغ الشمال من الأهالي، بينما يباشر الجيش بإطلاق النار على حشود الجائعين، مخلّفا شهداء وجرحى.
ومنذ انطلاق العمل بهذه الآلية، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجازر قرب نقاط توزيع المساعدات، خصوصا في مدينة رفح جنوب القطاع.
ومنذ 27 أيار/ مايو الماضي، وحتى صباح الثلاثاء، ارتفع عدد ضحايا المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي قرب مراكز التوزيع إلى 99 شهيدا ومئات الجرحى.
ويؤكّد الأهالي الذين توجهوا إلى تلك النقاط، أن الجيش الإسرائيلي يطلق الرصاص صوبهم عشوائيا أثناء انتظارهم الحصول على طرود غذائية.
“ركضنا إلى الجبل لنأكل فخرجت أحشاء أخي”
يزن مصلح، شقيق الطفل الجريح يزيد (13 عامًا)، قال: “كنا جالسين في خيمتنا، وحين سمعنا بوصول المساعدات ركضنا نحو مركز التوزيع، وأبي أجلسنا في منطقة بعيدة قليلا، قالوا إنها آمنة، لكنها لم تكن كذلك”.
وأضاف: “بدأ إطلاق النار عشوائيا، وأخي لوح بيديه للطائرة كي لا تطلق عليه النار، لكن الرصاصة اخترقت بطنه فخرجت أحشاؤه”.

وتابع: “صرخت طالبا المساعدة، وتمكنا من إسعافه بعربة يجرّها حيوان. لم نعد بشيء سوى إصابته. كنا نبحث عن شيء يسدّ جوعنا فقط”.
ومنذ 2 آذار/ مارس، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون من أهالي غزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة، وأودى بحياة كثيرين.
أما إيهاب مصلح والد الطفل، فروى تفاصيل الجوع والخوف: “من شدة الجوع، ذهبت إلى منطقة التوزيع في خانيونس، أجلست أولادي في مكان اعتقدت أنه آمن، ودخلت لأستلم الطعام. لكن الرصاص كان ينهال من كل اتجاه”.
وأضاف الوالد: “لم نأخذ شيئًا، فقط عدنا بإصابة خطيرة لابني، نحن لا نريد شيئًا سوى وقف هذه الحرب الظالمة”.
والإثنين، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى محاسبة الجناة المسؤولين عن قتل وإصابة فلسطينيين أثناء سعيهم للحصول على مساعدات إغاثية في قطاع غزة.
تعليمات زائفة
بدوره، قال خالد اللحام، أحد المصابين، إنه أصيب بينما كان يتوجه لاستلام المساعدات من منطقة صنفها الجيش الإسرائيلي، بأنها “إنسانية”.

وأضاف: “ذهبنا بناء على تعليمات الجيش الإسرائيلي، قالوا إنها منطقة آمنة لكننا فوجئنا بوابل من الرصاص، أصبت أنا والعشرات، وسقط عدد من الشهداء. كنا نبحث عن الطعام فقط، لا نملك شيئًا، ولم نأكل منذ أسبوع”.
وتابع: “حين وصلنا، أطبق علينا من كل الجهات، النار من الدبابات والمسيرات والمروحيات”، ويردف قائلا: “ذهبت لإحضار الطعام لأولادي فعدت برصاصة في ظهري”.
ويتم توزيع المساعدات في ما تُسمى “مناطق عازلة” جنوب قطاع غزة، وسط مؤشرات على فشل المخطط، إذ توقف التوزيع مرارًا بسبب تدفق أعداد كبيرة من الجائعين، وإطلاق القوات الإسرائيلية النار على الحشود، ما خلف قتلى وجرحى.
خيارات معدومة
محمد البسيوني شاب جريح، استيقظ منذ الفجر وخرج بين أنقاض الحي الواقع بين رفح وخانيونس، حاملاً هدفًا واحدًا: “إحضار طعام لوالده المريض”.
قال البسيوني: “أمي رفضت أن أذهب لكني أصررت، كنا بحاجة للطعام (لأن) والدي مريض، عند الساعة السادسة صباحًا خرجت، وعندما وصلت بدأ إطلاق النار”.
وأضاف: “أصبت في ظهري، نقلوني بواسطة توكتوك (عربة بعجلات)، وخضعت لعملية جراحية، الآن أنا بخير، لكن غيري عاد جثة”.

وختم بتنهيدة ثقيلة: “كنا نعلم أننا قد نقتل لكن لا خيار آخر، الجوع قاتل. نريد أن تنتهي الحرب والحصار… أن تنتهي هذه الغمة”.
ومرارا، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن الآلية الراهنة لتوزيع ما تسمى “مساعدات” هي أداة من أدوات الإبادة الجماعية، وتستهدف تهجير الفلسطينيين قسرا من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.
استنكار دولي
وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” أكدت الإثنين، أن آلية توزيع المساعدات الأميركية المدعومة من إسرائيل “لا تلبي الاحتياجات الإنسانية العاجلة”، ودعت إلى تمكينها من إيصال المساعدات بأمان.
كما ندّدت منسقة شؤون الطوارئ في منظمة “أطباء بلا حدود” كلير مانيرا بقتل عشرات الأهالي أثناء انتظارهم للمساعدات، مؤكدة أن “النظام الجديد لتوزيع المساعدات يفتقر للإنسانية والفعالية”.
وخلّفت الحرب على غزة، أكثر من 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.