بعد فوز باريس سان جيرمان.. وزير الداخلية الفرنسي يستهدف “البرابرة”: تصعيد لفظي ونفَس استعماري

بعد فوز باريس سان جيرمان.. وزير الداخلية الفرنسي يستهدف “البرابرة”: تصعيد لفظي ونفَس استعماري
باريس-
قال موقع ميديابارت إن وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو يوجّه منذ ليلة السبت سهامه نحو “البرابرة” الذين ارتكبوا أعمال عنف بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري أبطال أوروبا لكرة القدم. مفردات لا إنسانية، بطابع عنصري واستعماري. فهي ليست زلة لسان، حيث إن برونو روتايو يعرف تماما ما يفعل، ورئيس الجمهورية يتركه يفعل ذلك.
على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر المصطلح مميزا بعلامة تعجب، ويُعاد بثّ مقطع المؤتمر الصحافي الذي نطق فيه بهذه الكلمة مرارا. لقد أصبح للوزير مصطلحه المفضّل الجديد. قال يوم الأحد من وزارته: “أولئك الذين، مساء السبت -أقولها دون مواربة- أفسدوا هذا العيد الرياضي الجميل، هم برابرة. نعم، إنهم برابرة”.
استنادا إلى “تعريف القاموس”، حاول وزير الداخلية تبرير استخدامه لهذا المصطلح: “البربرية”، بحسب قوله، هي “نقص في التحضّر”، و”متعة غير مكبوحة في التدمير والنهب”. صفات اعتبر أنها تنطبق على الأحداث التي وقعت في باريس ومدن فرنسية أخرى يوم السبت، على هامش فوز باريس سان جيرمان بلقب أوروبي.
Débordements en marge de la victoire du PSG: "Bruno Retailleau est critiqué pour avoir qualifié les casseurs de 'barbares'" –@GuillaumeDaret pic.twitter.com/3qSipfeVt6
— BFMTV (@BFMTV) June 2, 2025
لكن استخدام مثل هذه المفردات من قبل وزير الداخلية ليس زلة، بل هو خطوة جديدة في استراتيجية تواصل محسوبة بدقة. كما أن الهجوم بدأ حتى قبل نهاية المباراة ليلة السبت، الساعة 22:38 مساءً، بينما كان اللاعبون ما يزالون في الملعب، كان برونو روتايو قد بدأ بالفعل في التنديد بـ”البرابرة الذين جاؤوا إلى شوارع باريس لارتكاب الجرائم”، يوضح موقع ميديابارت دائما.
لسنوات، كان روتايو يدمج تدريجيا هذا المفهوم في خطابه السياسي، بعد أن خصّه لفترة طويلة لوصف الإرهاب الإسلاموي، وبدأ يستخدمه في بعض القضايا الجنائية، مثل جريمة قتل الطفلة لولا عام 2022. وفي صيف عام 2023، وصلت احتجاجات الأحياء الشعبية إلى نقطة تحول جديدة بالنسبة له، حيث ندّد بـ”البرابرة” و”المجانين” الذين “يحرقون البلديات والمدارس” و”يريدون تركيع فرنسا”.
واعتبر موقع ميديابارت أنه في خيال برونو ريتايو، “البرابرة” هم، حسب السياق، إرهابيون في الشرق الأوسط، مهاجرون غير نظاميين، وشباب من الأحياء الشعبية. دائما أو غالبا، رجال يُنظر إليهم كعرب أو سود، ومعظمهم مسلمون. الكلمة عملية: مقطعان صوتيان، سهلة الحفظ، وتضمن أقصى قدر من الظهور الإعلامي.
في وزارة الداخلية، أصبح هذا النوع من الخطاب تقليدا. لكل وزير داخلية “مصطلحه الصادم”. في عام 1999، ومع تزايد جنوح القُصّر، ندّد جان- بيير شوفينمان بـ”الوحوش الصغار”، منتقدا “فشل المجتمع في نقل قيمه”. بعده، جعل نيكولا ساركوزي من “الأوغاد” هدفه الأول. وبعده بخمسة عشر عاما، تحدث جيرالد دارمانان عن “الوحشنة”.
من “الوحوش الصغار” لشوفينمان إلى “البرابرة” لروتايو، المنهج هو نفسه. سياسة بمعناها الضيق: الكلام العالي لإظهار الصرامة، استعراض القوة، تمثيل السلطة العامة التي لا تريد أن تُتّهم بالتقاعس. غالبا ما يقترن هذا الخطاب بوعد “عدم التراجع”، و”عدم التنازل”، و”العقاب الشديد”. عرض مستهلك، وفق ميديابارت.
بالنسبة لروتايو، للكلام أهمية أكبر لأن الأفعال قليلة. في وزارة الداخلية، يعرف رئيس حزب “الجمهوريين” الجديد الخطر الذي يهدده: غياب النتائج. بعد تسعة أشهر في الحكومة، رغم خطاباته الرنانة وظهوره الإعلامي المكثف، ما تزال الجرائم تُعرض يوميا على شاشات الأخبار المستمرة. ويقول أحدهم: “في هذا المنصب، من شبه المستحيل تحقيق نتائج ملموسة. في البداية، قد يُقبل الأمر، لكن مع مرور الأشهر، سيصبح الفارق بين خطابه والواقع الميداني عبئا عليه”.
وها هو السيناريو يتحقق في عطلة نهاية الأسبوع. بعد أن بالغ في الترويج للترتيبات الأمنية “الضخمة” ليلة نهائي دوري الأبطال، اضطر روتايو إلى مواجهة صور الاشتباكات المنتشرة على الشبكات الاجتماعية، ثم خبر وفاة شخصين ليلة السبت إلى الأحد، على هامش الاحتفالات.
ستار دخاني
ومضى موقع ميديابات قائلا إن النقاشات بدأت حول فشل استراتيجية حفظ النظام، وجاءت جدلية استخدام كلمة “البرابرة” في الوقت المناسب للوزير: غطّت على البقية، على الجوهر، على المهم. أما الجدل اللغوي، فلا يزعجه أبدا. بل العكس تماما: لقد بنى رأس ماله السياسي على هذه القدرة على “كسر التابوهات”.
لكن، بعيدا عن كل الاستراتيجيات، يبقى جوهر الخطاب هو طابعه الاستعماري، ورنينه العنصري، وفق موقع ميديابارت. فمَن هم “البرابرة”، في نهاية المطاف؟ هم الآخرون من شباب الضواحي وأبناء المهاجرين والمستعمرات السابقة والمسلمين. الكلمة تعني كل ذلك، ولهذا السبب يعشقها من يستخدمها: لأنها تربط بين أكثر المواضيع إثارةً اليوم: الإسلام، الهجرة، وانعدام الأمن.
تصوير الآخر كبربري وسيلة فعالة للسلطة لأنها تُعفيها من المسؤولية. الكلمة تُخفي كل شيء: التمييز الممنهج ونقص الاستثمار في بعض المناطق والحالة المزرية للخدمات العامة. والبربري هو ذاك الذي لا أمل فيه، لأنه بطبيعته خطر ومختلف ومهدد.
ورأى موقع ميديابارت أن كل التصريحات من برونو روتايو تصل بوضوح إلى آذان من وُجهت إليهم. فتحت غطاء محاربة العنف، يوجه وزير الداخلية رسالة إلى فرنسا الحاقدة، فرنسا العنصرية، فرنسا الإسلاموفوبية.
ومن مكتبه في قصر الإليزيه، يكتفي رئيس الجمهورية بالمشاهدة. فرغم عدم امتلاكه سلطة مباشرة على مجريات الأمور، ما زالت لديه بعض الواجبات، من بينها الحفاظ على تماسك المجتمع حتى لو كان هشًا، وحتى لو تعرض للتمزيق. لكن، ماذا ننتظر من رجل تحدّث قبل عامين فقط عن “التوحش”؟ يتساءل “ميديابارت”.
هذا التواطؤ، كحال معظم الطبقة السياسية، في مواجهة سيل الكراهية الذي يصب على الأقليات، ليس فقط أمر مثير للاشمئزاز، بل هو أمر يُعرّض الأضعف للخطر، يقول موقع ميديابارت، مضيفا أنه يُسلّح العقول الأكثر ظلامية. لا يدمر فقط الروابط الاجتماعية أو كرامة الذات أو ثقة بعض أطفال هذا البلد في الجمهورية؛ بل يدمر الحياة، بكل بساطة. ففي منطقة فار، يوم السبت، أطلق رجل يتابع فيديوهات عنصرية النار على جاره التونسي وقتله بخمس رصاصات في جسده.
“القدس العربي”: