
خيانة المثقفين! *
بقلم الدكتور علي القحيص
الاربعاء 04 يونيو 2025
أصدر المفكر العربي إدوارد سعيد، أستاذ اللغة الانجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك، كتاب «خيانة المثقفين» والذي هو عبارة عن النصوص الأخيرة لإدوارد سعيد، ترجم إلى ثلاثين لغة، صدر في 30/ 6/ 2011 دار نينوى للدراسات في دمشق.
مقتبس العنوان من كتاب نقدي (خيانة الكهنة) للكاتب الفيلسوف المفكر الفرنسي (جوليان بيندا) نشره عام 1927م، تحدث عن الذين ينسفون القيم ويخونون الحقيقة والعدالة لأسباب سياسية عنصرية إلى آخر الكتاب.
أما إدوارد سعيد فقد شرح خيانة المثقفين شعرا بنصوصه الأخيرة.
وحين مرت منطقتنا العربية بعواصف وأزمات وبعض العواصم العربية احتلت من قبل الغزاة، حين شهر الأدباء والإعلاميين والصحفيين اقلامهم ضد الغزو والاحتلال لبلدانهم وبعض الأوطان العربية، وهو واجب وطني وشعور قومي لأي أديب أو مثقف أو صحفي عربي. وهذا طبيعي في سياق الانتماء وينسجم مع مواقف الدول العربية التي ترفض الاحتلال واغتصاب أي أرض عربية.
ولكن المفاجأة والطامة الكبرى، على عكس ما نتوقع من بعض المثقفين والأدباء من الأسماء الكبار مثل (أدونيس ومظفر النواب) اللذين أشغلا الشارع العربي بقصائدهما، وألهبوها بنصوصهما (الثورية) ضد الأنظمة والدول العربية، وخاصة مهاجمتهما دول الخليج العربي، واتهامها بالتخاذل والرجعية والتخلف، ومطالبة هذه الدولة أو تلك أن تدفع المال والبترول للدول الأخرى الفقيرة من نظريتهما (نفط العرب للعرب)!
والمصيبة الأكبر أن الشاعر (مظفر النواب)، الذي كان يحرض ضد حكومات دول الخليج، حين أعياه المرض تم استقباله وعلاجه في أحد دولنا الخليجية ومات فيها. ولم يندد هو نفسه أو يشجب احتلال وطنه من الغزاة والمحتلين، وحيث كان يطالب دول الخليج بطرد وحرق القواعد الأمريكية في الخليج العربي! بقوله (أشعل مياه الخليج.. تمرد)!!
بل ذهب أكثر من ذلك حين احتلت بغداد لم يبك عليها، وذهب إلى العراق تحت حراب الاحتلال، وشارك في انتخاب أول حكومة عراقية نصبها المحتل.
ويأتينا اليوم الشاعر (أدونيس) واسمه الحقيقي «علي أحمد سعيد اسبر مواليد 1930م» يندد ويشجب التغيير الذي حصل في بلده سوريا الآن، ويقول إن الذي جاء بعد النظام (عصابة)، ليسوا مؤهلين لإدارة دول حديثة، حيث يضمر طائفيته المقيتة في كل رأي أو قول ووقوفه الدائم والعلني إلى جانب النظام على أساس طائفي بحت. ويتباكى على النظام السابق الذي ينتمي له (طائفيا) وليس أرضا أو أدبا أو ثقافة، كما يدعي ويزعم ويوهم الناس!
المفارقة الغريبة، أن (مظفر النواب) كان ضد حكم بلده، ولما احتل وطنه من قبل الاحتلالات الأجنبية وغزاة العصر، عاد إلى بغداد مؤيدا ومتضامنا مع الاحتلال الحديث تحت ظل دبابات الاحتلال، لأنه أيضا ينتمي طائفيا للسلطة الجديدة، وحيث ظهر ذلك جليا في معظم قصائده التي تقطر حقدا طائفيا مقيتا منها قصيدة «وتريات ليلية» مثالا!
أما (أدونيس) فكان يؤيد النظام السابق في سوريا، رغم وجود قوى الاحتلال الغريبة من الروسي والإيراني والتركي والميليشيات المسلحة، أما الآن وقد تحررت سوريا من كل الاحتلالات الأجنبية، بفعل حراك ثوري سوري شعبي وطني استمر 14 عاما من التضحيات والصبر والتهجير والتدمير، ولم يأت محرروا سورية على ظهر الدبابات الامريكية او من خارج الحدود، نراه يندد بالقيادة السورية الجديدة ويصفها بالرجعية والارهابية!
ما هذا النفاق والكذب والتزلف والتدليس وإرهاب الشعب العربي، على أنهم شعراء كبار ومثقفون ومفكرون و(وطنيون)، لتأتي الاقدار وتجري الأحداث لتكشف زيف حقيقتهما، حيث كشرا عن أنيابهما المسمومة، وسقطت الأقنعة عن الوجوه الفاقعة، لتظهر طائفيتهما المقيتة وشعوبيتهما العنصرية، لا تنفع معها أي مساحيق أدبية وثقافية ممجوجة ومصطنعة، بعد عقود مرت، وهما يحاولان اللعب على عواطف الجمهور العربي وتسويق الوطنية الواهمة التي تخبئ خلفها طائفية ومذهبية مقيتة، حتى كشف الغطاء عن البؤر الطائفية المتطرفة التي ينتمون لها، حين بانت حقيقتهم الكاذبة وانكشف اللثام، عن الوجوه القبيحة لتسقط الأقنعة أرضا وينكشف قبح السرائر وما يضمرون!!