هل ينعى الأردن «وادي عربة»؟

هل ينعى الأردن «وادي عربة»؟
بسام البدارين
إعلامي أردني من أسرة القدس العربي
يبدو أن الحالة الأردنية تشهد صحوة ما وإن تأخرت قليلا عنوانها العريض أن تلك الاتفاقية تحولت اليوم فعلا وحقا إلى مجرد «ورقة» لا تساوي قيمة الحبر المستعمل في طباعتها.
من يتبنى تلك القناعة الآن كتاب وصحافيون مقربون من دوائر القرار وسياسيون ورجال دولة وبلغة أخف قليلا لأسباب مفهومة وزراء حاليون وسابقون وطبعا ودوما مساحات واسعة في العمق الشعبي.
لا آثار بعد الآن وفي ظل إصرار اليمين الإسرائيلي على مواصلة خطه في الإبادة والإرهاب لتلك الورقة التي عاشت لـ 30 عاما ـ قد تكون أنتجت ـ خلالها وما يتبقى الإعلان رسميا عن وفاة عملية السلام وإصدار نعي الاتفاقية والتجهيز وفورا وبدون تلكؤ أو تباطؤ للعودة إلى مرحلة الاشتباك والمواجهة والدفاع الوطني.
العدو عاد عدوا ولم يعد شريكا أو جارا وقراراته وإجراءاته اليومية في فلسطين المحتلة والأغوار وفي القدس تقول وبكل اللهجات إن تبرير بقاء اتفاقية السلام لم يعد حكيما والاسترسال في «الأوهام القديمة» قد يرتقي قريبا إلى مستوى جدع الأنف والتمثيل من شريحة التدجيل.
إسرائيل تخطط لـ«اعتداء على الأردن» من يفتي بالرأي هنا ليس غريبا حاقدا ولا فصيل مقاومة ولا أخا مسلما محظورا ولا قادة حراك شعبي ولا معارضا ولا حتى مواطنا انحرف وانجرف في مشاعره، بل قادة رأي هم أقرب إلى السلطات ومثقفون ورجال دولة وسفراء ووزراء.
ما تبقى أردنيا من «تراجيديا السلام» التي دمرت غزة وسرقت الضفة الغربية وتخطط لـ«تهويد الأغوار» وتصدير أزمة أهل الضفة شرقا هو فقط مجرد أوراق وسفارات لا معنى لها ودبلوماسية مثقلة تبحث عن خيار عند الجهة الوحيدة التي تسمع قليلا اليوم لكنها لا تملك حيلة ولا قدرة على التأثير والمقصود بعض الدول العربية والأوروبية المعتدلة.
حقيقة إسرائيل العدو تطرق أبواب الأردنيين، وكما لم يحصل من قبل 30 عاما من الهراء التفاوضي والسلمي تكاد تنضم إلى المتحف قريبا وأي حديث بمعلبات ماضي وادي عربة مضحك.
في الأردن شعب عنيد وصبور وقادر على تحمل كلفة المواجهة وسيدافع عن ترابه وأرضه وحقوقه ووطنه ومؤسساته بشراسة لا تقل عن صلابة أهل غزة، شريطة أن تحشده الدولة وتحترمه وتصارحه، وأن يعاد الاعتبار للحكومات والبرلمان والأحزاب والدستور وطبقة القادة الوطنيين.
علينا مبكرا كأردنيين واجب التحضير لمواجهة مقبلة لا ريب والواجب الوطني يتطلب الاستعداد وطنيا ـ
وفي الأردن عشائر مسلحة بطبيعتها ورجالها أشاوس ومواقفها القومية العروبية مشرفة إلى جانب مكونات ضخمة من اللاجئين الفلسطينيين أصحاب حق العودة، ويمكن تحويلهم بأي عملية محسوبة ومدروسة إلى سلاح في يد الدولة والناس خلال الاشتباك السياسي على الأقل.
وفي الأردن دولة خبيرة لا بل هي الأكثر خبرة في الكيان الإرهابي المتوحش، لا ينبغي الاستمرار في أي مزاودة عليها مع تيار إسلامي يصرخ من سنوات، وآن أوان المصالحة معه في إطار عودة الجميع إلى الصف الوطني.
شئنا أم أبينا لحظة الحقيقة تطرق بقوة أبواب الأردنيين واتفاقية وادي عربة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد قرأنا مقالات في صحف رسمية تنعاها مؤخرا قبل الدفن وتشييع الجثمان وإعلان الوفاة، فيما عند الطرف الآخر وحليفه الأمريكي لا صرخات تسمع ولا نداءات تنعش ضمانات، وأسوأ الاحتمالات وشيكة أو واردة.
علينا مبكرا كأردنيين واجب التحضير لمواجهة مقبلة لا ريب والواجب الوطني يتطلب الاستعداد وطنيا بعملية خاصة لعدم الخضوع لابتزاز الكيان المحتل المريض السرطاني في ملفي «الغاز والمياه».
واجب النواب والنقابيين والمثقفين بدلا من الإكثار من الثرثرة الوطنية مساعدة الحكومة على البحث عن بدائل منطقية حتى لا يصبح صنبور المياه أو الغاز رصاصة موجهة إلى صدر الأردنيين.
الشعب الأردني عموما جاهزيته واضحة لوضع اليد في يد الشعب الفلسطيني المناضل واللبناني المقاوم والسوري المتألم في خطاب عروبي قومي وجغرافي يعيد تسمية الأرقام وضبط الإعدادات على تواقيت ما سمعناه ليس من مايكروفونات المزاودة على الدولة بل من ألسنة وزراء مختصين في الحكومة.
تنويع العلاقات مع إيران وتركيا وروسيا والعراق والصين تجاوز الحالة المطلبية، وأصبح أقرب إلى احتياج أمني بامتياز والحكومة عليها قرع الجرس أو على الأقل التلويح به.
لا أحد في الشعب الأردني يصفق للحرب وويلاتها، ولكن الجميع يصفق لجاهزية وطنية عنوانها «رد الاعتداء» والدفاع عن مصالح الدولة الأردنية، وفي تلك المساحة ثمة الكثير مما يمكن فعله وفورا وبدون تردد وبعيدا عن الكلف.
الحدود الأردنية مع الوطن المحتل سلاح بحدين عمليا، وفيما يمكن أن يضغط عليها العدو بالسكان والتهجير لابد من إبلاغ الجميع بأن في الأردن أكثر من 4 ملايين لاجئ فلسطيني تواقون للعودة إلى ترابهم بأي وقت وبصرف النظر عن الكلفة والتضحيات عندما يتعلق الأمر بمعركة وجود.
ليست إسرائيل فقط التي يمكنها الضغط على الحدود الأردنية، والعكس صحيح ومتاح وممكن ومؤثر.
وحتى لا نغرق مجددا بأوهام الأمريكيين وبعد إعلان وفاة الاتفاقية إياها تبدأ مرحلة «اجتثاث عقيدة الشراكة مع إسرائيل» من العمق البيروقراطي.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي