إسرائيل في اليمن: ثلاثة مسارات لاستدراك الهزيمة

إسرائيل في اليمن: ثلاثة مسارات لاستدراك الهزيمة
تعمل إسرائيل على 3 مسارات إزاء التهديد الصاوخي اليمني، هي جمع معلومات الاستخبارات وتطوير القدرات الدفاعية، ومحاولة إرغام أميركا على التراجع عن الهدنة مع صنعاء.
تسعى إسرائيل إلى رفع الضرر الناتج من الصواريخ اليمنية التي لا تفتأ تستهدفها، ويُضطر ملايين المستوطنين من جرائها إلى النزول إلى الملاجئ بشكل شبه يومي وفي أوقات مختلفة، بينما تتسبّب في أضرار اقتصادية جسيمة، ولا سيما بعد إعلان معظم شركات الطيران الدولية تعليق رحلاتها إلى «مطار بن غوريون». وفي طريقها إلى ذلك، تعمل إسرائيل على ثلاثة مسارات متوازية، رغم إدراكها أن أي حلول لن تكون حاسمة ضدّ التهديد اليمني واحتمالات تطوّره في المستقبل؛ والمسارات المذكورة هي: تحسين قدرات الدفاع الجوي، تعزيز القدرات الاستخباراتية، والعمل على إرغام واشنطن على التراجع عن وقف إطلاق النار مع اليمن.
على الخط الأول، تتسابق كل من صنعاء وتل أبيب على تطوير التقنيات لمنع الأخرى من امتلاك زمام المبادرة؛ ذلك أن قدرة إسرائيل لا تتيح لها إسقاط الصورايخ إلا قبل وصولها إلى أهدافها بثوان معدودة، وهذا مثبت في مقاطع الفيديو المنشورة، بينما يشتغل اليمن على تحديث صواريخه بالاستفادة من التجارب الميدانية، بما يتيح له تجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية والأميركية، علماً أن الصواريخ اليمنية نجحت في كثير من الحالات في تجاوز تلك المنظومات. وإذ تؤكد صنعاء أن مهمة خبرائها في الوقت الراهن تتركز على تحسين قدرة صواريخها الفرط صوتية، يرى المعلّقون والخبراء في تل أبيب أنه لا يوجد نظام دفاعي مثالي أو كامل، وأن نجاح بضعة صواريخ في بلوغ أهدافها من شأنه أن يسبّب أضراراً جسيمة.
والجدير ذكره، هنا، أن إسرائيل تعتمد على نظام دفاعي متعدّد الطبقات في حماية أجوائها، غير أنها في الحالة اليمنية تستفيد بالأصل من منظومتَي «حيتس» الإسرائيلية و«ثاد» الأميركية، واللتين تعملان خارج الغلاف الجوي، في حين تستثمر في قدرات الولايات المتحدة على الرصد، عبر التزوّد منها بصور أقمار اصطناعية وطائرات مسيّرة خاصة في البحر الأحمر.
وفي المسار الثاني، تكثّف إسرائيل جهودها في جمع المعلومات الاستخباراتية وإنشاء بنك أهداف ذي طابع عسكري، وهو ما تعمل لأجله على مدار الساعة، وفقاً لما أكد مصدر أمني إسرائيلي لموقع «واللا» العبري؛ ولكن الخبراء يقدّرون أن ما عجزت واشنطن عن تحقيقه في هذا المجال رغم قدراتها المتفوّقة، لن يكون في مقدور تل أبيب بلوغه.
التوجّه الأميركي «التسووي» في اليمن بدا مدفوعاً باعتبارات موضوعية
وتدّعي إسرائيل أنه قبل 7 أكتوبر 2023، لم يكن جمع المعلومات الاستخباراتية في اليمن أولوية، وأن التركيز انحصر في «حماس» و«حزب الله» وإيران؛ غير أنه، وفقاً لخبراء في علم الاستخبارات، فإن الفترة الممتدّة من 7 أكتوبر 2023 حتى الآن، تعدّ كافية لإقامة بنك أهداف على المستويات كافة، خصوصاً أن الغرب شارك طوال ثماني سنوات في العدوان على اليمن، الذي استطاع بدوره تفكيك عدد من الشبكات الأميركية والبريطانية.
أما على الخط الثالث، فرغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع اليمن، لاقى استحساناً داخلياً أميركياً، إلا أن ثمة خيبة أمل كبيرة من الاتفاق، عبّرت عنها صحيفة «ذا هيل» الأميركية، التي عكست وجهة النظر الإسرائيلية بوصفها القرار بأنه «مناورة تفوح منها رائحة الخيانة». وكتبت الصحيفة أن «الأمر لا يتعلّق برشاقة ترامب في إعادة التقييم الإستراتيجي، بل بصراحةٍ، برؤيته العالمية القائمة على المعاملات التجارية، بوضوح مؤلم»، مضيفة: «لقد أعلن أن الحوثيين استحقّوا فرصة. بمعنى آخر: لقد صمدوا أمام وابل القصف، واستنفدنا كل الخيارات. لكن ما يُسمى بوقف إطلاق النار هذا يُعدّ بالفعل مثالاً في التناقض. بدايةً، تستثني هذه الهدنة إسرائيل بشكل ملحوظ، وهي حقيقة لم تُزعج تل أبيب فقط، بل كشفت عن شرخ في المحور الأميركي – الإسرائيلي التقليدي».
مع ذلك، فإن التوجّه الأميركي «التسووي» في اليمن بدا مدفوعاً باعتبارات موضوعية، أبرزها التركيز على التهديدات الكبيرة التي تشكّلها الصين، وعلاقات الولايات المتحدة في الإقليم، ولا سيما مع دول الخليج التي ترفض انزلاق المنطقة إلى صراع مفتوح. وهذا ما أكده السفير البريطاني السابق في اليمن، إدموند فيتون – براون، في مقابلة مع «مركز الاتصالات والأبحاث البريطاني – الإسرائيلي» (بيكوم)، حيث قال إن «العلاقة الإسرائيلية – الأميركية وثيقة بشكل لا يُصدق، سواء على المستوى الديبلوماسي، أو على مستوى جماعات الضغط، أو على المستوى الحزبي، أو على المستويين العسكري والاستخباراتي. لذا، من المهم أن نتذكر أن هذه العلاقة مستمرة. وعلى الإسرائيليين أن يدركوا أن للأميركيين مصالح أخرى، مصالح مع السعودية، ومع عُمان، ومع قطر، ومع الإمارات».
وبحسب براون، فإن على الإسرائيليين، «احترام هذه الحقوق. وبالطبع، إذا أرادوا نجاح اتفاقيات أبراهام، وإذا أرادوا ضم السعودية إليها في نهاية المطاف، فعليهم أيضاً احترام الحقوق السعودية وغيرها. وهذا يعني أنهم لن يحصلوا على كل ما يريدون. لكنهم مع ذلك، وطالما استمر الحوثيون في مهاجمتهم، سيشعرون بضرورة الرد». لكن وجهات النظر «التفسيرية» تلك لا تمنع اللوبيات الصهيونية ووسائل الإعلام التي تدور في فلكها في واشنطن، من إطلاق مسعى محموم لإرغام الرئيس الأميركي على التراجع عن قرار وقف النار في اليمن.