لا تفاؤل غربيًّا في نتنياهو… وضرب إيران مغامرة غير محسوبة العواقب

لا تفاؤل غربيًّا في نتنياهو… وضرب إيران مغامرة غير محسوبة العواقب
بقلم رئيس التحرير
في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في الشرق الأوسط على وقع حرب غزة المفتوحة، واشتداد المواجهات الإقليمية غير المباشرة بين إسرائيل ومحور المقاومة، يزداد القلق في العواصم الغربية من المسار الذي يسلكه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط مؤشرات متزايدة على تآكل الثقة الدولية به، وتنامي الشكوك بشأن عقلانية قراراته العسكرية، خصوصًا تلك المتعلقة بإيران.
منذ عودته إلى الحكم على رأس حكومة هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، وجد نتنياهو نفسه محاصرًا بأزمات داخلية خانقة: احتجاجات شعبية متواصلة ضد مشروعه لإضعاف القضاء، انقسام حاد داخل المجتمع الإسرائيلي، ثم حرب مفتوحة في غزة تجاوزت الشهور دون تحقيق نصر حاسم. كل ذلك دفع دوائر القرار الغربية إلى إعادة تقييم “المغامرة السياسية” التي يمثلها نتنياهو، لا بوصفه زعيمًا لإسرائيل فحسب، بل بوصفه عاملاً مقلقًا لاستقرار المنطقة.
وقد تزايدت التحذيرات مؤخرًا من أن نتنياهو، في لحظة مأزومة، قد يدفع نحو ضربة عسكرية ضد إيران، في محاولة للهروب من فشله الداخلي وتوحيد الجبهة الإسرائيلية حول “الخطر الخارجي”. لكن التقديرات الإستراتيجية الغربية، من واشنطن إلى باريس، تعتبر أن مثل هذا التحرك محفوف بالمخاطر، وقد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها.
مغامرة بلا غطاء
واشنطن، رغم دعمها الثابت لأمن إسرائيل، أظهرت تحفظًا واضحًا إزاء أي عمل عسكري أحادي الجانب يستهدف المنشآت النووية الإيرانية. فالإدارة الأميركية تدرك أن أي ضربة من هذا النوع لن تكون محدودة، بل ستفتح على الأغلب أبواب مواجهة شاملة تشمل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وربما استهدافاً مباشراً للقواعد الأميركية في العراق وسوريا والخليج.
وفي أوروبا، تتصاعد الأصوات المحذرة من دفع المنطقة إلى حافة الانفجار، خاصة في ظل تعقيدات الحرب في أوكرانيا والركود الاقتصادي الذي يضرب القارة. عواصم القرار الأوروبي باتت تعتبر أن نتنياهو اليوم ليس شريكًا متزنًا، بل طرفاً متهوراً يجر الجميع إلى مواجهات غير محسوبة.
القضية الفلسطينية في قلب المعادلة
الضربات الإسرائيلية المتواصلة ضد غزة، وما خلفته من دمار إنساني هائل، جعلت من أي تصعيد إقليمي أكثر كلفة على إسرائيل. فالصورة العالمية لتل أبيب باتت في أسوأ حالاتها منذ عقود، ومغامرة ومقامرة نتنياهو ضد إيران بينما الحرب في غزة مشتعلة تفسر في الغرب على أنها تصعيد متهور من طرف فاقد للبوصلة الأخلاقية والسياسية.
وفي المقابل، لا يمكن إغفال أن الاستمرار في استنزاف غزة، وتجاهل القضية الفلسطينية وفتح الحرب على إيران في معادلات الأمن الإقليمي، قد يؤدي بدوره إلى انفجار أوسع، يُعيد خلط الأوراق في الشرق الأوسط ويُضعف محاولات التهدئة أو التحالف ضد إيران.
الحذر سيد الموقف ؟؟ خاصة في دول الخليج العربي ومواقف العديد من دول الاعتدال العربي اذ أن مقاربتهم لتسارع الأحداث بين إيران وإسرائيل تتسم بالحذر الشديد. فدول مثل السعودية والإمارات، التي اختارت مؤخراً الانفتاح على طهران، لا ترى في مغامرة إسرائيلية مع إيران خطوة تخدم استقرار المنطقة. ويكاد يكون الإجماع واضحاً بين العواصم الخليجية على أن التصعيد الإسرائيلي لا يصب في المصلحة المشتركة، لا سيما أن الحرب في غزة خلقت مناخًا إقليميًا هشًا لا يتحمل انفجارات إضافية.
لقد أصبح واضحاً أن ثقة الغرب في نتنياهو تتآكل يوماً بعد يوم. لم يعد يُنظر إليه كرجل دولة حكيم، بل كقائد مأزوم مستعد للمجازفة بمصير بلاده والمنطقة من أجل إنقاذ مستقبله السياسي. وفي هذا السياق، فإن ضرب إيران لن تُقرأ كتحرك دفاعي مشروع، بل كمغامرة خطرة قد تدفع الشرق الأوسط نحو المجهول.
العالم لا يريد حربًا شاملة. وإقدام إسرائيل، على هذا الخيار، فإنها وحتما ونتيجة للتداعيات ستجد نفسها بلا غطاء سياسي أو أخلاقي، وربما أيضاً بلا حلفاء حقيقيين.