صواريخ «أنصار الله» والسردية الإسرائيلية لنفوذ إيران

صواريخ «أنصار الله» والسردية الإسرائيلية لنفوذ إيران
أحمد الأغبري
صنعاء ـ مَن قرأ بيانات الخامنئي والسيستاني وحزب الله و«أنصار الله»، الجمعة؛ فجميعها أدانت العدوان الإسرائيلي على إيران، وأكدت حقها في الرد المشروع؛ لكنها لم تشر ولو بكلمة لمحور المقاومة، أو استعداد أي طرف للمشاركة في الرد الإيراني.
مما نفهمه في ذلك، هو أن المحور فقد فاعليته ومحوريته مع استهداف هنية في طهران وحسن نصر الله في بيروت وعجز طهران عن تنفيذ رد حقيقي يزرع الخوف في إسرائيل من تكرار العدوان عليها. تمادي تل أبيب في استهداف السيادة الإيرانية يؤكد، بلاشك، مدى استخفاف إسرائيل برد طهران، كما أنه في الوقت ذاته يؤكد مدى تخوفها من امتلاك إيران قوة نووية.
بدون مواربة، كشفت نتائج الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران مدى ضعف طهران الأمني، وعجزها عن توفير حماية كافية لقادتها وعلمائها، وفي ذات الوقت عجزها عن امتلاك منظومة دفاع جوي قادرة على مواجهة القدرات الهجومية الإسرائيلية؛ وهو أمر تدركه إسرائيل، ويدفعها للتطاول أكثر، في كل مرة، على إيران.
ما يتعلق بحركة «أنصار الله» اليمنية؛ فقد تكون الحركة الوحيدة في محور المقاومة التي ما زالت أكثر تماسكًا وقوة، وخاصة في ضبط ايقاعها الأمني والعسكري؛ وبالتالي فقد عجزت واشنطن وتل أبيب عن تحقيق أي اختراق في قوامها ومنظومتها؛ ولهذا تستمر صواريخها منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 في استهداف العمق الإسرائيلي؛ ولم تتمكن إسرائيل من فعل أي شيء يوقف تلك الصواريخ؛ بصرف النظر عن فاعليتها؛ وإن كانت فاعليتها أكبر من وصولها لهدف وتدميره؛ فعجز إسرائيل عن ايقافها، وبقاءها في حالة قلق، وتشغيل متواتر لمنظومة دفاعها الجوي، مع استمرار هروب الملايين من سكانها إلى الملاجئ بشكل شبه يومي يدفع بقراءة أخرى لفاعلية هذه الصواريخ؛ خصوصًا وهي تقدم فصلًا جديدًا من فصول الصراع العربي الإسرائيلي لم يتكرر منذ حرب 1967.
إزاء العدوان الإسرائيلي على إيران؛ أدانت حركة «أنصار الله» في أكثر من بيان، الجمعة، هذا العدوان؛ بدءًا من المجلس السياسي الأعلى (وهو أعلى مستوى صناعة قرار في سلطة الحركة)، الذي أكد في بيانه «على حق إيران في الرد الرادع على العدوان الأرعن الذي مارسه كيان العدو الصهيوني». وقال «نقف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة في حقها المشروع للرد على العدوان عليها».
كما شدد على «أن العربدة الصهيونية في المنطقة يجب أن تتوقف إلى الأبد»، مؤكدًا أن «العدوان الصهيوني السافر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية يأتي في سياق مواقفها المشرفة والداعمة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية العادلة».
وكذلك المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» فقد أكد في بيان «حق إيران الكامل والمشروع في الرد بكل الوسائل الممكنة».
وقال «إن كيان العدو الإسرائيلي بعدوانه السافر هذا، يؤكد مدى خطورته على أمن واستقرار المنطقة، وأنه كيانٌ عدوانيٌ لا يهدد فلسطين أو دول الجوار بل هو خطر على الأمة بأسرها».
وأشار البيان إلى «أن ما يدّعيه حول البرنامج النووي الإيراني لا أساس له من الصحة، وليس له الحق أن يكون شرطي المنطقة يقرّر عنها ما تريد أن تفعل، وهو الكيان المدجج بأسلحة نووية وبعدوانية قد تسببت في إزهاق أرواح عشرات الآلاف في فلسطين ولبنان وسواهما من البلدان العربية».
حتى على مستوى قيادات الحركة؛ فعضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي؛ كتب في «تدوينة» معزيًا «القيادة الإيرانية في الشهداء الذين تم استهدافهم من قبل العدو الإسرائيلي»، مدينًا «الهجمات الإرهابية والعدوان على جمهورية إيران المستقلة»، مؤكدًا «أن هذه الضربات من العدو الصهيوني دليل على همجية هذا العدو وإرهابه، وأنه يتربص بالجميع، ولا شرعية له بالاعتداء على الآخرين».
وكان رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، قد صرح الخميس، مؤكدًا على «الحق الكامل لإيران في الدفاع عن سيادتها بكل الطرق المشروعة ونقف مع هذا الحق»، مدينًا ما اعتبرها «لغة التهديد الأمريكية ضد إيران».
وكانت حكومة «أنصار الله» ووزارة الخارجية قد أصدرتا بيانين منفصلين أدانا فيها العدوان الإسرائيلي على إيران، مؤكدين على حق إيران في الدفاع عن نفسها والرد على الهجوم. كذلك توالت البيانات من مجلسي النواب والشورى في سلطة «أنصار الله» وعدد من الأحزاب في مناطق سيطرة الحركة.
عودًا على بدء نسأل: هل يمكن لـ «أنصار الله» أن تهاجم إسرائيل ضمن الرد الإيراني؟ والجواب لا، لن يتم ذلك؛ لأنها لم تعلن عن ذلك في بياناتها ذات الصلة؛ علاوة أن خطابها السياسي في الشهور الأخيرة لم يعد يحفل كثيرًا بكلمتي (محور المقاومة)، على الرغم من تمسك الحركة بالمحور؛ كإطار تنتظم فيه حركات المقاومة في المنطقة؛ إلا أن حديثها باسمه لم يعد واردًا كما كان سابقًا، وهي في هذا السياق تكرس حضورها كجبهة إسناد يمنية لغزة؛ وتؤكد دائمًا أن هجماتها ستستمر طالما استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي قراءة هذه الجزئية بعض من التعقيد؛ إلا أنه يمكن اختزال التوضيح في القول إن الحركة تحرص على أن تقدّم نفسها مستقلة في قرارها، بما في ذلك إسنادها لغزة؛ وهو ما سبق وأكدته إيران في أكثر من مناسبة، على الرغم من دور إيران في تطوير الماكينة التسليحية للحركة؛ إلا أن الأخيرة باتت حاليًا أكثر استقلالًا في علاقتها بسلاحها ومهامها.
كما أن هناك بُعدا سياسيا «حساسا» في عدم إعلانها المشاركة في الهجوم مع إيران؛ إذ سيكون إعلانها لذلك تعزيزًا وتصديقًا للسردية الإسرائيلية، التي تحاول فرضها إزاء مهمة صواريخ «أنصار الله»، التي باتت تستهدف إسرائيل بشكل شبه يومي؛ وفي المقابل تصدّر إسرائيل سرديتها في هذا الشأن، على اعتبار أن صراعها مع «أنصار الله» هو صراع مع النفوذ الإيراني في المنطقة، وليس في سياق الصراع العربي الإسرائيلي التي تحرص إسرائيل على دفنه، وعدم بعثه للحياة مجددًا في الوعي العربي؛ بينما تحرص «أنصار الله» على أن تقدّم سردية عربية لأهدافها، منطلقة، في ذلك، من المظلومية الفلسطينية، التي باتت غزة عنوانًا عريضًا لها؛ ولهذا تؤكد في كل مرة، أن هجماتها مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
تقول سردية صواريخ «أنصار الله» إنها لا تمثل النفوذ الإيراني، بقدر ما تعبر عن الغضب العربي والإسلامي إزاء ما يعانيه الفلسطينيون في غزة، وفي كل الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وهو ما ترفضه إسرائيل، وتحرص، في المقابل، على تصدير سرديتها الخاصة؛ لأن إسرائيل تدرك لو خسرت سرديتها؛ فستحضر سردية الصواريخ نفسها؛ وهذه السردية ستكون، حينها، قد كسرت حاجز الصمت العربي، ومنحت المحيط العربي بصيص أمل بإمكان مواجهة إسرائيل، وأن صورة الجيش الإسرائيلي ليست كما تم تسويقها طوال عقود من السنوات؛ وقبل ذلك فإن هذه الصواريخ بتحررها من السردية الإسرائيلية، قد أسقطت الحاجز النفسي لدى الشارع العربي والإسلامي بأن بإمكانه أن يقول لإسرائيل لا، وأن يواجه هيمنتها في المنطقة، وقبل هذا وذاك فإن هناك من يستطيع أن يواجهها، ويجعل الملايين من سكانها في حالة خوف يومي من استهداف صاروخي متوقع في أي لحظة.
مما سبق؛ تحرص إسرائيل أن تكرّس سرديتها، التي تقول فيها إن مشكلتها مع إيران وليست من العرب، وأنه لا يوجد من العرب من يجرؤ على مواجهتها واستهدافها؛ وبالتالي نفهم أن هذه السردية الإسرائيلية خطيرة جدًا، ومحاولة صواريخ «أنصار الله» نسفها مهمة جدًا.
نقول هنا إن «أنصار الله» لن يهاجموا دفاعًا عن إيران بقدر ما سيتمسكون بسرديتهم الدفاعية عن كرامة الأمة في غزة وفلسطين؛ وهي سردية ستعود على الحركة بالفائدة، وقبل ذلك ستسقط سردية إسرائيل، وتُعيد الاعتبار لوعي الأمة في علاقتها بالصراع العربي الإسرائيلي.
«القدس العربي»: