مقالات
الامتحان الايراني الاسرائيلي: مرحلة السؤال الأول بقلم الدكتور وليد عبد الحي

الامتحان الايراني الاسرائيلي: مرحلة السؤال الأول
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
ما الذي حصده المتصارعان من معركتهما الدائرة ؟ لا شك ان سرد النتائج يجب ان يضع في الاعتبار ان الامر يشبه الطالب الذي يجيب على ورقة الاسئلة،فهو لا يدري كم سيُفلح في الاجابة على الاسئلة المتبقية بعد أن انتهى من اجابة السؤال الاول، ويبدو ان الاجابة الاسرائيلية كانت كالتالي:
أولا: المكاسب الاسرائيلية:
أ- تغييب نسبي وغير قليل لصورة المآساة الغزية عن التداول الاعلامي او اللقاءات الدولية او التظاهرات الشعبية الناقدة وبقوة لاسرائيل ،وهو امر تراه القيادة الاسرائيلية مكسبا ضروريا دون مبالغة .
ب- تخفيف التوتر في الشارع الاسرائيلي ضد الحكومة الى جانب عودة التكاتف بين الحكومة والمعارضة(فلا مكان بينهم للشماتة فيما بينهم إذا كان الامر له طبيعة استراتيجية)، ولعل التصريحات المتتابعة يمينا ويسارا من الشارع السياسي الاسرائيلي تعزز هذا الاتجاه ولو لحظيا.
ت- تعميق الشعور لدى القيادات والنخب الاسرائيلية بان درجة التزام المطبعين العرب بواجباتهم تجاه اسرائيل اعلى مما تخوف منه قطاع من القيادة والنخبة الصهيونية ، بخاصة ان اسرائيل لا تولي اي وزن-وهي على حق في ذلك- لأي تنديد عربي يقع في خانة دبلوماسية الاسفنجة، فحتى الالتزام العربي بالتطبيع فاق التوقع الاسرائيلي بل ان بعض الدول زادت مشترياتها من السلاح الاسرائيلي او زاد حجم تجارتها معها.
ث- تعزيز الثقة في جهاز الاسخبارات الاسرائيلي الداخلي والخارجي ، فبعد هزة طوفان الاقصى “استخباراتيا” ، تمكنت اسرائيل من اغتيال سلسلة من قادة المقاومة ثم اتبعتها باغتيالات لحوالي عشرين قياديا ايرانيا من الصف الاول العسكري والسياسي والعلمي الايراني، وهو امر نوهت له مراكز الدراسات الاسرائيلية وعززت اعادة الثقة باجهزتهم الامنية ،بل تم طرح السؤال التالي:، إذا كان الاختراق في ايران بهذا المستوى فما هو حجم الاختراق في دول ” الغربال “.
ج- امتصاص بعض الحنق الاوروبي مؤخرا بخاصة البريطاني والفرنسي ،إذ وعد هؤلاء بمساندة اسرائيل إذا اتسعت المعركة ، وهو ” تخفيف “للزخم الذي لاح في افق الدبلوماسية الاوروبية” معارضا لبعض التصرفات الاسرائيلية ، وهو مكسب نسبي وفي حدود.
ح- ايقاع قدر من الخسائر في ايران، لكن من المبكر تقدير حجمها وتداعياتها الاستراتيجية على الامكانيات الايرانية.
مقابل ذلك ، عانت اسرائيل من نتائج لا يجوز تجاوزها (حتى الآن ،فنحن ما زلنا في السؤال الأول من الامتحان):
1- ارتفاع درجة الاحباط في الشارع الاسرائيلي من اكتشاف القدرة الايرانية على امتصاص “اللكمة القاسية الاولى” والعودة للمبادرة ،وإدارة الضربات بمستويات نجاح لم تعهدها اسرائيل بخاصة الوصول الى مرافق حساسة بدءا من المصافي الى معهد وايزمن الى المرافق الاخرى العسكرية والمدنية، فهل خزانات الامونيا في ميناء حيفا ستكون هدفا، او بعض مرافق ديمونا؟؟؟اسئلة تلوح في الذهن.
2- تزايد التراجع بين القيادات الاسرائيلية (الخشنة والناعمة) بان اجبار ايران على التخلي عن برنامجها النووي عبرالتفاوض او عبر ممارسة القوة الخشنة امر ممكن، فقد توالت تصريحات العديد من الخبراء الاسرائيليين بل والغربيين بأن انكفاء ايران عن برنامجها النووي وتحديدا مرحلة التخصيب لا يبدو امرا متاحا.
3- اتضح للمراقبين الاسرائيليين من النخب الفكرية أن المعارضة الايرانية لها حدود متواضعة وبمستوى اقل مما ظنته وراهنت عليه بعض النخب الاسرائيلية، ولعل تحريض نيتنياهو للشارع الايراني وعدم الالتفات من المجتمع الايراني لتحريضه كشف ضرورة ” عدم المغالاة ” في ذلك ، بل ان النظام الايراني رفع بعض القيود في حمى المعركة عن بعض ابرز قادة المعارضة بخاصة من التيار الاصلاحي مثل مهدي كروبي والوعد بمزيد من التسهيلات لمير حسين موسوي ، وهما قطبا المعارضة الرسمية ، ولعل ذلك يجعل فكرة تغيير النظام فكرة ليست واعدةعلى الأقل في المدى الزمني المباشر .
4- تنامي القلق من القوى الاقتصادية الدولية المختلفة من أن التصاعد قد يرفع اسعار البترول الى حدود قياسية، ولعل التلويح الايراني باغلاق مضيق هرمز يعني تكاليف لا تطاق على الخزائن الاوروبية والصينية وجيب المستهلك الامريكي، وتُحمل القوى المتضررة من هذا الارتفاع اسرائيل المسؤولية الاولى عنه.
5- ان حجم الخسائر البشرية والمادية والمعنوية في اسرائيل تفوق كل ما اطلعت عليه من تقديرات اسرائيلية قبل نشوب المعركة الحالية ، وتعزيز الشعور بان الخريطة الاسرائيلية للبنية العسكرية والصناعية والعلمية ليست غائبة عن رادرات التخطيط الايراني.
6- لم ينجح نيتنياهو في جر امريكا للانخراط في المعركة خارج نطاق الدعم اللوجستي، بل إن تصريحات ترامب والرئيس الروسي بوتين توحي ان السعي منهما للجم المواجهة ارجح من السعي لتوسيعها ، فقد تدوم مدة اطول زمنيا ،لكنهما اميل للتنسيق بينهما باتجاه عدم تجاوز نطاقها الجغرافي الحالي.
7- ثمة تقديرات مستقبلية يتوجسها بعض الخبراء الاسرائيليين(ولكن دون مبالغة) وهي ان عمق الانكشاف العربي الرسمي (استمرار التطبيع والحفاظ على العلاقة مع اسرائيل والالتزام بالتبعية للقيادة المركزية للقوات الامريكية ) يزيد ولو بهدوء من الحنق والاحتقان الشعبي العربي على النظم الرسمية ،وهو امر قد يصل الى حد الاضطراب في دول مركزية ، مما قد يغير المشهد كليا او جزئيا باتجاه العودة الى النزوع الصراعي ضد اسرائيل.
8- ان الأداء الإيراني حتى الآن بدأ يوثر ايجابيا على صورة إيران السلبية في ” بعض” الذهن العربي، بل جعل النقاش لصالح إيران في المناقشات العامة العربية يحرج خصوم إيران أكثر فأكثر، وهو امر يفسد على اسرائيل وبعض الغرائزيين العرب حجتهم.
اخيرا ليس هناك من معركة في التاريخ فيها مكسب مطلق ، لكن الحكم هو على التناسب بين حجم المكاسب وحجم الخسائر، مع عدم التسرع في الحكم لأننا ما زلنا عند السؤال الأول في هذا الامتحان..ربما.