مقالات

ما هو جوهر الصراع بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

ما هو جوهر الصراع
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
سأل صحفي نائب الرئيس الأمريكي هاري ترومان (الرئيس لاحقاً) عن الحرب بين النازي الهتلري/ السوفيتي فرد بإجابة لا تخلو من الصراحة ” إذا قتل النازيون السوفيت، فهذا حسن، وإذا قتل السوفيت مزيدا من النازيين فهذا حسن أيضاً “
أما في الواقع، فقد كان الأمريكيون والسوفيت حلفاء يقاتلون معاً “العدو النازي” ولكنهم بنفس الوقت كانوا خصوماً الداء، ولكن عليهما العمل المشترك لكي لا يقع العالم بين أيدي النازية المخيفة، ولكن العداء والخصومة بينهما كان تتواصل وتبقى تحت الرماد ساخنة تعبر عنها بأشكال عديدة ومنها تصريح هاري ترومان أعلى المقال.
وفي واقع ووقائع الحرب، كان الاتحاد السوفيتي يتحمل وزر الهجمات وعنف المعارك الدموية الهائلة في لينينغراد وستالينغراد، والقرم، وقوس كورسك، ولم يستجب الحلفاء الغربيون لمناشدات ستالين للقيادات الغربية/ الحلفاء، أن يفتحوا جبهات أخرى أو مشاغلة الجيوش الهتلرية ليخففوا الضغط الذي تتعرض له الجبهة السوفيتية، ولكن الحلفاء الغربيين صنعوا أذناً من طين وأخرى من العجين، ولم يلبوا طلب السوفيت ولو بهجمات شكلية، بل تركوا النازيين يقتلون ويدمرون ويسحقون، ويبدو أن هذا كان ما يريدونه حقاً،
الحلفاء الغربيون كانوا يدركون أنها آخر في الجعبة الهتلرية، وأنهم سينكسرون أمام السوفيت، حسناً فليفعل السوفيت ذلك، ولكنهم سيفعلوها وهو متعبون مرهقون وفي آخر أنفاسهم، آنذاك ستتقدم الجيوش العربية بسهولة لتواجه جيوش هتلرية مرهقة تعاني من النقص في كل شيئ: الرجال والعتاد والوقود، والروس في موقف المتعب الضعيف، فلا يستطيع إملاء ما يريد. وبذلك سوف يتسيدون الموقف العسكري، والسياسي تالياً.
هذه هي السياسة، ولذلك فصلها ميكافيلي ومونتسكيو عن الاخلاق، فعندما تزمجر المدافع سيسقط أطفال ونساء وشيوخ وتدمر المدن أكثر من الجنود، ولذلك هي عملية لا أخلاقية منذ اللحظة الأولى، إذن لا داعي للتحدث عن الحلال والحرام في المذبحة. الحديث يدور فقط عن المصالح الوطنية والقومية لا غير.
أجد أن هذه المقدمة ضرورية رغم أنها استطالت لنصف صفحة، لكي أقول أن معظم ما قيل وما شوهد وقرأ في وسائل الاعلام عن الصراع الإيراني / الاسرائيلي، لا تتحدث عن المصالح، بل عن فورات وصواعق عاطفية، والتذكير بالانتماءات المشتركة(الاسلام) وهي الغائبة منذ عام 1979 وليومنا هذا، بل أن مشعلوا الحرائق أنفسهم يدعون أنهم آله المحبة ومندوبي المديرية العامة للمطافئ… ويبشرون بفلسفة الإخاء والمحبة. رغم أننا نعلم تمام العلم، هذا كلام تذروه الرياح بنسمة هواء لا بالإعصار الذي نشهده اليوم، ومع ذلك فلنحاول الحديث بهدوء ووفق حسابات سياسية عقلانية.
سأقول لمندوبي المطافئ (يؤسفني أن أطلق هذه التسمية، ففي الواقع هم وكلاء)، أنتم أشعلتم بهدفكم تصدير الثورة(وفق مخطط تفصيلي) منذ عام 1979 نيران حروب طائفية / عرقية وشعارات تحرق أمما وشعوبا ودول كاملة، وكان هذا مناسباً ومتفقاً بالضبط لأهداف صهيونية/ أمبريالية، وقد قيل لكم الكثير ونصحتكم قوى كثيرة من كل أرجاء العالم، وناشدوكم بالعلم والفلسفة أن: بوسعكم (وهذا سهل للغاية بوسع أي طفل أحمق فعله) أن يمسك بعود ثقاب ويشعل النار في الحقل، ومنطقتنا حافلة بأسباب الحرائق، ومنتجاتها، ولكن هل سيكون بوسعك إطفاء الحريق الذي أشعلته بنفسك..؟
لغة الحديث في المؤتمرات الدولية ولا سيما المتعددة الأطراف، لغة بعيدة عن التهديد وفرض الأمر الواقع، وقبول مبدأ لا يقبل بمكاسب العدوان وسياسات التوسع .
ماهي الخصائص المميزة لهذا الصراع ..؟
1. أهم ما يميز هذه للحرب الإيرانية/الاسرائيلية التي يمكن وصفها بالحرب البالستية (العابرة) أنها تدور بين طرفين تفصل بينهما دولتان(الأردن والعراق)، غير مشتركات رسميا بالصراع، وبالتالي وبينهما أكثر من 2000 كم، فأن احتمال التماس المباشر بالقوات المسلحة على الأرض بين أطرف النزاع مستبعداً بدرجة كبيرة.
2. مالم تستخدم الأسلحة الكتلوية / النووية، فإن الموقف سيراوح محله ويتمثل بالقصف الصاروخي المتبادل، وستلحق بمرافق العسكرية والمدنية والصناعية خسائر، تتفاوت قدرة الطرفين على احتمالها، وخسائر مدنية محدودة بفعل وسائط الدفاع المدني المتقدمة، وفي إجلاء السكان المدنيين.
3. تطرح الاحتمالات المختلفة، احتمالات لسحب أطراف أخرى: الولايات المتحدة، تركيا، الباكستان، وهي احتمالات مدروسة مسبقاً، وجاري الاستعداد لها من فرقاء الصراع حتى قبل نشوب الصراع المسلح. وظهرت مؤشرات حقيقية لها.
4. من المرجح أن لا تشهد نهاية الحرب هزيمة مطلقة، ولا نصر مطلق، إذ تنشط الوساطات والجهود الحثيثة لإيقاف الحرب، والطرفان سيبيدان حسن الانصات لمشاريع الحلول السياسية.
وفق مبدأ لا غالب ولا مغلوب ولكن مع حلول تحقق الأمن والسلامة لجميع دول المنطقة، في معاهدة سلام ترسخ هذه المبادئ، مضمونة دولياً.
5. قبول الدولتان للوساطة، يشير أن الطرفان يدركان أن لا نهاية حاسمة للصراع بالصواريخ البالستية والدرونات (المسيرات) والأهداف السياسية يمكن التوصل لها عبر المفاوضات.
6. ستهدف جهود الوساطة من أجل السلام إلى عقد اتفاقية أمن وسلام محتملة، والاتفاقية تستبعد احتمال نشوب صراعات مماثلة أو مشابهة مستقبلية وتثبيت مبادئ رئيسية، تتمثل في إشاعة السلم وأجواء التعاون السياسي والاقتصادي الدولي في المنطقة ونبذ الحروب، والصراعات المسلحة، وهذا يستدعي تعاوناً دولياً واسعاً، والامتناع بدرجة حاسمة عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، وأن يسري هذا التفاهم على جميع البلدان.
7. وهذه الفقرة ستمثل نهاية لمبدأ تصدير الثورة ونظام ولاية الفقيه الإيرانية. وبنفس الوقت ستنهي الحروب الصهيونية الدورية المتكررة في بلدان المنطقة.
8. ضرورة أن تتوصل كافة البلدان إلى أتفاق تحت إشراف الأمم المتحدة وبضمانة مجلس الأمن الدولي، بتحريم صناعة وإنتاج الأسلحة النووية/ الكتلوية، وأسلحة الدمار الشامل، والقذائف البالستية. فوجودها لدى طرف، سيقود إلى انتشار تصنيعها وحيازتها.
9. احترام الحدود الدولية للبلدان، واعتبارها نهائية، وحل مشكلات الحدود بالوسائل الدبلوماسية والتحكيم الدولي.
10. إنهاء التدخلات غير الشرعية والمخالفة للقوانين، والاتفاقات، وتصحيح ما أسفرت عنه : التوسع الناجم عن الحروب كمكاسب، والتطبيق التام للمقررات الدولية.
11. يحتمل أن يقود الصراع كنتيجة محتملة أو شبه محتملة إلى تغيير نظام حكم الملالي، بفعل تحرك شعبي يقود في مرحلة أخرى إلى تغيير النظام.
12. رغم وجود مقدمات سياسية لتقسيم إيران، إلا أن المرجح أن تواصل الدولة الإيرانية ضرورة وجودها ككيان لمعادلات جيوسياسبة وتوازنات إقليمية. ولكن في حال تفاقم العمليات الحربية، أو حدوث معطيات حرب أهلية داخلية في إيران، وهذه تطرح نتائج جديدة على الأرض، قد يقود لهذه النتيجة.
بتقديري هذا كشف أولي لما يستحقه أي بحث سلمي يراد منه استبعاد الصراعات المسلحة والحروب، وهو شرط أساس لسلم مستدام يتيح الفرصة التاريخية لشعوب المنطقة في التطلع نحو مستقبل مزدهر، والاستفادة من الخيرات والقدرات الاقتصادية، من أجل التنمية، في استبعاد نهائي للحروب ونتائجها سواء في التدمير أو في فرض الأمر الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب