مقالات

أيها العرب لا تكونوا راعي بني نُمير… فترون العجب!

أيها العرب لا تكونوا راعي بني نُمير… فترون العجب!
بقلم: عبدالناصر عليوي العبيدي

في صفحات التاريخ العربي، دروس لا تنتهي، وعِبَر تتكرر كلما ظنّ الناس أن الزمان قد تغيّر، وما هو بمتغيّر. من تلك الدروس الموجعة، حكاية الراعي النُميري، الغلام الأحمق الذي جلب العار لقومه بني نُمير، فكان سببًا في تردّيهم، وسخريّةً يلوكها الأدب العربي حتى اليوم.

كان الراعي لا يملك من العير والنفير إلا قطميرًا، ولا من الفطنة والعقل إلا ما يؤهّله ليكون قرادةً في أذن بعير. ومع ذلك، اندفع بكل حمقه، وتدخل فيما لا يعنيه، وجعل نفسه رأس حربة في معركة شعرية شرسة بين جرير والفرزدق، فانحاز إلى الفرزدق، وهاجم جريرًا ظنًّا منه أنه فارس المعركة، فصعقه جرير ببيت واحد نسف تاريخه، وأذلّ قبيلته:

فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِن نُمَيْرٍ
فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا

لم يُصب جرير الراعي وحده، بل أصاب بني نُمير جميعًا، حتى أصبحوا يُذكرون على سبيل الهزء، لا الفخر، ومات ذكرهم في ميادين العز، وصاروا عبرة لمن يتكلم في غير وقته، أو ينخرط في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.

العبرة الأولى: لا تكن راعي نُمير في معركة الأمم

ويا أيها العرب اليوم، أما آن لكم أن تفهموا أن في كل معركة كبرى، راعي نُمير جديد؟! يغترّ بالحماسة، ويستفزّه صهيل الشعارات، فيقف حيث لا يجب، ويصطف مع طرف لا يرى فيه إلا سراب نصر كاذب، ثم لا يلبث أن يُرمى هو وقومه في مجاهل التاريخ!

إن المعركة اليوم بين مشروعين طامعين:

  • مشروع الكيان الصهيوني، الغاصب الجاثم على صدر فلسطين منذ أكثر من ثمانية عقود، والذي لم يكتفِ باغتصاب الأرض، بل يسعى اليوم للتوسع، والهيمنة، والتطبيع الكامل مع المحيط العربي، متسلحًا بالدعم الغربي المطلق.
  • ومشروع الملالي في إيران، الذي رُفعت شعاراته البراقة لتحرير القدس، بينما حرّر الضغينة، وصدّر الموت والخراب إلى كل قطر عربي، بدءًا من بغداد، وليس انتهاءً بدمشق وصنعاء.

من يغذي الصراع؟ حلفاء العدو وحماة الكذبة

لنعترف، ونحن متجردون من العواطف والخرافات، أن الكيان الصهيوني ما كان ليستمر لولا زرعه من قِبل قوى الاستكبار العالمي. فمن الذي اعترف به أولًا؟ ليست أمريكا، بل الاتحاد السوفياتي، ومعه دول كثيرة قيل إنها مناصرة للمظلومين. ثم جاءت روسيا البوتينية، التي يزعم بعض “الطوباويين” العرب أنها تسعى إلى عالم متوازن متعدد الأقطاب، فإذا بها تحرق سوريا وتختبر أسلحتها على الشعب الأعزل، بينما تمنح الطيران الصهيوني حرية مطلقة في سماء دمشق، ليضرب ما يشاء وقت ما يشاء.

ومن الذي أوهم العرب بانتصارات زائفة، ألبسهم الهزيمة ورداء النكسة؟ حكومات الاستبداد التي كانت تهتف “إلى البحر”، فإذا بنا نحن من يُلقى في البحر… بحر المخيمات، والشتات، والذل!

وها هو نزار قباني يلخص المشهد في قوله:

“الأنبياء الكاذبون يقرفصون على الشعوب، ولا رسالة.
لو أنهم من نصف قرن حرروا زيتونة أو برتقالة.”

ومن إيران جاء البلاء… باسم القدس!

فلننتقل إلى الطرف الآخر، الطرف الذي أهدته نفس قوى الاستكبار العالمي الأحواز العربية، ذات السبعة أضعاف مساحة فلسطين، على طبق من ذهب! فصارت إيران دولة قائمة على احتلالٍ صامت، ثم ثورةٍ مُعلبة من الخارج، جُعل لها وجه الخميني، لكنها صُنعَت بإخراج من رأى في الشاه خطراً، فأتى بخليفة جديد أكثر شراسة.

قالوا لنا إن الخميني سيحرر القدس، لكنه صرح منذ اللحظة الأولى:

“طريق القدس يمر بمكة!”

فهل سمعتم أعجب من هذا؟
إنه طريق لاحتلال الكعبة قبل القدس!
لكن العرب، كالعادة، يغنون إذا سمعوا شعارات، ويرقصون إن خُدِعوا باسم المقاومة.

العراق… جدار العروبة الذي هدموه

عندما بدأت الثورة المزعومة، كان العراق، بحضارته وعروبته، سدًّا في وجه المد الصفوي. فبدأت إيران بشن الحرب عليه. وحين يُقال إن العراق هو من بدأ، فهذه كذبة تاريخية يرددها “الزبابيك”—وهو المصطلح العراقي لمن يعترض بلا فهم ولا وعي.

الدلائل كثيرة، من “إيران غيت” إلى الطائرات المليئة بالسلاح للخميني، إلى الصمت الدولي المطبق على جرائم الميليشيات الإيرانية، بل الدعم الضمني لها.

ثم، لما خرج العراق منتصرًا، كانت العقوبة من الاستكبار قاسية:
غزو أمريكي، بمباركة إيرانية، وسكوت عربي مريب.

وكانت فتوى آية الله العظمى محرر القدس تقول:

“حرام الدفاع عن العراق.”
لكن حلال تقديم سيف الإمام علي لبول بريمر!

فأين القدس؟
لقد رأينا ميليشيات محرري القدس تفتك بالفلسطينيين في العراق، تُصادر أموالهم، تُهجرهم، وتتركهم نهشًا للضباع في صحراء الريشة.

ثم جاء دور الشام… مذبحة العصر

بعد العراق، جاء دور الشام. تلك الشام التي كانت دومًا بوابة الفتح، صارت مسرحًا للذبح. كل من فيها من أحرار العرب حُوصر، وقُتل، وهُجر، وذُبح على مرأى من الأمم. لا لذنب إلا لأنه لم يقبل أن يكون خادمًا في بلاط كسرى الجديد، ولا أن يُساق مع الميليشيات كما سِيق النعمان بن المنذر!

لكن العاقبة للحق، فقد شاء الله أن يتحول محور الشر إلى دوائر يأكل بعضها بعضًا.
روسيا تغوص في مستنقع دماء،
إيران تُنزف في أطرافها،
وإسرائيل ترتعد من زوال تفوقها.

ماذا لو انتصر أحد الطرفين؟

لو انتصرت إسرائيل؟
لن يكون جديدًا، لكنها لا تملك مقومات السيطرة الكاملة، فهي كيان صغير في بحر عربي واسع، محاط برفض فطري لا يُقهر.

لكن إن انتصرت إيران؟
فهنا الكارثة…
ستبتلع الأمة، من المحيط إلى الخليج، بفضل خلاياها السرطانية التي تغذيها في أجساد العرب، وتُميت أبناءهم لأجل قائد من “قم” أو “طهران”. تلك الخلايا التي تُنبت كما تنبت الفطريات السامة متى وجدت تربة خصبة من الجهل أو الخيانة.

إذن، ما الحل؟

الحل يا عرب، ألا تكونوا رُعاة بني نُمير!
لا تنجروا خلف صراعات لا تمثلنا،
لا تصفقوا لجرائم ترتدي قناع المقاومة،
لا تهتفوا تحت رايات أعداء الأمة.

بل يجب أن تكون لنا مصلحة عليا عربية واحدة، نرفض كل من يعبث بأرضنا، باسم التطبيع أو التشيّع.

بل يجب أن تُسنّ قوانين عربية صارمة تجرّم كل تمجيد للطغيان، أكان صهيونيًا أم صفويًا،  مجرم يُحاكم لا مُصفقًا يُكرّم.

في الختام:

يا عرب، إن تهتم اليوم، فسوف تُصبّ عليكم كؤوس العار كما صُبّت على بني نُمير.

وإن طربتم للشعارات، فاعلموا أن الراعي النميري لم يكن سوى طفل يلهو بين الجبابرة
فانتهى وقد جرّ قومه إلى حفرة التاريخ، وما خرجوا منها إلى اليوم.

فلا تكونوا راعي بني نُمير… فتَرَوا العجب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب