تعقّد حسابات إسرائيل: الرهان على «سايغون» إيرانية يتبدّد

تعقّد حسابات إسرائيل: الرهان على «سايغون» إيرانية يتبدّد
تفيد المؤشرات حول العداون على إيران بأن الأمور لن تقود إلى إعادة ترتيب سريع أو سهل في المنطقة، وأن ما يجري هو مواجهة معقّدة، لا تُحسم بالضربات الجوية.
يحيى دبوق
لا يُتوقّع أن تشهد الحرب الإسرائيلية المدعومة أميركياً ضد إيران «لحظة سايغون» كما حدث عام 1975 في فيتنام، أو كما شهدناه عام 2003 في العراق.
ذلك أن الوضع اليوم مختلف تماماً، والرهان على انهيار الجمهورية الإسلامية أو فرض واقع سياسي شامل نتيجة للحرب الحالية، هو رهان غير واقعي، حيث تفيد كل المؤشرات بأن الأمور لن تقود إلى إعادة ترتيب سريع أو سهل في المنطقة، وأن ما يجري هو مواجهة معقّدة، لا تُحسم فقط بالضربات الجوية أو الدمار المادي، بل بعمق السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا، وهي أمور ما زالت خارج تركيز الحملة العسكرية الحالية.
في الداخل الإسرائيلي، يبدو أن الرأي العام موحّد إلى حد كبير على دعم العملية العسكرية ضد إيران، إذ لا توجد أصوات معارضة قوية، سواء من المعارضة السياسية أو الموالاة أو حتى الأوساط البحثية والأمنية.
والضربة الافتتاحية التي ألحقت خسائر بشرية جسيمة برجالات النظام الإيراني وخسائر مادية، كانت محطّ إعجاب وفرحة عند الكثيرين.
لكن مع مرور الأيام الأولى للمعركة، ومع التصعيد المتبادل بين الطرفين، بدأت بعض التساؤلات تتسلّل إلى النقاش العام، ليس حول مشروعية بدء الحرب، بل حول الغاية منها، وما هي الكلفة التي ستدفعها إسرائيل لتحقيق هذه الغاية.
إذا استطاعت إيران عرقلة الحملة، فقد تحقّق نصراً
استراتيجياً وليس فقط صموداً
ومع استمرار المعارك، تظهر مؤشرات إلى أن الفوائد الميدانية تقلّ شيئاً فشيئاً، فيما تزداد التكلفة البشرية والاقتصادية داخل إسرائيل وضوحاً.
ومع ذلك، لا أحد يدعو إلى وقف النار بشكل كامل، لكنّ التركيز بدأ ينتقل تدريجياً نحو ما بعد الحرب، وتحديداً السؤال الأساسي: كيف يمكن تحويل ما تحقّق على الأرض إلى تسوية سياسية تمنع إيران من العودة إلى برنامجها النووي لسنوات طويلة، على أن لا تطول المعركة كما هي عليه الآن؟
وإذ تتصاعد حدة الهجمات الإيرانية، أصبح واضحاً أنها لم تعد مجرد ردود فعل رمزية، بل ضربات مؤلمة تلامس الحياة اليومية في المدن الإسرائيلية، حيث المواقع الاستراتيجية والحيوية ذات الطابع الأمني والتسليحي، مغروسة داخل الأحياء السكنية في هذه المدن، الأمر الذي يخلق قلقاً يتراكم كل يوم، ومع كل ضربة إيرانية، لدى الجمهور.
وهنا، يبدأ الخطاب السياسي والإعلامي بالتفكير في خطوات لاحقة، ويفترِض سيناريوات مختلفة: هل يكفي ما تمّ تحقيقه؟ وهل بالإمكان إنهاء العملية الآن، مع اعتبار أن إيران تأخرت سنوات في إعادة بناء قدراتها؟ أم أن الاستمرار ضروري لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعف؟
إسرائيل، حتى اللحظة، لم تنتقل إلى استهداف البنية الاقتصادية الإيرانية، على الرغم من أن البعض في تل أبيب يراه خياراً استراتيجياً قد يدفع المسؤولين في طهران إلى إعادة الحسابات تحت ضغط الخسائر .
إلا أن هذا الخيار ما زال مرفوضاً لدى صناع القرار، لأسباب ردعية، على رأسها مخاطر الرد الإيراني على الاقتصاد الإسرائيلي نفسه، وهو ثمن قد يكون باهظاً جداً، وقد تستمر آثاره السلبية لعقود.
ولذا، تفضّل القيادة الإسرائيلية أن تبقى ضمن نطاق يمكّنها من عدم تحويل الحملة من مسار طلب المكسب، إلى مسار تلقّي الضرر.
وهنا تظهر واحدة من أبرز نقاط القوة الإيرانية: القدرة على توجيه ضربات صاروخية دقيقة، تجعل من الصعب على إسرائيل توسيع الحرب من دون أن تتحمّل خسائر داخلية حقيقية. وصحيح أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية متقدّمة، لكنها تعجز عن توفير الحماية التي كانت إسرائيل تعتقد بأنها قادرة عليها في مواجهة الصواريخ المهاجمة.
وهذا الواقع هو ما يحدّ من حرية الحركة الإسرائيلية، ويمنع التمادي في التصعيد، ولو لم يكن موجوداً لكانت إسرائيل أكثر جرأة بكثير في تحديد أهدافها، ولارتفعت سقوف مطالبها إلى مستويات أعلى مما نراه اليوم.
ما يجري اليوم يشير إلى أن الأمور بدأت تتعقّد أمام إسرائيل، على الرغم من ما تعلن عنه من نجاحات أولية، إذ الحرب ليست كما رسمتها القيادة الإسرائيلية في خططها المُسبقة، والمواجهة مع دولة مثل إيران لا تشبه إطلاقاً المعارك السابقة مع أعداء أقل تعقيداً، فيما لا يبدو لتل أبيب وغيرها أن النظام في طهران يقترب من نقطة الانهيار أو الاستسلام.
وأياً يكن، فإن إسرائيل هي التي اختارت شنّ الحرب، وهي التي حدّدت لها الأهداف والجدول الزمني، لكنها الآن أمام سؤال لا مفرّ منه: متى تكون الكفاية؟
هل هناك محطة ما في سياقات الحرب داخل المؤسسة الأمنية أو السياسية، تتيح أو تدفع، إلى القول إن ما تحقّق كافٍ، وإن المطلوب هو التوقّف والانتظار ليُرى كيف ستتطور الأمور داخل إيران نفسها؟ أم أن الاستمرار هو المطلوب، وإن كانت النتيجة ضبابية وغير ملموسة ومُقدّرة بالكامل؟
في المقابل، لا تزال إيران، على الرغم من موقعها الدفاعي، قادرة على التأثير في الميزان العام للمعركة، مع كل شراسة الهجمات عليها.
وإذا ما استطاعت، عبر تصعيد الردود الصاروخية أن تمنع أو تعرقل الحملة الإسرائيلية، فسيكون ما تحقّقه ليس فقط صموداً، بل نصراً استراتيجياً كبيراً – وإن باهظ الثمن -، من شأنه أن يغيّر المعادلات في المنطقة لسنوات قادمة. وعليه، على إسرائيل أن تستعد لصراع متعدّد الأبعاد، تمثّل فيه المعركة العسكرية جزءاً فقط من حرب أشمل وأوسع.