مقالات
حكاية العهد البائد ونهاياته،في الحياة السورية بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

حكاية العهد البائد ونهاياته،في الحياة السورية
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
تحليل في المؤشرات:
حكاية العهد البائد والعهود البائدة،واحدة من حكايات التاريخ في كل أزمانه،بينها قواسم مشتركة،وبينها تفرد،في الأزمان والمؤشرات.المشتركات في المؤشرات،يأتي من كون العهد يمت للبناء الاجتماعي،والبناء له ظواهره وأحداثه وواقعاته،وله أيضاً سلوكياته الاجتماعية والسياسية،وله شخصيّاته الاجتماعية،التي
ترتبط بتاريخها وزمانها وهذا التفرد في الشخصيات،هو حصيلة ماتمر به الشخصية من أحداث وظواهر،تجعلها مالكة لمؤشراتها،ومرة ثانية للتباين والتفرد والخصوصية لهذه المؤشرات.
إذن؛شخصية المجتمع،أي مجتمع من المجتمعات،،شخصية مجتمعية واحدة بمعالمها،لكن هذه المعالم لاتبقى على حالها وإنما تكتسب خلال تاريخها عناصر بنائية،تضاف إلى تلك المعالم،وهي في الوقت ذاته تتخلى عن عناصر محسوبة إلى معالمها الرئيسة.ولكن التخلي والاكتساب الذي تقوم به الشخصية الاجتماعية،
يظل محكوماً إلى الجغرافيا بمناخها وترابها وحدودها وثقافتها ،هذه الجغرافيا التي تسمى الشخصيات الاجتماعية بأسمائها،مثل القول بالشخصيّة الاجتماعية العربية،والشخصية الاجتماعية الصينية،والفرنسية،والروسية…..إلخ.هذا الكلام الذي تقوله الأنثروبولوجيا الثقافية عن الشخصيات
تريد أن تقول به أشياء كثيرة تتعلق بالمؤشرات،لتقول كلمتها بالعهد من أجل أن ترى شيئاً يخص العهد من خلال احتسابه،على أنه مرحلة تاريخيّة في هذه الشخصية،وبأنّ العهد له مؤشراته الخاصة به،بوصفه يمت للتجربة الاجتماعية التي تمر بها الشخصيات الاجتماعية الحضارية،ومن أجل ان تقول كلمتها من خلال المؤشرات،ما إذا كان هذا العهد قد انتهى،أم أنه باق في مؤشراته.
يطول الكلام في تفحص هذا العهد وذاك ،والقول في نهاياته،محكوماً في كل مرة بمؤشراتها النابعة من الشخصية الاجتماعية،التى نرى في هذه الشخصية قوة الاستمرار في معالمها الرئيسة،على ضوء حضور الثقافة،في هذه الشخصية،فالثقافة في التحليل الأخير ،هي التي تكون الشخصيات الاجتماعية،وتعطيها معالمها ومعالمها الرئيسة،فعندما نقول عهد الإمبراطوريات في العالم،ونهاية هذه الإمبراطوريات،
سيكون مقدمة لولادة عهود جديدة،حاملة معها مؤشرات من الماضي ،لكن الماضي سيكون حاضراً في المستقبل.وسيكون في كل عهد مؤشرات من الماضي ،بمعنى آخر أن المؤشر بحد ذاته فيه ماض وحاضر ومستقبل.
سنحاول في هذه اللحظة من يقيننا التحليلي للمؤشرات،أن في هذه المؤشرات إذا أخذناها في حياتنا السورية الراهنة،سورية الجديدة،كما بدأت تسمى في الإعلام ،وعلى لسان إكثر من مسؤول ممن شارك في التغيير السياسي والاجتماعي،بل قل التغيير في بنية الإمكانيات العربي السوري،بداية من الفاتح من
كانون الاوّل سنة 2024. لنتفحص من خلالها،مقولة أو اطروحة أو المصطلح السياسي؛”العهد البائد”أي العهد الأسدي،إذا جاز هذا المصطلح،لنسأل بناء على تحليل المؤشرات،ما اذا كان حقاً العهد الأسدي قد أصبح في حكم البائد ،أم أن ماضي هذا العهد لايزال حاضراً في الحياة السورية،رغم ما تردده قوى التجديد بأن العهد الأسدي أصبح من الماضي،وفي حكم البائد؟
في اختيار المؤشرات،مادة وموضوعاً للتحليل،سنعتمد وسيلة وأداة للتحليل تعتمد في الدراسات الأنثروبولوجية الحقلية،وهي القائمة على النظر والبحث والتنقيب في الظاهرة أو الواقعة المدروسة داخل البناء الاجتماعي،بحثا عن بنيتها ومكوناتها،وما فيها من الماضي ومافي الحاضر من المستقبل،وذلك لمعرفة بنية التغيرات ودلالاتها الاجتماعية الثقافية،والقوى الاجتماعية التي قامت بالتغيير،وخلفيتها الثقافية،ومافيها من عادات وتقاليد وأعراف،ومافيها من ولاءات وانتماءات،لأن مكونات الثقافة هي التي تحدد شخصية
هذا القوى وخلفياتها.لننظر في مجموعة من المؤشرات التي نراها في إجراءات وسياسات “العهد البائد”فنراه يضم سياسات طائفية،في تركيب بنية الجيش السوري،حفاظا على أمنه،هل العهد الجديد تجاوز هذه الظاهرة،وقفز من فوقها،والعهد البائد،شمل وكون واستحدث في الحياة السورية ظاهرة الشخص الموثوق والمدعوم،ترىًأ لا نرى في اختيار الشخصيات الإدارية والسياسية مايقول باستمرار ظاهرة الشخص المدعوم،وإذا ذهبنا باتجاه منظمات المجتمع المدني،مثل النقابات والاتحادات، ونظرنا في ظاهرة اتحاد الكتاب العرب،فنجد أن قوى التغيير قد غيرت،تشكيلة رئاسة الاتحاد ومالها من أطر وإدارات،فأسلوب الاختيار وما يجاريه من تغير قد مارسه العهد الجديد قل ذلك في باقي المؤشرات البنائية في الحياة السورية،فستجد أن آلية
التغيير وسياساتها وإحزاءاتها فيها من العهد الأسدي المثير من المؤشرات التي تقول إن العهد الأسدي لم يصبح بأئدا،وإنما هو باق في كثير من المؤشرات.
مالعمل لتتخلص الحياة السورية من حضور المؤشرات البنائية التي تمت لعهود بائدة،وتجاوز ظاهرة حضور المؤشرات التي انتهى عهدها وزمانها وتاريخها،في حاضرنا السوري،أي في البناء الاجتماعي السوري وماله من أنساق بتائية مثل النسق السياسي والاقتصادي والثقافي،فسياسة الخلاص هذه تجنب البناء الاجتماعي السوري الانقسام والعداوة والشرذمة،وتقوي في الوقت نفسه الوحدة الاجتماعية،ومالها من عصبية وطنية
قومية عربية،وتجعل باقي العصبيات،على حد تعبير معلمنا ابن خلدون،متماسكة متماهية في ولاءاتها وانتماءاتها وفعالياتها،وتكون المواطنة فيها خالية من أي عِور يفقدها الساحة الوطنية؟
سؤال مصيري وله في الحاضر السوري حضوره ووجوده،وقوة دعوتنا للنظر في التاريخ السياسي والاجتماعي وماله من تجربة لاتزال تذكرنا بنفسها،يوم عرفت الحياة السورية الديمقراطية،والمواطنة المعبرة عن شخصية المجتمع العربي السوري،يوم ترسخ العهد الوطني في سوريا،غداة الخلاص من الاستعمار ومخلفاته،وتربع الحياة البرلمانية عنواناً لمجتمع عربي سوري جديد،صار عهد الاستعمار من ماضيه،بكل مؤشراته ودلالاته
البنائية.
د-عزالدين حسن الدياب.