رئيسيالافتتاحيه

«الجائع لا يعرف الحكمة»… غزة بين نار العدوان وسلاح التجويع

«الجائع لا يعرف الحكمة»… غزة بين نار العدوان وسلاح التجويع

بقلم: رئيس التحرير 

في زحمة التحليلات السياسية الباردة والمواقف الدبلوماسية المحسوبة، يعلو صوت الواقع الإنساني من غزة صارخًا بعبارة تختصر كل المشهد: «الجائع لا يعرف الحكمة».

ليست هذه مجرد عبارة مأثورة، بل توصيف دقيق لحالة شعب يُحاصر ويُقصف ويُجَوّع، ثم يُطلب منه أن يتصرّف بـ”الحكمة” و”الرؤية السياسية” سياسة التجويع: أدوات تركيع لا تفاوض

منذ أكثر من 18 عامًا، تعيش غزة تحت حصار خانق يطال كل جوانب الحياة: الغذاء، الدواء، الكهرباء، الماء، وحتى الأمل وتُستخدم سياسة الحصار والتجويع كوسيلة ضغط سياسي، لا لتحقيق أمن إسرائيل كما يُروّج له ، بل لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وجرّهم إلى التسليم.

لكن ما يحدث هو العكس تمامًا ،فكلما اشتد الخناق والحصار ، زادت المقاومة، واشتد الغضب الشعبي، وأصبح من المستحيل الحديث عن أي تسوية سياسية دون رفع الظلم أولًا.

من السهل على القوى الكبرى أن تُلقي الخطب عن “الاعتدال”، لكن من الصعب أن تفهم كيف تُفكّر أم فلسطينية تبحث عن خبز لأطفالها تحت الحصار، أو كيف يتصرّف شاب بلا أفق، بلا عمل، بلا كهرباء ولا أمل.

الحكمة لا تُولد في بيئة المجازر، ولا تُنبت في أرض يستهدفها الدمار. من يعيش القهر لا يُمكن أن يُطلب منه ضبط الانفعال، ومن تُسلب منه كرامته وأرضه  لا يُتوقع منه أن يُساير الظالم بأدب.

غزة لا تفتقر للحكمة.. بل للعدالة ؟؟؟

الغريب أن غزة – رغم الجوع والحصار – لم تفقد بصيرتها السياسية، ولا وعيها الوطني. بل يظهر جيل جديد يفهم تمامًا أن قضيته لا تختصر في معبر مفتوح أو شاحنة إغاثة، بل في تحرير وطن واستعادة حقوق.

غزة لا تفتقر للحكمة، بل تُمنع منها قسرًا. فالعقل لا يعمل تحت القصف، والمنطق لا يُنتج حلولًا في ظل الجوع. من يُرد السلام، فليؤمّن لقمة العيش، وليكفّ أيدي المعتدين، ثم يتحدث عن السياسة.

تداعيات خطيرة على مستقبل الصراع ؟؟؟ إن استمرار هذا النهج العقابي ضد غزة لا يُبشّر باستقرار، بل بتفاقم الصراع.

جيل ما بعد الحصار هو جيل لا يُراهن على مفاوضات، بل يرى في القوة والكرامة طريقًا أوحد. هذا التحوّل الجذري في المزاج الشعبي لا يُهدد غزة فقط، بل يُغيّر طبيعة الصراع من نزاع سياسي إلى صراع وجودي مفتوح.

وهذا المسار ينذر بانفجار واسع، قد لا تقف نيرانه عند حدود القطاع، بل تمتد لتُعيد رسم خرائط الإقليم بأكمله، في حال استمرت إسرائيل في تجاهل الجذر الحقيقي للأزمة: الاحتلال، والحصار، والتجويع.

وجوهر القول وحقيقته غزة لا تُريد شفقة، ولا تبحث عن مؤتمرات تضامن صوتية. ما تطلبه هو حقها في الحياة والكرامة ، وما لم يُرفع الحصار، وتُفتح الأبواب للعدالة، فإن العالم سيظل يسمع من غزة صرخة واحدة، تختصر كل السياسة بلغة الجياع: «الجائع لا يعرف الحكمة»… لكنه يعرف أن الظلم لا يدوم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب