نتنياهو ينتظر “الحاسم” و”الغبي” كاتس “يغرد” بقتل المدنيين.. وترامب بين “فوردو” والأصوات المعارضة

نتنياهو ينتظر “الحاسم” و”الغبي” كاتس “يغرد” بقتل المدنيين.. وترامب بين “فوردو” والأصوات المعارضة
عاموس هرئيل
الهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي أدى إلى بدء الحرب الشاملة بين الدولتين، استهدف تحقيق تأجيل المشروع النووي الإيراني لسنتين أو ثلاث سنوات. هدف الهجوم الرئيسي هو منع الإيرانيين من تحقيق قدرة سريعة لتطوير كامل للسلاح النووي، وزيادة عدد الصواريخ الباليستية التي في حوزتها إلى 8 آلاف صاروخ في غضون سنتين، والتقدم نحو إمكانية تحقيق الهجوم الأكبر في إسرائيل، الأمر الذي يسمى هنا خطة التدمير.
عمليات القصف الإسرائيلية التي شملت أيضاً اغتيال عشرات كبار قادة النظام في إيران والأجهزة الأمنية ربما تمهد الطريق لتدخل الرئيس الأمريكي ترامب. ما زالت إسرائيل أن يفرض ترامب على الإيرانيين تسوية متطلبة أكثر بفضل العملية العسكرية. في الخلفية، مثلما تبين من عمليات القصف أمس التي وجهت ضد أهداف متماهية مع النظام مثل قناة التلفزيون الإيرانية الرسمية، يبدو أن إسرائيل ما زالت ماضية نحو إسقاط النظام في طهران. هذا هدف طموح لكنه قابليته للتحقق تحيطها الشكوك. الأرقام المتزايدة للمواطنين القتلى في إيران في عمليات القصف الإسرائيلية ربما تحقق نتيجة معاكسة تتمثل في تكتل جزء من الجمهور حول النظام المكروه أمام التهديد الخارجي.
بعد أربعة أيام من القتال، والضرر الكبير الذي لحق بطهران والدمار الذي لا بأس به في تل أبيب، رغم ذلك لا يمكن القول بأن الأهداف، المعلنة وغير المعلنة، قد تم تحقيقها أو أنها في متناول اليد. هل تم وضع هدف واقعي، أم هي مجرد أمنية فقط؟ إسرائيل بدأت المعركة بشكل مبهر، ولكن عملياتها العسكرية بعيدة عن الانتهاء. ثمة عدم يقين بخصوص موقف الولايات المتحدة، إلى جانب عدم وضوح بخصوص سيناريو الإنهاء، وهناك خوف طبيعي من انزلاق الأمور إلى حرب استنزاف طويلة إسرائيل غير مستعدة لها.
رغم انفعالنا من نجاح سلاح الجو و”أمان” والموساد في الهجوم، واعتراضات منظومة الدفاعات الجوية، وشجاعة المنقذين في الجبهة الداخلية، لكن علينا ألا نتجاهل الحقيقة الرئيسية، وهي أن جميع الحكومات الأخيرة لم تفعل شيئاً لإغلاق فجوة حاسمة. عدد كبير من سكان الدولة، الذين كثير منهم موجودون في المدن الكبيرة، ليس أمامهم حل للدفاع عنهم على شكل ملجأ أو غرفة آمنة قريبة منهم. ولا أحد أعد الجمهور للفرق بين إطلاق الصواريخ من غزة أو اليمن وبين ما يمر به سكان تل أبيب الكبرى وحيفا في الليالي الأخيرة. بعد أن تمكن الجيش الإسرائيلي من تصفية معظم تهديد صواريخ حزب الله، يمكن الافتراض بأن الكثير من المواطنين اعتقدوا بأن الخطر الأكبر قد تقلص.
حتى أمس قتل 23 مواطناً إسرائيلياً في عمليات القصف الإيرانية الكثيفة، وأصيب المئات وتدمرت عشرات المباني أو ثمة حاجة لهدمها، هذه أضرار بحجم لم يتعود عليه الإسرائيليون، خصوصاً في مركز البلاد. منذ بداية الحرب، تم إطلاق 350 صاروخاً باليستياً من إيران على إسرائيل، منظومات الدفاعات الجوية اعترضت أكثر من 90 في المئة منها، أو أنها سقطت في مناطق مفتوحة. عدد القتلى الذي سجل أكبر مما قدرته هيئة الأركان في سيناريوهات مسبقة.
إن الامتثال لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية والمكوث في الملاجئ أو الغرف الآمنة، ينقذ الحياة على الأغلب. حتى الآن، باستثناء قتلى بإصابة مباشرة لصاروخ أمس لغرفة آمنة في “بيتح تكفا”، لم يكن هناك قتلى في الغرف الآمنة نتيجة الإصابة، لكن هذه نتيجة مؤقتة بالطبع. أي حدث يودي بكثير من الضحايا، أو إصابة مباشرة لذخر استراتيجي أو موقع ذي أهمية رمزية، ربما يغير المناخ العام في الجبهة الداخلية، الذي هو في الأصل مشحون الآن بالضغط والخوف.
يشير الجيش الإسرائيلي إلى تفوق مهم تم تحقيقه، وهو ترسيخ حرية العمل الجوي بشكل كامل، التي تستعين أيضاً بالمعلومات الدقيقة في الوقت الحقيقي، في سماء غرب إيران. تم تحقيق هذا الهدف السبت بشكل أسرع مما توقع الجيش، الأمر الذي مكن من مهاجمة عشرات منصات صواريخ أرض – أرض ومئات الصواريخ، إضافة إلى تدمير بطاريات صواريخ أرض – جو، والمس بالشخصيات الرفيعة مستمر، وإن كان بحجم أقل. يصف الجيش الإسرائيلي ذلك بأنه إعطاء حرية عمل للدائرة الثالثة، مثل حرية عمل الدائرة الأولى (مثل بيروت أو غزة).
إسرائيل تقلد الخطوة الأمريكية في فتح حرب الخليج ضد العراق في 1991 وفي 2003: طريقة “الصدمة والترويع” التي تعتمد في المقام الأول على استخدام القوة الجوية.
بين التصريحات والخطوات
إلى أين نتجه؟ إن المجهول الرئيسي والحاسم هو مستوى دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل. هل التصريحات العلنية وإرسال السلاح والمساعدة في المعلومات الاستخبارية والدفاع ستترجم إلى خطوات هجومية؟ أمس، أثار الانتباه تحرك حوالي 30 طائرة أمريكية للتزود بالوقود من قاعدة في أمريكا نحو الشرق. السيناريو الأول، وهو انضمام أمريكا للهجوم ضد منشأة فوردو وأهداف النظام، ربما يغير ميزان القوة ويحقق كل أوهام نتنياهو. ولكن ترامب لم يظهر بعد أي علامة على أنه يسير في هذا الاتجاه، وفي دائرته الضيقة معارضة شديدة لتدخل الولايات المتحدة.
حسب سيناريو آخر، ترامب يتوسل لنتنياهو للمسارعة لإنهاء الحرب وهو في موقف انتصار ويفرض على الطرفين وقفاً سريعاً لإطلاق النار، مع محاولة التوصل إلى اتفاق نووي جديد بشروط أقسى لإيران (يأمل الجيش الإسرائيلي أن يقدم لهم المزيد من الوقت للهجوم رغم الأضرار في الجبهة الداخلية). السيناريو الثالث، وربما الأخطر، يتعلق بتطور حرب استنزاف. ربما تجد إسرائيل نفسها في وضع أوكرانيا التي تحارب منذ ثلاث سنوات ضد روسيا. الأوكرانيون على الأقل يتمتعون بدعم دولي كبير.
صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت أمس، بأن إيران تطلق إشارات حول رغبتها في إنهاء الحرب واستئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. وحسب التقرير الذي نسب لموظفين في الشرق الأوسط وأوروبا، فإن طهران أرسلت للولايات المتحدة وإسرائيل هذه الرسائل بواسطة وسطاء عرب. هذا نبأ مشجع جداً، لكن يثور شك صغير، وهو أن هذا ربما يكون نبأ جيداً أكثر من كونه حقيقياً في هذه المرحلة المبكرة جداً. الضربة التي تلقتها إيران من إسرائيل قاسية وغير مسبوقة في حجمها، لكن لا يمكن تجاهل التصميم الذي يظهره النظام المتطرف حتى الآن. والصحيفة المخضرمة (بدون إشراك طاقمها المدرب في إسرائيل) اتهمت في السنوات الأخيرة بأنها تطوعت لتشكيل قناة لنشر قصص مريحة لنتنياهو.
وزير الدفاع يسرائيل كاتس، يساهم في اتهامات تفيد بأن إسرائيل تضر بالمدنيين في طهران بشكل متعمد. أمس، غرد كاتس في تويتر عقب إطلاق النار الكثيف نحو “غوش دان” بأن “سكان طهران سيدفعون الثمن قريباً”. هذه أقوال تورط إسرائيل وكاتس نفسه باتهامات حول جرائم حرب، بالذات في الجبهة التي يعمل فيها الجيش الإسرائيلي بانتقائية أكثر مما في غزة. بعد ذلك، اضطر كاتس إلى نشر بيان توضيح. لم يعد الأمر يتعلق بأمر مضحك، بل بضرر حقيقي. الطيارون يضحون بأنفسهم في إيران، والجنود الذين يقتلون في غزة والمدنيون يقتلون في الجبهة الداخلية، وبالنسبة لكاتس تظهر الحرب كمناسبة كبيرة لالتقاط الصور. “لا طريقة مهذبة لقول ذلك”، كتب الصحافي ديفيد هلبر ستام عن روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي، في حرب بداية حرب فيتنام. “لقد كان شخصاً غبياً”.
جاء تعيين كاتس اختياراً مفضلاً من نتنياهو في منصب رفيع جداً في ذروة الحرب. ما الأمر الذي يستمر في إشغال رئيس الحكومة أثناء حرب قاسية جداً والخروج إلى معركته الاستراتيجية الأهم بالنسبة له؟ أمس، توجه إلى المحكمة العليا وطلب إلغاء رأي المستشارة القانونية للحكومة، وتعيين مرشحه الجنرال دافيد زينيه في منصب رئيس “الشاباك” بعد استقالة رونين بار أول أمس. حملة تفكيك الديمقراطية مستمرة رغم الحرب في إيران، وربما سيتم تسريعها برعايتها.
اعتبارات محل تساؤل
لم يُعنَ نتنياهو بإشراك مواطني إسرائيل في اعتباراته عشية الهجوم وذلك ليحافظ على عامل المفاجأة في إيران. بعد الهجمات الأولى، أفاد بظهور معلومات جديدة في الأشهر الأخيرة لم تترك له أي خيار إلا العمل. رئيس الأركان أيال زامير، الذي يتمتع الآن بثقة كبيرة من الجمهور، عني بإعلان أن قرار الذهاب إلى الحرب كان “موضوعياً ومهنياً”، لكن ثمة شك يعتمل في أوساط كبار سابقين في جهاز الأمن، بالأساس حول اعتبارات نتنياهو، الذي كسب وبحق عدم الثقة به في السنوات الأخيرة.
جهات استخبارية قالت أمس للصحيفة بأن الإيرانيين استغلوا فترة المفاوضات الطويلة حول عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، في آخر ولاية بايدن وفي بداية ولاية ترامب، من أجل تسريع المشروع النووي. تم تشخيص عمل جديد في مجموعة السلاح في هذا المشروع، التي قتل فيها معظم العلماء الرائدين جراء الهجوم الإسرائيلي المركز في ليلة الهجوم الأولى. قدم الجيش توصية بالعمل من خلال نافذة فرص تحددت في حزيران، بعد عدة تأجيلات سابقة، للاعتقاد بوجود ما يكفي من القدرات لتنفيذ العملية الافتتاحية. في حين أن انتظاراً آخر كان يمكن أن يؤدي إلى إغلاق ثغرات في منظومة الدفاع الإيرانية. هذه هي المبررات، وسيكون هناك مناسبة للعودة وفحصها بدقة أثناء الحرب، وبالتأكيد بعد انتهائها.
هآرتس 17/6/2025