
خمس ملاحظات على المعركة الاسرائيلية – الإيرانية
بقلم كمال ديب
هذه الملاحظات الخمسة تنطبق على الوضع الحالي بين إيران واسرائيل، إلى أن يحصل شيء كبير جديد (مثل وقف المعركة – دخول أميركا المعركة – دخول أي من القوى الكبرى الخ).
الملاحظة الأولى،أنّ إسرائيل تكرّر خطأ المانيا النازية:
لقد كبّرت اسرائيل البيكار أكثر بكثير من قدرتها. ولعلها ارتكبت نفس خطيئة هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية. فقد غزا هتلر روسيا بعد نشوة نجاحه في احتلال فرنسا وبلجيكا وبولندا وهولندا وغيرها. أمّا اسرائيل المنتصرة خلال 2024 و2025 بسقوط سورية وتدمير قطاع غزة وقتل 60 ألف فلسطيني وغزو لبنان وارتكاب اغتيالات عدّة وأحراق وتدمير مدن وقرى في لبنان، لم تعد النشوة تسع حكومتها. فهي قرّرت مهاجمة جسم كبير جداً، ظنّاً أنّ النجاح سيحالفها كما حالفها دوماً. ثم تبيّن أنّ المهمة أكبر منها والجغرافية خصم لا يقهر، وقد مرّ اسبوع كامل على بدء المعركة.
الملاحظة الثانية، التمدّد الزائد يعني الضعف:
بعد هجوم اسرائيل الصاعق على إيران يوم الجمعة 13 حزيران يونيو الجاري، ردّت إيران بالمثل. فتعرّضت اسرائيل نفسها للدمار وعجزت عن ردع إيران. ولم تتدخّل أميركا مباشرة إلى جانب اسرائيل كما فعلت مراراً في الحروب العربية الاسرائيلية السابقة. وتجربة بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية حاضرة أمام أميركا : نعم بريطانيا هزمت ألمانيا النازية ودخل جيش بريطانيا ألمانيا وحارب وأنهى الحرب العالمية الثانية عام 1945. ولكن كانت النتيجة أنّ بريطانيا بعد الحرب ضعفت وفقرت. وانهارت امبرطواريتها التي لا تغيب عنها الشمس عام 1947 وانسحبت من العالم وحصلت مستعمراتها على الاستقلال.
الدرس القاسي هو: أنّ التمدّد له ثمن، وهو آت بعد حين، جالباً معه الفقر والانكسار.
الملاحظة الثالثة: هامشية العرب:
عام 2025 بات العرب مشهداً جانبياً لا يؤخر ولا يقدّم، بعدما كان صوتهم في الماضي كبيراً وفاعلاً، يوم كانت الدول العربية الثلاثة (مصر والعراق وسورية) قوية ونشطة، تقودها شخصيات تاريخية من طراز جمال عبدالناصر. ولكنّ مصر والعراق وسورية غابت عن الساحة (غابت لأنّ بعض الدول العربية ساهمت في ذلك). ومَن بقي من العرب هزيل وغير فعال: فدول التعاون الخليجي لا تؤثر في الموقف الإيراني ولا في الموقف الاسرائيلي ولا صوت لها مع الدول الكبرى ولا حتى أميركا سوى التمني الشفهي.
الملاحظة الرابعة: إنّها ليست حرباً بل معركة.
إنّ المواجهة الحالية تُخاض بالقصف الجوي ووسائل الإعلام هي ليست حرباً بل هي معركة فحسب كما كان يجري بين سورية واسرائيل أو مصر واسرائيل في الماضي. وهذا التوصيف للاشتباكات عن بعد ينطبق على اسرائيل وايران معاً. فالحرب تفترض سعي كلا الجانبين إلى هزيمة الآخر وتغيير نظام حكمه وجعله دولة تابعة، وصولاً إلى دخول الجيش المعادي إلى عاصمة البلد الآخر. أمّا في المعركة الحالية، فهي تجري عن بعد، وإيران لا تسعى إلى هزيمة اسرائيل وجعلها دولة تابعة. بل أن اسرائيل تسعى إلى ذلك وتكثر من استعمال عبارة “اسقاط النظام في طهران” (ومعناها هزيمة إيران وقبولها بكل شروط الاستسلام)، فيما دأب رئيس الحكومة الاسرائيلية على نداء الشعب الإيراني إلى الانقلاب على حكومته. سوى أنّ القوّة التي تستخدمها إسرائيل هي غير كافية وأقل بكثير من أن تستطيع “إسقاط النظام” في طهران. ونداءات اسرائيل إلى دور ما للشعب الإيراني غير جادة إذا لم يحضر الجيش الاسرائيلي إلى طهران ويحتلها بنفسه. فقوّة إسرائيل الجوية والجواسيس على الأرض توازي مَن يحاول نقل سفينة التيتانيك بمعول يدوي صغير.
الملاحظة الخامسة، أنّه كما لاسرائيل أصدقاء فلإيران أيضاً أصدقاء:
ساد الظن أنّ العالم أجمع سيقف إلى جانب اسرائيل في تحديها لإيران وأنّه لن يقف أحد إلى جانب إيران. ولكن تبيّن أن هذا مجرّد كلام هراء. بل الحقيقة الواضحة أنّ العالم يقف دائماً مع القوي: هذا العالم وقف مع اسرائيل عندما ضربت لبنان وسورية والفلسطينيين لأنّ العرب ضعفاء حتى لو كانوا أصحاب الحق. ونفس العالم سينتقد اسرائيل ويتدخل للسلم لو كان لبنان وسورية وقطاع غزة أقوياء. وفي المعركة الحالية، فإسرائيل قويّة وإيران قوية. وفي هذه الحالة ينقسم العالم إلى معسكرين: معسكر أميركا مترددة (إلى إشعار آخر) ومعها الاتحاد الأوروبي يجنحان إلى جانب اسرائيل – ومعسكر روسيا والجنوب العالمي (دول آسيا وأميركا اللاتينية) إلى جانب إيران.