مقالات

حرب الصواريخ البالستية بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

حرب الصواريخ البالستية
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
ربما هي المرة الأولى في التاريخ، تدور رحى حرب بين دولتان بالصواريخ البالستية، ودون تماس بين القوات المسلحة، أو على الأقل حتى الآن، فما هي أبرز مزايا الحرب البالستية ..؟
المشكلة الفنية الأولى والثانية :
هناك مشكلتان فنيتان أساسيتان :
الأولى : مشكلة الدقة .
الثانية : مشكلة المدى.
وهي مشكلة فنية تقليدية لدى كافة مصنعي الصواريخ وهي مشكلة ” الدقة في التهديف” والصاروخ كمقذوف بعيد المدى تبدأ فاعلية بما يزيد عن 70 كم ، وهو المدى الأول لفئة الصواريخ من الحقبة السوفيتية المعروفة بصواريخ لونا (Lona /فروغ (Frog) ” وهذه من أولى الصواريخ أرض ــ أرض السوفياتية وأفضل فئاتها (النهائية: A ; B ) يبلغ مدى أفضلها حوالي 150 كم بنسبة خطأ دائري يتراوح ما بين 50 إلى 120 متر، الرأس الحربي يزن 750 كلغ من المواد الشديدة الانفجار أو مواد كيميائية أو نووية، بدأ أنتاج أفضل الأنواع عام 1965 في الاتحاد السوفيتي صدر منه الكثير إلى دول حلف وارسو، طورت العراق نسخة من صواريخ فروغ-7 حملت اسم ليث-90 بمدى يصل إلى 120 كم ورأس حربي يحمل ذخيرة عنقودية.ومداها لا يزيد عن 70 كم. الخطأ الاساسي في هذه الصواريخ هي نسبة الخطأ العالية 50 إلى 120 متراً، وهذه نسبة كبيرة قد تحيل القيمة العملياتية إلى درجة ضعيفة وتسمى (نيران إزعاج)
أما الصاروخ السوفيتي (سكود / Scud ) فمداه يتراوح من 180 كم إلى 700 :م، ونسبة الخطأ فيه تتراوح من 3000 متراً إلى 50 متراً عند أفضل أنواعها سكود (D)، الرأس المتفجر يتراوح من 950 إلى 980 كم. صدر منها كميات كبيرة بعد أن تجاوزها الزمن إلى البدان الصديقة، التي تمكنت بعضها من تطوير مدياتها، ولكن تطوير دقة الإصابة أمر معقد أكثر من تطوير المدى، إلى أن مشكلة الدقة لم تحل، وهذا هو الجانب المعقد في صناعة الصواريخ البالستية.
وتمكنت بعض الدول (ومنها إيران) من تطوير المدى، مع رأس متفجر أقل وزناً، ولكن مشكلة الدقة لم تحل، والدليل هو الإطلاق العشوائي (تقريبا) فالقليل جداً من الصواريخ تصيب أهدافها المطلوبة، وبالتالي تقلص من قيمتها العملياتية، إلى التأثير النفسي والمعنوي. وتأثير الصوت (الدوي) والحفرة التي تخلفها في الأرض، ولكن مع تأثير قليل جداً على القوات المسلحة.
وبالطبع إذا كانت مشكلة المدى والدقة مؤثرتان لدرجة كبيرة، فإن هذا سيؤثر على مشكلة جانبية وهي مشكل حمولة الصاروخ، وفي حالة عدم الدقة وضعف المدى، فسيصعب تحميل الصاروخ بمواد غير تقليدية، كتحميل مواد : كيمياوية، نووية، بايولوجية. لأن الخطأ في إصابة الهدف، أو ربما حتى عند إطلاقها قد يتسبب بكارثة حتى على الطرف الذي يطلق الصاروخ.
الإيرانيون يحاولون تلافي هذه الثغرة المهمة، بإطلاق عدد كبير من الصواريخ، (بالمئات)، وهنا تنشب مشكلة أخرى، فهمة أسقاط الصواريخ بواسطة المضادات تصبح أسهل، ناهيك عن نسبة كبيرة منها تسقط خارج الهدف، ومع تضاؤل الخسائر البشرية والمادية .
هذه المعطيات لا تجعل من الصواريخ (من هذا النوع) كبيرة الفائدة، ولن تكون لها نتائج مؤثرة. بل هي مؤثرة نفسياً على الأرجح، وحتى العامل النفسي أن تكرر استخدام الصواريخ بكثرة، فسيستوعبها الناس ويعتادون عليها. وفي محاضرة لضابط مدفعية مضادة للطائرات، من دولة قاتلت سنوات طويلة وله خبرة عميقة، قال للطلاب (ضباط دورة)، أن الخطر الأكبر في الأسلحة غير الدقيقة هو الدوي الذي تتسببه، وهو ما يثير الرعب والخوف عند الناس أكثر من فاعليتها القتالية.
منذ سنوات بعيدة، أصبح الاعتماد على إصابة الأهداف بدقة تامة إصابة 100% على الأسلحة المسيرة، والقنابل والصواريخ الذكية (أطلق وأنسى / fire and forget) التي تستخدم بواسطة توجبه لاسلكي، مونيتور / شاشة كومبيوتر، وكاميرا في رأس الصاروخ، ومطلق يتحكم بسير الصاروخ حتى بلوغه هدفه، أو يبرمج قبل الاطلاق مثل صواريخ كروز، ويطلق من مسافات تفوق الألاف الكيلومترات..
والايرانيون يدركون هذه الحقائق، ولذلك لا يعتمدون عليها قتالياً، بل إحداث أثار نفسية لدى المواطنين وخلق تفاعلات، وصدى اجتماعي، ويستخدمونها بكثافة إعلامية، وحين الاستخدام (بالمئات) . ولكن بفائدة قليلة. وقد أشارت معطيات الرشقات الصاروخية في اليوم السادس من الحرب (19/ حزيران) أن الإيرانيون قد توصلوا فعلاً، إلى تطوير جيد لمشكلة الدقة، بأجهزة حديثة تمكنوا من استيرادها أو أنتجوها لأنفسهم.
والمشكلة الثالثة هي سياسية، وتتمثل :
استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في اشتباكات حدودية، لا تمثل غالباً حدثاً بالغ الأهمية، وقد تكون حادثاً عابراً، بقرار من قائد وحدة صغيرة قد لا تتجاوز (آمر سرية)، واستخدام المدفعية الثقيلة وقصف أهدافاً بعيدة نسبياً قد تكون من صلاحيات قائد بدرجة، قائد فرقة، رئيس أركان الجيش. أما قرارات استخدام الأسلحة الاستراتيجية، فسيكون لها معنى سياسي، ألا وهو درجة الصراع السياسي، وبلوغه مرتبة الصراع المسلح، وهذا أشبه بإعلان للحرب، وقرارات استخدام الأسلحة الاستراتيجية لا تصدر إلا من أعلى القيادات السياسية والعسكرية، لأنها سوف تتسبب برفع درجة الصراع وتوقع أن يلجأ الطرف المقابل لذات المستوى، وربما يزيد عليها. ولذلك فإن قرار استخدام الأسلحة الاستراتيجية، هو قرار سياسي أكثر مما هو قرار عسكري. ولا سيما إذا كانت طبيعة الهدف خارجة عن الجدوى العسكرية. كأن تكون أهدافاً اقتصادية، أو سياسية (لأغلاق ممرات مائية، قصف مقرات سيادية) قصف الموانئ، والمطارات المدنية، قد تعني إشارة اعلان للحرب.
ومثل هذه التصرفات والممارسات، اتخذتها القيادة الإيراني عام 1980 في قصفها لمدن عراقية وأهدافاً سيادية وصولاً لإغلاق الممر المائي المهم (شط العرب) وتوغل طائرة مقاتلة / قاصفة حتى وصولها العاصمة العراقية (بغداد)، قادت في تواصلها إلى اندلاع الحرب التي استمرت 8 سنوات.
المشكلة الرابعة: وهي وفرة المخزون من الأسلحة الاستراتيجية.
من الواضح أن القيادة الإيرانية قد أقامت حساباتها بمقاييس معارك طويلة، ولكن في معركة مع عدو كالعدو الصهيوني المدعوم بقوة دولياً، فإن الوفرة في السلاح والعتاد له أهميته البالغة. وافتقار الجيش الصهيوني إلى قدرة المطاولة (Endurance) ، بالألمانية / Ausdauer من نقاط ضعفه المعروفة، ولكننا لاحظنا أنهم تلقوا، خلال معارك الطوفان، شحنات إمداد كبيرة إن من الولايات المتحدة أو من حلفاء آخرين، في حربهم الطويلة التي تدور منذ عام ونصف، واليوم يركز الخبراء والمراقبون على كمية الصواريخ وحجم الضربات بالصواريخ تتراجع بعد الرشقة 15 فالرشقة الأخيرة رقم 16 / يوم 19/ حزيران، كانت بعدد أقل، ولكن مع التأكيد أن حجم الصواريخ أصبحت أكثر ثقلاً والقدرة على التدمير، فالكيان الصهيوني له من يزوده بالسلاح والعتاد، فيما يفتقر الإيرانيون إلى العون الخارجي. (لحد الآن على الأقل) أو ربما العمل والإنتاج المحلي الكثيف يغطي الحاجة المتزايدة لها، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الخسائر في وسائط وأنظمة الدفاع الجوي لدى الكيان، تجعل قدرته على التصدي للصواريخ أقل، فالتراجع في الأداء بعد مرور أسبوع على اندلاع الحرب الصاروخية له تأثيره السلبي على طرفي النزاع.
الحرب هذه غير اعتيادية، هي حرب بالصواريخ البالستية، ولا يتقابل المقاتلون وجهاً لوجه، نعم منذ حرب أكتوبر/ 1973 بدأ الصراع المسلح يتخذ طابع القتال عن بعد، القصف على الخريطة، بالصواريخ المتوسطة المدى، أو البعيدة، ولكن هذه الحرب الحالبة تدور رحاها تلفازياً، وبالصواريخ بمديات ألاف الكيلومترات. ويصعب التكهن بنهايتها، إملاء الإرادات يبدو ستحدث بعد أن يصيب اليأس، أو ملامسة الأنهيار، أحد الأطراف لأي سبب من الأسباب.
طرفا الحرب : إيران وإسرائيل، كانوا حلفاء وأصدقاء، الطموح السياسي لدرجة الجموح، شكل موقفاً إيرانيا جديداً، والخوف من المستقبل، والسعي نحو الهيمنة المطلقة قاد الصهاينة إلى موقف حرج، الخروج منه أصعب من الدخول فيه.
يقول غورباتشوف في كتابة ” البيروسترويكا ” أن الحروب الحديثة في ظلال الصواريخ الشديدة التدمير والنووية والكتلوية، يصبح اللجوء إلى خيار نقل الصراع إلى استخدام السلاح مجازفة، بدرجة أن تتلاشى قيمة النصر، بعد تدمير واسع النطاق وخسائر بالأرواح، والاقتصاد، فالصر يصبح باهض الثمن، على البشر أن يحتملوا بعضهم ليوفروا دماءهم ودماء أبناءهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب